13 فبراير 2025

'تدوير مخلفات النخيل في العين'.. أثاث منزلي فاخر من جذوع وسعف النخيل

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في واحات العين، تلتقي الطبيعة بالتاريخ ويبرز مشروع "تدوير مخلفات أشجار النخيل في واحات العين" كإحدى  المبادرات البيئية المستدامة التي تعكس رؤية دولة الإمارات في الحفاظ على البيئة وتعزيز التراث الثقافي.

ففي إطار هذا المشروع، يتم تحويل مخلفات النخيل إلى منتجات مبتكرة وذات قيمة بيئية واقتصادية، بدءاً من صناعة الأثاث التقليدي مثل الكراسي والأسرّة، إلى المنتجات الزراعية مثل السماد العضوي، وتساهم هذه المبادرة بشكل كبير في تقليل التلوث البيئي، وتحقيق الاستدامة الاقتصادية، مع الحفاظ على هوية الإمارات الثقافية عبر استلهام الماضي لتلبية احتياجات المستقبل.

نقف تحت ظلال النخيل في واحات العين حيث البصر الممتّد إلى صور الماضي وصورة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه،  وهو يقف وسط الواحات ويشرف بنفسه على زراعة النخيل. كان يدرك تماماً ما تشكّله تلك الشجرة من شريان حياة لمواطنيه وتماسها مع التراث وما تمثله، في الوعي الجمعي، من قدرة على الصمود والتكيّف في البيئة الصحراوية.

يجسد هذا المشروع فكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان يرى في أشجار النخيل شريان حياة لمواطنيه وأساساً لصمودهم في البيئة الصحراوية.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة


من تلك الواحات، واحات العين الخضراء الست، حيث كانت أشجار النخيل شعاراً للعطاء المستمر، تتجلى هذه الاستمرارية عبر مشروع "تدوير مخلفات أشجار النخيل في واحات العين" الذي يشرف عليه قسم مكافحة الآفات الزراعية في بلدية العين ويعكس روح المبادرة الإماراتية في تحويل مخلفات النخيل إلى منتجات مفيدة وصديقة للبيئة.

أثاث تقليدي وإعادة تدوير

فمن سعف النخيل، الذي يُمثل نحو 70% من المخلفات، تأتي هذه المبادرة التي بدأت منذ نحو 6 سنوات، لتبرز أشجار النخيل (نحو 200 ألف نخلة ) مفتاحاً لمستقبل أكثر استدامة حيث تحويل ما يُعتبر "مخلفات" إلى كنوز بيئية سواء عبر إعادة تدويرها وتوفير المادة الخام لصناعة السماد العضوي أو تحويلها إلى منتجات مبتكرة ومتنوعة في صناعة الأثاث من كراسي عربية تقليدية تصنّع من جذوع النخيل، مظلات، أسرّة، سلال مهملات، جلسات وطاولات، حصير، وأدوات الزينة التقليدية.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة


مبادرة تدوير مخلفات النخيل تعيد إحياء مخلفات النخيل وتمنحه فرصة جديدة، مستلهمة من الطبيعة، بعد أن كانت تُهدر أو تُحرق في السابق بحيث يرسي هذا المشروع لثلاثية رائعة تجمع بين الحفاظ على البيئة والإرث الثقافي ومبدأ الاستدامة في الإمارات والذي أصبح جزءاً أساسياً من رؤية الدولة المستقبلية .

يساهم المشروع في خفض التلوث البيئي الناتج عن حرق المخلفات التي توازي نحو 8 إلى 10 آلاف طن سنوياً (تشمل كل الواحات ) وفي تعزيز الاقتصاد المستدام من خلال تصنيع منتجات جديدة من مواد طبيعية محلية.

يؤكد علي الناصري على تعاون موظفي قسم الأفلاج في واحات العين في المشروع، إذ "أرادوا إحياء الماضي بتقديم حل مبتكر يعيد استخدام مخلفات النخيل لصناعة منتجات تحافظ على التراث الإماراتي"، مشيراً إلى أن المشروع استمد قوته من دعم الدولة للاستدامة، مما شجعهم على المضي قدما.

ويوضح "المنتجات التي نصنعها تحاكي التراث الإماراتي، وتستخدم في الحدائق والمنازل مثل الأسوار والكراسي والأباجورات وغيرها، مما يُساهم في دعم الاستدامة وتوفير مواد بديلة في قطاع الصناعة والحرف اليدوية".

70 منتجاً مختلفاً

يمثل "الجريد"، المعروف بـ"الزور"، جزءاً أساسياً من هذه المخلفات. يتم التعامل مع الجريد من خلال تقشيره وتشكيله بطريقة معينة بعد تجفيفه بدرجات حرارة محددة، مما يجعله قابلاً للاستخدام في تصميم المنتجات المختلفة ليصبح جزءًا من صناعة الديكور والأثاث ووحدات الإضاءة، ونراه يُستخدم في صناعة الأبواب والمداخل، كما تجسد التصاميم الموجودة خلال جولتنا على ورشة تدوير مخلفات النخيل التي باشرت عملها بمنتجين أو ثلاثة لتصل اليوم إلى ابتكار نحو 70 منتجاً مختلفاً، وكل منتج يحمل قيمة خاصة به.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

فالعمل في مجال تحويل مخلفات النخيل يتطلب مهارات جسدية خاصة، و ساعات طويلة من العمل المتواصل، يستخدم فيها العمال أيديهم وأرجلهم في تشكيل المواد، وبالأخص أن الخامة الطبيعية، مثل الجريد، تطرح تحديات خاصة بسبب اختلافها عن المواد الأخرى، ما يعطي المنتجات طابعاً فريداً.

تطوير المنتجات يتخطى الأثاث التقليدي ويدخل في مجال الديكور الداخلي، والأجمل أن الناس تشتري بحب، لأنهم يحبون الخامة التي صنعت منها المنتجات، ويشعرون بروح خاصة فيها، وحتى أن البعض يفضل الخامة الأصلية بـ"شوائبها الطبيعية" دون إضافة دهانات أو لمسات أخيرة.

كما ترتكز الفكرة الأساسية على استخدام مواد تمنع تكاثر الحشرات وتحمي من الحرائق، حيث تمّ تطوير طبقات حماية خاصة للألواح الخشبية توفر مقاومة للحريق وتزيد من عمر المنتج.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

مراحل التصنيع

ثمة مراحل متسلسلة للمشروع تبدأ بجمع مخلفات النخيل من الواحات، ثم تصنيفها وفرزها حسب نوعها (أخضر أو يابس). بعدها يتم معالجة هذه المخلفات بطرق مبتكرة لتتحول إلى منتجات متعددة، منها أثاث خارجي للحدائق مثل الأسوار، الكراسي والأباجورات.

يركز المشروع على استخدام طرق مستدامة في كل مراحل التصنيع، من جمع المخلفات إلى تحويلها إلى منتجات صديقة للبيئة "كل ما نقوم به يعتمد على الاستدامة، ونحن نحرص على تطبيق أحدث التقنيات التي تحافظ على البيئة".

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

وتدخل عملية التصنيع على خط الإنتاج ومنها قسم متخصص لتصنيع المظلات، يعمل على تصميم هياكل المظلات باستخدام المواد المستخرجة من النخيل في تصنيع أساسات الأثاث، وكذلك الدعون وهو أحد أجزاء النخيل الذي يدخل في تصنيع منتجات معينة، ويُستخدم بعد معالجته بطرق مبتكرة، ليشكل مشروع "تدوير مخلفات النخيل"  خطوة نحو الاستدامة وجسراً  يربط الماضي بالحاضر والمستقبل والاستدامة.

* تصوير: السيد رمضان