10 فبراير 2025

د. هدى محيو تكتب: من الأشدّ ظلماً والأقلّ عطاء؟ البنت أم الولد؟

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

بكلمات أخرى: مَن يتمتع بحسّ عدالة فِطريّ أعمق؟ ومن ذا الذي يفكّر في راحة الآخرين، وهنائهم أكثر؟ أهو الولد، أم البنت؟ والقول بحسّ عدالة فِطري يعني قبل تدخُّل أيّ عامل من عوامل التربية الأسريّة، والقولبة الفكرية التي تجعل البنت أكثر «طراوة»، والولد أشد «قسوة».

ومع هذا، فإن الإجابة المباشرة التي تتبادر إلى الأذهان، هي أن البنت تتمتع بغيريّة، أيّ الاهتمام بالغير، والتعاطف معهم، أعمق من تلك التي يتمتع بها الولد، نظراً إلى أن هذا الأخير يميل أكثر إلى التنافس، وبالتالي إلى الأنانية. بيد أن دراسة أجريت في قسم العلوم العصبية المعرفية في جامعة «تلبورغ»، بهولندا، تضيف بعض التفاصيل المهمة إلى هذا الحكم الأوَّلي. أجري الاختبار على 279 طفلاً، تراوح أعمارهم بين الثالثة والثامنة من العمر، وقد راقب الباحثون كيفية اختلاف القرارات بحسب سِن الولد، وجنسه، وأيضاً بحسب ما إذا كان لديه مصلحة خاصة في الخيار الذي سيقوم به.

وجاءت النتيجة بخبر جيّد، مفاده أن البشر يصيرون أشدّ حساسية إزاء الظلم، إذ إن الأطفال الأكبر سناً كانوا أكثر ميلاً إلى الخيار الأعدل. أما في ما يتعلق بتأثير جنس الطفل في خياراته، فقد تمت ملاحظة فوارق مهمة بين الجنسين.

تبيَّن أن الفتيات عموماً، يكرهن حالات اللامساواة، حتى لو كانت لمصلحتهن. ويفضِّلن، في حال وجود مكاسب وامتيازات، أن تكون من نصيب الفتيات، وليست من نصيب الصبيان، حتى لو كانت النتيجة النهائية حرمانهنّ شخصياً، من تلك المكاسب. أما بالنسبة إلى الأولاد، فقد تبيَّن أنهم يقبلون بوجود حالات لامساواة وظلم بسهولة أكبر، وبالأخص حينما تكون لمصلحتهم، وتكون ضحيتها صبية آخرون، ما يعكس وضعية التنافس.

وهكذا، أكّدت هذه النتائج، في أغلبيتها، الجواب العفوي الذي يتبادر إلى الذهن، فهل لأن الدراسة شملت أطفالاً كباراً في السّن خضعوا لتأثيرات البيئة؟ لكن اللافت في الأمر على أي حال، هو تعاظم حسّ العدالة لدى الجميع، بالترافق مع الوعي بالفروقات بين الجنسين. وما نشهده هو أن الفتيات يتعصَّبن لجنسهنّ، ويتضامنَّ معه، علماً بأن الغيرة والحسد يحكمان الكثير من علاقاتهنّ، عندما يكبرن، في حين أن الأولاد يطبّقون قانون الأقوى في ما بينهم.

لكن، إذا كان للتنشئة العاطفية والفكرية هذا التأثير المسيطر، الذي يطمس أحياناً الميول الفطرية، حتى لا نعود نتبيّن الناتج عن هذا وذاك، فهذا يعني أنه يقع على مسؤولية الأهل، والمجتمع أولاً تنمية الحسّ الفطري بالعدالة، وهو حسّ أثبتت وجوده دراسات سابقة، بغضّ النظر عن الجنس، حتى نتمكن من أن نصبو إلى عالم أكثر عدلاً.