16 فبراير 2025

سحر الزارعي: الفن لا يتجزأ وكل تجربة تمنحني مفتاحاً لآفاق جديدة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

لم يتوقف شغفها بالفن عند التصوير، وحصولها على جوائز مرموقة، بل أضافت إلى رصيدها الإبداعي ليمتد إلى التحليل والنقد، ففتح لها مدخلاً إلى باب أوسع من الإبداع، لتصبح الكتابة وسيلة أخرى للتعبير عن أفكارها، وتجاربها، مسخّرة قلمها لنشر الوعي الثقافي، وتعزيز قيمة الفنون في المجتمع.

في حوارنا مع الفنانة والكاتبة سحر الزارعي، نطلّ على عوالم رحلتها، فلسفتها، ورسائلها التي يمكن أن تكون المعين الذي يستلهم منه كل من يسعى لأن يترك بصمته في عالم الفن والإبداع:

أحد أعمالها الفنية
أحد أعمالها الفنية

من التصوير والجوائز العالمية، نحو الكتابة وتطوير الذات، ما هو السبب وراء هذا التغيير؟

الفنان لا يتجزأ، هو عبارة عن مجموعة من العوامل المحفزة التي تتفاعل، كل فترة، مع حقل إبداعي أكثر من الآخر. وفي الواقع، فإن جميع الممارسات الفنية في حياتي قادتني إلى معرفة حقول أخرى، وتذوّق روعتها، وبالتالي الانخراط في التعبير الإنساني من خلالها. وجميع أنواع الفنون هي وسائل تعبير راقية عن المكنون البشري.

بصفتك مصورة وناقدة في الوقت نفسه، كيف يجتمع الفن والتصوير في تقديم رؤيتك عن الحياة، وكيف ينعكس ذلك على أعمالك؟

الممارسة تسبق التقييم.. لذا يجب أن تكون مصوراً لفترة طويلة، متواصلة مع إنجازات وخبرات عميقة، لتصل إلى مرحلة الناقد القادر على وضع بصماته للنهوض بالمشهد الفني في محيطه، والتصوير هو تعامل مع الذات، والعدسة، والرؤية، والنقد تعامل مع مجتمع من المبدعين، أرجو لهم كل الخير، أستطيع من خلال دوري صناعة فارق جميل في مسيرتهم.

مشاركة في إحدى الورش التدريبية
مشاركة في إحدى الورش التدريبية

كيف أثّرت الثقافة الإماراتية في توجيه أفكار مسيرتك كفنانة وكاتبة وناقدة، وما هو دورها في تشكيل هويتك المهنية؟

أنا ابنة الثقافة الإماراتية، وعاشقتها، وأنا من قرّرت الغوص في بحور هذه الثقافة، وارتباطاتها بالفنون، إلى أن أصبحت من سفراء الهوية الإماراتية المكتنزة، فناً وإبداعاً، إلى العالم، كما أن التعامل معها كان جسراً لفهم الثقافات الأخرى، والتفاعل الإيجابي معها.

ما هي طبيعة المواضيع التي تستوقف سحر الزارعي؟ وهل من رسائل معيّنة تحاول إيصالها إلى متابعيها؟

رسائلي واضحة، ومحدّدة، تتناول دوماً مجالات الثقافة والفنون، وما يتفرع منها، وجميع مواضيعي وكتاباتي تدور حول المحاور نفسها، لكن كقارئة، تستوقفني المواقف ذات الطابع الإنساني في التعامل مع تقدير المبدعين، وتكريمهم، والإضاءة على روائع المنتجات الفكرية التي ترتقي بالوعي العام.

خلال جلسة حوارية في منتدى الاتصال الحكومي الشارقة
خلال جلسة حوارية في منتدى الاتصال الحكومي الشارقة

كيف ترصدين دور الكتابة في تعزيز التنمية الذاتية، وهل يمكن أن تكون وسيلة فعاّلة للتغيير الشخصي؟

الكتابة هي جوهر الفكرة، هي المرحلة الأولى في تكوين الخلية الإبداعية لأيّ إنجاز عظيم، التعامل مع القلم والورقة وسيلة فعّالة، ليس للتغيير فقط، إنما لاكتشاف الذات، وسبر أغوارها، وتحديد اتجاهاتها ومزاجها الإبداعي.. بالتالي الكتابة عنصر أساسي في العمل الإبداعي.

من الضروري أن يكون للفرد وعي واضح بأهدافه واتجاهاته قبل أن ينخرط، بعمق، في هذا العالم الرقمي

في اعتقادك، ما هو مدى ودور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في التأثير في ذات الفرد؟

تلعب التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في تشكيل وعي الفرد، وتعزيز إدراكه لذاته، وللعالم من حوله، فقد وسّعت هذه الأدوات الرقمية من آفاق الاطلاع والمعرفة، ما يتيح للفرد الوصول إلى مصادر متنوعة للمعلومات، والتفاعل مع وجهات نظر مختلفة، والتعرف إلى ثقافات وتجارب متعددة، الأمر الذي يثري تجربته، الفكرية والاجتماعية. إضافة إلى ذلك، أصبحت هذه المنصات فضاء ديناميكيًا للتأثير، والتأثر، حيث يمكن للأفراد التعبير عن آرائهم، والمشاركة في النقاشات العامة، وتشكيل هويّاتهم الرقمية، وحتى التأثير في الآخرين على نطاق واسع، هذا التفاعل المستمر أسهم في بناء الوعي الذاتي للفرد، سواء عبر المقارنات الاجتماعية، أو من خلال ردود الفعل التي يتلقاها من محيطه الافتراضي.

لكن هذا الانفتاح الواسع يحمل معه تحدّيات كثيرة، إذ يمكن أن يؤدي الانغماس غير المدروس في هذه المنصات إلى تأثيرات سلبية، مثل فقدان الهوية الشخصية، أو الوقوع تحت ضغط التوقعات الاجتماعية، أو التأثر بالمحتوى السلبي والمضلل، لذلك من الضروري أن يكون للفرد وعي واضح بأهدافه، واتجاهاته، قبل أن ينخرط، بعمق، في هذا العالم الرقمي، وأن يسخّر هذه الأدوات لتعزيز تطوّره، الشخصي والفكري، بدلاً من أن يكون ضحية للتأثيرات السلبية، أو التوجهات السطحية المنتشرة في الفضاء الرقمي.

مجلة كل الأسرة

بين التصوير والكتابة والاستشارات الشخصية، ما هو الجانب الذي تراه سحر الزارعي أقرب إليها؟ ولماذا؟

أجد نفسي فنانة متعدّدة الأضلاع، لم أكتشف كل مساحات الإبداع حتى الآن، لذا ربما تزيد، بطبعي لا يمكن وضعي في توصيف ضيّق لكوني مكتشفة بفطرتي، وتوّاقة إلى المعرفة، ومتذوّقة للفنون حتى النخاع، لكن على الصعيد المؤسسي أثبتّ جدارتي، ولله الحمد، في إدارة المشاريع الثقافية والفنية، وما زلت.

ما هي رسالتك للأشخاص الذين يبحثون عن تحسين حياتهم وتحقيق أهدافهم، ويجدون صعوبة في تحقيق ذلك؟

رسالتي هي أن التركيز هو المفتاح الأساسي للنجاح، عندما يكون لدينا رؤية واضحة لما نريد تحقيقه، فإننا سنتمكن من تصفية الضوضاء المحيطة بنا، وسنتجاهل المشكلات والعقبات التي لا تمت لأهدافنا بصلة. من السهل أن نشعر بالتشتت، أو الضبابية، في عالم مملوء بالمغريات والمشتتات، لكن امتلاك هدف واضح، ومحدّد، يمنحنا القدرة على اختيار معاركنا بحكمة، والتركيز على ما يضيف قيمة حقيقية إلى حياتنا. وعندما نضع أهدافاً واضحة ونعمل على تحقيقها بخطوات ثابتة، فإن كل يوم يقرّبنا من النجاح، حتى وإن كان التقدم بطيئاً، والأمر لا يتعلق بتحديد الهدف فقط، بل أيضاً بالالتزام المستمر والعمل المنتظم. النجاح ليس ضربة حظ، بل هو نتيجة لتكرار العادات الصحيحة، والتعلم من التجارب، والتكيف مع التحديات من دون فقدان الحافز، لذلك بدلاً من الانشغال بالمقارنات، أو القلق من العقبات، ركّز على رحلتك الخاصة، وثِق بأن الجهد المبذول اليوم سيؤتي ثماره غداً.

مشاركتها ورشة مع المؤسسة الاتحادية للشباب
مشاركتها ورشة مع المؤسسة الاتحادية للشباب

كيف ترصد سحر الزارعي دور المرأة الإماراتية في المشهد الفني المحلي، والعالمي؟

أصبحت المرأة الإماراتية مضرب المثل في استقلالية طريقة التفكير، والارتقاء المعرفي والمهاري، والعمل الطموح، من دون أسقف نحو أعلى مراتب الريادة، وتحقيق قفزات راسخة ذات سمعة عابرة للقارات، في فنون التواصل، وتعميق فكر التسامح، ونشره عالمياً، لتكون، هي والرجل، شريكين حقيقيين في صناعة الحضارة لازدهار هذا الوطن المعطاء. نجحت المرأة الإماراتية في تحقيق المعادلة الصعبة، من حيث الحفاظ على أسس الهوية الوطنية، وروافدها الثقافية والفكرية، من خلال المعرفة العميقة بعناصر هذه الهوية، وافتخارها بها، واكتسابها، وتطويرها للثقة الذاتية مكتملة الأركان بكينونتها، وقيمتها، وتأثيرها.على الضفة الأخرى، فقد بلغت مستويات متفوقة من التعايش، والتأقلم، والاطلاع على مستجدات العصر، والاحتكاك والتعامل مع عشرات الثقافات، والحضارات، واللغات وطرق التفكير، الأمر الذي منحها ثراء معرفياً وثقافياً، ومصادر إلهام لا تنضب.

* تصوير: السيد رمضان