د. فاطمة الحمادي: نخاطب عقول الشباب لتغيير نظرتهم السلبية لمفهوم الزواج

ترى أن سرّ السعادة المستدامة هو الرضا الداخلي، والقناعة بما نملك، وعدم الوقوع في فخ السعادة اللحظية. تأخذ على عاتقها تصحيح النظرة السلبية لدى الشباب الإماراتي حول مفهوم الزواج، وتقدم للأسرة وصفة لتحقيق التوازن بين العلاقات داخلها، والعالم الافتراضي الذي أصبح يحتل جزءاً كبيراً من وقتها.
إضافة إلى ملفات أخرى تحدثنا عنها مع الدكتورة فاطمة عبدالله الحمادي، الخبير الاجتماعي في مؤسسة التنمية الأسرية ـ أبوظبي، نستعرضها في السطور التالية:

تتحدثين عن مفهوم السعادة المستدامة، هل هناك مجال لتحقيقها على أرض الواقع بخاصة أن السعادة نسبية؟
السعادة المستدامة هي مفهوم فلسفي عميق مرتبط بمعنى الحياة، والسّر في تطبيقها يكمن في تحقيق الرضا الداخلي، والقناعة بما نملك، والسعي الواعي والمتوازن للتحسين والأفضل إلى أن نصل إلى الطمأنينة، والسلام الداخلي، بكل تأكيد يمكن تحقيقها على أرض الواقع إذا استطعنا أن نصحّح مفهومنا للسعادة، من خلال استراتيجية علمية لتدريب العقل اللاواعي على التفكير الإيجابي في جميع المواقف، والتركيز على التفاصيل التي تجعلنا نستشعر قيمة ومعنى وجودها في حياتنا. فمثلاً، إذا قرّر والدي أن يفاجئ ابني بحفلة عيد ميلاد بسيطة، لأنه يعلم أنني أجّلت المناسبة بسبب انشغالي في العمل، فهذا الموقف لن يشعرني بالسعادة لأنه حاول إسعاد حفيده فقط، ولكن بدلاً من ذلك استشعر السعادة الحقيقية في محاولته إسعادي لأنني بارّة به، ولأنني ممتنة لله ربّ العالمين لأنه منحني عائلة محبة لأبنائها وأحفادها، وتسعى لإسعادها، فتدريب العقل على التفكير بطريقة مختلفة باستمرار يجعله يتعوّد على النظرة الإيجابية في الحياة، وبالتالي تتحقق السعادة المستدامة التي ننشدها جميعاً.

تشيرين إلى أهمية ألّا يقع الفرد في فخّ السعادة اللحظية، أو المؤقتة، فماذا تقصدين؟
من خلال لقاءاتنا المباشرة مع الجمهور، وأفراد المجتمع، اعتدنا أن نسأل عن معنى السعادة بالنسبة إلى كل فرد، وما الذي يحقق له السعادة، فنجد أن الإجابات تختلف، فمفهوم السعادة متغيّر مع الزمن والمراحل العمرية للإنسان، فمنهم من يجيب بأنها في الصحة والعافية، وبعضهم يحدّدها في وجود الأسرة، أو تحقيق أهداف معيّنة، أو نجاح الأبناء وتفوقهم، أو المفاجآت السارّة والهدايا، ونسبة كبيرة منهم ترى أن السعادة في المال، وجميعها عوامل خارجية تشعرنا بالسعادة في لحظة حدوثها، هذه هي السعادة اللحظية أو المؤقتة، تتلاشى بعد فترة من الزمن، وتصبح الأمور كما كانت عليه لننتظر حدث آخر يعيدنا إلى ذلك الشعور، أي أن شعور السعادة ارتبط بحدث خارجي ننتظره على مدى الأيام، ويمضي بنا العمر ونحن في انتظار تلك الأمور التي ربما تحدث، أو لا تحدث، فهذه أرزاق، وتيسير من الله سبحانه وتعالى، مهما كانت درجة سعي الإنسان فالنتيجة مرتبطة بيد الله وحده، فنعيش في قلق، وتوتر، وإجهاد نفسي، وعبء، وتصبح الأيام ثقالاً بانتظار نتيجة هذا التعب والسعي، وبانتظار الشعور بالسعادة، ولا ندرك أننا فقدنا تفاصيل جميلة موجودة في حياتنا، ومن حولنا، لكننا لم ندرك جمالها وقيمتها، هنا نستطيع أن نقول إننا وقعنا في فخ السعادة اللحظية، أو المؤقتة.
السعادة قرار يجب أن ندرك أثره الإيجابي في حياتنا ونمارسه في المواقف البسيطة التي نمرّ بها
هل يعني حديثك أن السعادة قرار يمكن أن يتخذه الإنسان؟
نعم، السعادة قرار يجب أن ندرك أثره الإيجابي في حياتنا، ونمارسه في المواقف البسيطة التي نمرّ بها، فنتعلم كيف نمارس الامتنان واستشعار النعم من حولنا، بحيث نشعر بالاكتفاء والشبع الداخلي، نتعلم كيف نطبق المفاهيم التي نكرّرها باستمرار، لكن نخطئ في تطبيقها مثل مفهوم الرضا الداخلي، فعندما أقول أنا راضٍ بقضاء الله وقدره، فهل فعلاً أنا مقتنع وراضٍ، أم أنني أحترق في داخلي على فقد إنسان عزيز، أو خسارة مشروع، أو ابتلاء معيّن؟ إذَن، هذا ليس هو الرضا الحقيقي، ولذا علينا ألا نجعل تعوّدنا على النعم يفقدنا الشعور بقيمتها في حياتنا.

يحتل العالم الرقمي الجزء الأكبر من حياتنا، الأمر الذي يؤثر سلباً في شكل العلاقات الاجتماعية، فما سبيل الأسرة لتحقيق التوازن بين العلاقات داخلها، والعالم الافتراضي؟
الأسرة التي تجد صعوبة في التعامل مع المشكلات التي تواجهها، هي أسرة غاب عنها مفهوم التوازن، سواء التوازن بين الأدوار والمسؤوليات والعمل، التوازن في العطاء، التوازن في استهلاكنا للموارد المتاحة، التوازن في نظامنا الغذائي والصحي، التوازن النفسي، وغيرها، فعدم وعينا بأهمية تطبيق التوازن في الحياة يجعلنا نعيش في حالة من الفوضى الاجتماعية، والمالية، والصحية، وكلها من ضرورات التعايش مع الحياة الرقمية. وإذا لم ندرك أننا أمام مشكلة أصبحت تسيطر على حياتنا الواقعية، سيعرّضنا ذلك، وبلا شك، لمخاطر عدّة، منها المخاطر الصحية المعروفة للجميع، أما المخاطر الاجتماعية والنفسية، على سبيل المثال لا الحصر، فهي تقليص العلاقات الأسريّة، وإصابة بعض أفرادها بالعزلة، والانطواء، وعدم المشاركة في المناسبات العائلية، وأحياناً تصل الحالات إلى مستوى من الحزن، والقلق، والعدوانية، والمعاناة النفسيةن والاكتئاب، فضلاً عن تأثير الإدمان الإلكتروني في الأبناء، ومخاطره المتمثلة في التشتت، وعدم التركيز، وفقدان الشغف بالتعليم والحياة المدرسية، وتدنّي مستويات التحصيل الدراسي، وبالتالي يؤثر في ضعف الثقة بالنفس، إضافة إلى تدهور اللغة، ومستوى الكتابة، وهناك مؤشرات على إمكانية التصرف بعدوانية، أو التنمّر على الزملاء، والتقليد الأعمى للمشاهير.

وما طرق العلاج من وجهة نظرك؟
يحتاج العلاج منا إلى إرادة قوية، وضوابط واضحة لجميع أفراد الأسرة، والتطبيق يبدأ من القدوة المتمثلة في الأم والأب، فالأسرة هي الأساس في كل هذه المنظومة، مهما عملنا على الخطط، والبرامج، والحملات، فمن دون تدخّل الأسرة، ووعيها بأهمية دورها الرئيسي في توعية أفرادها وحمايتهم، من خلال التحلي بالإرادة القوية لوضع الحلول المناسبة لحماية كيانها واستقرارها، لن نتمكن من الوصول إلى الأهداف بكفاءة وفعالية، لذا نصيحتي ستكون موجّهة ومركزة للأسرة، فنحن لا نطالب بالابتعاد، أو معاداة التقنية، أو الاستغناء عنها لوجود فوائد لها، ولكن نريد أن نصل إلى مفهوم الاتزان بين الحياة الواقعية والافتراضية، وأن نصل إلى مرحلة من القدرة على التحكم في الجهاز الإلكتروني والاستخدام في وقت الحاجة، والتوقف متى أردنا ذلك، وهذا لن يتحقق إلا بالإرادة الحقيقية للتغيير، والتطبيق اليومي التدريجي للممارسات الصحيحة.

تأخذون على عاتقكم تصحيح النظرة السلبية لدى الشباب حول مفهوم الزواج، فما الذي أسهم في تكوين تلك النظرة لديهم من وجهة نظرك؟
هناك عدد من العوامل التي أثرت في نظرة الشباب نحو مفهوم الزواج، وأدّت إلى قضية عزوفهم عنه، منها التحولات القيمية والثقافية في المجتمع، والتي شهدت تحولات كبيرة في مختلف مجالات الحياة، ما أدى إلى اختفاء بعض القيم التقليدية، وولادة قيم جديدة مغايرة، بعضها قد لا يتماشى مع نسق القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع، الأمر الذي يشكّل تحديّاً ثقافياً يتطلب الحكمة في التعامل معه، بجانب اختلاف المعايير المرتبطة بمفهوم الزواج، ومسؤولياته، والبحث عن المثالية، والتوقعات العالية، والأفكار غير المنطقية في اختيار شريك الحياة، وبالتالي، عدم وضوح تلك المعايير لدى الشباب، والتي قد تؤثر سلباً في استقرار الزواج، والحفاظ على استدامته، فضلاً عن التأثير السلبي لصفحات التواصل الاجتماعي، والخبرات السلبية لأفراد العائلة، أو الأصدقاء، ما أسهم في تكوين الصورة النمطية السلبية عن الحياة الزوجية، مثل التخوّف من احتمالية حدوث الطلاق، وما يترتب عليه من آثار سلبية في الطرفين، إضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن فكرة الزواج تعني تحمّل مسؤوليات شاقّة، منها تربية الأطفال، وعدم القدرة على الموازنة بين الأدوار والمسؤوليات الأسرية والمهنية، وهذا يعتبر من أهم التحدّيات الاجتماعية التي تستوجب التركيز عليها من قبل المؤسسات الاجتماعية، بجهود تشاركية وتكاملية، ووضع الحلول الواقعية المثالية التي تناسب الشباب، وتخاطب عقولهم لنصل إلى تغيير فعلي لتلك النظرة السلبية نحو مفهوم الزواج.

أطلقتم أخيراً حملة «مودة ورحمة»، فما أهداف تلك الحملة والفئات المستهدفة فيها؟
عملت مؤسسة التنمية الأسرية - أبوظبي على دراسة موسعة للتعرّف إلى اتجاهات الشباب الإماراتي، في إمارة أبوظبي، نحو مفهوم الزواج ومسؤولياته، وتضمنت عدداً من الأهداف والمحاور التي ركزت على رصد اتجاهاتهم إزاء قضايا الزواج، والحياة الأسرية، ومعاييرهم في اختيار شركاء الحياة، والطرق الأنسب في الاختيار الزواجي من وجهة نظرهم، ومدى استعدادهم النفسي لخوض تجربة الزواج، ونظرتهم إلى إدارة الموارد المالية للأسرة، ومعرفة العمر المتوقع للزواج، وغيرها، وتوصلت إلى عدد من النتائج والتوصيات المرتبطة بآليات لتشجيع الشباب على الزواج وتغيير النظرة السلبية تجاه موضوع الزواج إلى نظرة إيجابية تركز على أهمية تكوين الأسرة للفرد والمجتمع، والحفاظ على استدامتها.
وكان أحد تلك المخرجات هو إطلاق حملة «مودة ورحمة»، لرفع مستوى الوعي بمفهوم الزواج وتسليط الضوء على أهميته، بصفته أساس استقرار وتقدم المجتمع، وتشجيع الشباب على اكتساب نظرة إيجابية نحو الارتباط، والاختيار السليم لشريك الحياة، واستهدفت الشباب الإماراتيين غير المتزوجين من عمر 18 إلى 35 عاماً، من الذكور والإناث، إضافة إلى استهداف أولياء أمورهم ضمن جلسات حوارية مفتوحة، لمناقشة أهمية دورهم في تشجيع أبنائهم على الزواج، وتبنّي مبادرات لتخفيض الأعباء المالية المرتبطة بتكاليف حفل الزفاف.

بعيداً عن مجال العمل، ما الذي تعنيه الأسرة للدكتورة فاطمة الحمادي؟
الأسرة هي الأمان وهي السند والداعم الأول لأفرادها، هي العطاء المتوازن، والمكان الآمن لإشباع الحاجات النفسية والعاطفية، وبلا شك، تُعد أسرتي مصدر قوتي ودعمي اللامحدود لمواجهة ضغوطات الحياة، والتي تزداد كلما تقدم بنا العمر، إلا أنها تظل مصدر السكينة والراحة.
هل لك اهتمامات أخرى بعيداً عن تلك المتعلقة بأفراد المجتمع وتصحيح نظرتهم لكثير من الأمور؟
ما أقدّمه في ساعات عملي إنما هو واجب وطني، أسعى فيه لأن أكون عضواً فاعلاً في المجتمع، إلا أنني لا أنسى حق نفسي عليّ، فلديّ عدد من الهوايات أهمّها القراءة، وممارسة المشي اليومي، والتأمل في الطبيعة.
ماذا عن أهدافك المستقبلية، سواء تلك المتعلقة بالجانب الشخصي أو العملي؟
لديّ هدف شخصي يحمل طابعاً عملياً، وهو أن أبث قناة خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحمل رسائل إيجابية للمجتمع، بصورة مبسّطة تحاكي واقع أفراده، وتقدم لهم الحلول المناسبة لمواجهة التحديات التي تطرأ علينا بشكل شبه يومي، وبما يصبّ في مصلحة قراراتهم تجاه المواقف التي تمرّ بهم.
* تصوير: محمد السماني