12 فبراير 2025

من كنوز السينما.. فيلم Steamboat Bill‪, Jr‪.

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

هذا الفيلم الكوميدي الصامت Steamboat Bill, Jr ، كوميديا - الولايات المتحدة 1928، هو كنز حقيقي من تلك التي حققتها السينما في الفترة التي كان على الصورة وحدها سرد الحكاية، وتقديم شخصياتها. وعلى الرغم من مقارنته بتشارلي تشابلن، إلا أن بستر كيتون، مخرج الفيلم، هو The Real Thing، وهذا الفيلم يؤكد ذلك.

مجلة كل الأسرة

معظم ما أخرجه، أو قام بتمثيله بستر كيتون من أفلام صامتة هي مثل حبات اللؤلؤ المنثور أمام العين. تتشابه في القيمة، بحيث يمكن التقاط أيّ منها لتتعرّف إلى الموهبة الكوميدية الكبيرة التي يتمتع بها الممثل بستر كيتون، في أيامه.

حالياً، الفرصة مواتية بسبب إعادة طرح فيلمين من أعماله الرائعة في سوق الأسطوانات، وهما «الجنرال» (1926)، و«ستيمبوت بل، جونيور» (1928). في الفترة ذاتها هناك فيلم ثالث رائع لهذا الكوميدي الصامت، هو «المصوّر» (The Camera Man) حققه مباشرة بعد «ستيمبوت بل، جونيور».

مجلة كل الأسرة

السؤال الدائم كان، ولا يزال، أيّهما أهمّ وأفضل بستر كيتون، أم تشارلي تشابلن؟ والجواب هو أقرب إلى التفضيل بين يدين اثنتين، أو بين عينين. لكن هذا يجب ألا يعني أنهما كانا متشابهين. كيتون كان المخرج قبل الممثل، وتشابلن كان الممثل قبل المخرج، بمعنى أن كيتون لم ينس أن عليه، وعلى شركائه في الإخراج، صناعة الفيلم، والاعتماد على عناصر فنية كاملة، في حين كان تشابلن يعتبر نفسه لبّ العمل، ويضع كل موهبته في شخصيته، أما الإخراج فيأتي ثانية.

كيتون كان المبدع، وتشابلن كان الأقدر على الجذب، ومعرفة كيف يدغدغ الحواس. كذلك هو سياسي الانتماء في بعض أفلامه («أزمنة حديثة»، «الدكتاتور العظيم»)، في حين ابتعد كيتون عن السياسة. فنياً، وفي محصلة أخيرة، لدى كيتون عدد من الأفلام الجيدة أكبر من تشابلن، خصوصاً أن الثاني افتقد سحره السابق منذ عام 1947 عندما بدأ يميل إلى الميلودراما.

«ستيمبوت بل، جونيور» يحدد جيداً مناطق إبداع بستر كيتون. هو أيضاً من آخر أفلامه المستقلة، قبل أن يرتكب خطأ حياته، ويرضى بالانضمام إلى استوديو M G M التي اعتبرته مجرد موظف، ترمي له بمشاريع تحبذها له، أو تتدخل في ما يختاره هو.

يدور الفيلم حول ابن صاحب مركب يعاني عدم إيمان والده به، إذ يعتبره فاشلاً، ما يجعل بستر راغباً، على الدوام، في إثبات قدراته لكسب رضى والده، حتى ولو حاول تقليد حركاته. الأب لم ير ابنه منذ ولادته، ويتوقع وصوله، منتظراً أن يجد أمامه رجلاً قوي البنية، لإن إدارة مركب في نهر مسيسيبي الجامح تتطلب ذلك. بستر قصير، ونحيف، ومتردّد، وكيتون لعب دوماً على مثل هذا الوضع. حتى في «المصوّر»، وفي فيلم سابق بعنوان «شرلوك جونيور»، كما في «الجنرال»، نراه دوماً يحاول إثبات جدارته، إما للفتاة التي يحب، وإما لوالدها، وإما لصاحب العمل الذي يريد الالتحاق به.

تتاح لكيتون هذه الفرصة عندما تقع عاصفة هوجاء تضع أرواح والده، ومنافس أبيه في المهنة، وابنه المنافس، التي يحبها كيتون بصمت في خطر شديد، فينبري كيتون بنجاح لإنقاذهم. مشاهد العاصفة وتلك اللقطات التي عليها حمل المخاطر والتشويق ومعنى الفداء في الوقت ذاته رائعة. ليست أقل من كلاسيكية.