من سجادة الصلاة إلى العباءة والثوب والمسبحة.. هدايا رمضان رسائل ودّ وتعزيز الروابط الاجتماعية

مع حلول شهر رمضان، تتجدّد العادات والتقاليد التي تعكس روح الشهر الفضيل، ومن أبرزها تبادل الهدايا الرمضانية، التي أصبحت جزءاً من الأجواء الاحتفالية، والاستعدادات لهذا الشهر المبارك.

تؤكد فاطمة عابدين أن «تبادل الهدايا في رمضان ليس عادة جديدة على المجتمع الإماراتي، بل امتداد لقيم العطاء والكرم التي تميّزه، انطلاقاً من الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة. فهدايا رمضان تحمل بعداً معنوياً خاصاً، ولا تقتصر على تبادل الأشياء المادية، بل هي رسالة محبة تعزز التواصل بين الناس تشعرنا بجمال العبادة».
وتوضح فاطمة، أن قيمة الهدية لا تقاس بثمنها، بل بما تحمله من مشاعر «أجمل ما في هدايا رمضان أنها تعكس روح الشهر الفضيل، لا يهم إن كانت بسيطة مثل علبة تمر، أو مسبحة، الأهم هو المعنى، والهدف من وراء ذلك. وقد يشعر البعض بالحرج إن لم يتمكن من ردّ الهدية، لكن رمضان يعلّمنا أن العطاء بلا مقابل هو أسمى درجات الكرم»، وتضيف «الهدايا لا تقتصر على الكبار فقط، بل يمكن أن تشمل الأطفال، ما يعزّز لديهم قيم المشاركة والمحبة منذ الصغر. فعندما نُهدي الأطفال شيئاً بسيطاً، فإننا نغرس فيهم مشاعر الفرح، والشعور بأجواء الشهر الفضيل، ويخلق لهم ذكريات جميلة تبقى معهم إلى الأبد. العطاء في رمضان لا يقتصر على تقديم الهدايا، بل يشمل كل ما يمكن أن يعزز الترابط الاجتماعي».
تصاميم أنيقة تعكس أجواء الشهر الفضيل
تقول ريم الكثيري، صاحبة بيج reem_line1، المتخصصة في تنسيق الهدايا، أن رمضان موسم للعطاء وتبادل الهدايا التي تحمل طابعاً، روحانياً وشخصياً، ما يعزز قيم المحبة والتواصل والتراحم بين الأهل والأصدقاء «لذلك يشهد سوق الهدايا، وبشكل خاص المرتبطة رمضان، تحولات خلال السنوات الأخيرة، أصبح التركيز على التفاصيل الدقيقة عنصر مهم في اختيار الهدايا، ومع الإقبال الواضح والكبير على «البكجات» الجاهزة لا يزال هناك بعض الزبائن يفضلون إضافة طابع شخصي على الهدية، مثل إضافة اسم الشخص المُهدى إليه، أو تصميم «كروت» أدعية خاصة، من أجل أن تكون الهدية مميزة وفريدة».
وتشير الكثيري إلى أنواع الطلبات «تتنوع بين سجادات الصلاة، المصاحف، السبح، والبخاخات العطرية، حيث تحظى العطور المنزلية بشعبية واسعة، نظراً لطابعها الفاخر»، وتضيف «الاهتمام بالسجادات والمداخن أصبح ملحوظاً حتى بين الشباب، من النساء والرجال، الذين باتوا يحرصون على اختيار تصاميم أنيقة تعكس أجواء الشهر الفضيل، حتى بالنسبة إلى طريقة التغليف التي باتت تحظى باهتمام كبير لنوع الخامات المستخدمة، والألوان، التي تؤثر بشكل كبير في اختيار نوع الهدية».

هدايا رمضان.. تعبير عن الفرحة والتقدير
من جهتها، تؤكد هاجر العيسى أن عادة تبادل الهدايا الرمضانية أصبحت بالنسبة إليها جزءاً من الأجواء التحضيرية لاستقبال الشهر الكريم، وتبيّن «الهدية ليست مجرّد شيء نقدّمه، بل هي إحساس بالفرحة، وتعبير عن الحب والتقدير، وتذكير بأن رمضان يجمعنا، سواء كنا عائلة، أو أصدقاء، وجيراناً. فقبل خمس سنوات، لم أكن على دراية بهذه العادة، حتى أرسلت لي إحدى صديقاتي هدية قبل أيام قليلة من شهر رمضان، فاستغربت، وتساءلت عن نوع الهدايا التي يمكن تقديمها في هذه المناسبة، وكنت قد لاحظت أن هذه الهدايا غالباً ما تحمل طابعاً دينياً، على سبيل المثال سجادة الصلاة، مصحف، مسبحة، جلابيات، «ثوب تراثي»، أو فوانيس، وأحياناً تكون مرتبطة بتحضيرات رمضان، مثل أطباق تقديم الطعام التقليدية، أو مجموعة من «البهارات»، التوابل الخاصة بالأطباق الرمضانية».
وتبيّن هاجر أن توقيت تقديم هذه الهدايا يمتد عادة من الأسبوع الأخير قبل رمضان، حتى الأيام الأولى منه، إذ يفضل الكثير من الأشخاص تبادلها قبل بداية الصيام، ليتمكن الجميع من الاستعداد والتركيز على العبادات «الهدايا العملية هي الأكثر فائدة، لأنها ترافقنا طوال أيام الشهر الفضيل، وعن نفسي، أحب أن أحصل على أشياء مفيدة، مثل «شادر الصلاة»، لباس صلاة المرأة، أو سجادة صلاة جديدة، فهذه الأشياء تستخدم بشكل يومي، ومع مرور الوقت تكون بحاجة إلى تبديل وتجديد». وترى هاجر أن «هدايا رمضان لا تقتصر على كونها مقتنيات مادية، بل هي تعبير صادق عن الحب والتقدير، ورسالة تحمل الكثير من الأمنيات بشهر الخير، والبركة، تعكس الترابط الاجتماعي».

هدايا بطابع روحاني
تغيّر النظرة إلى الهدايا دفع المختصين في هذا المجال إلى تقديم حلول مبتكرة تسهل على المستهلك عملية الاختيار، تؤكد عزة عبد العزيز الشرهان النعيمي، صاحبة بيج Afkari_design للهدايا «أصبحت الهدايا الرمضانية أكثر تكاملاً، حيث يفضل الكثير من الأشخاص الحصول على هدايا تضم عناصر متناسقة بدلاً من شراء كل قطعة بشكل منفصل، تشتمل على بطاقات التهنئة، العطور، أطقم الصلاة لتكون الهدية جاهزة بأناقة من دون الحاجة إلى البحث في أماكن مختلفة، وهي في الأغلب هدايا تحمل طابعاً روحانياً، تعزز الأجواء الإيمانية في الشهر الفضيل». وتكشف النعيمي «تخصيص الهدايا بإضافة لمسات شخصية، مثل الأسماء أو العبارات الخاصة، أصبحت من الأشياء المفضلة والمطلوبة، لذلك أحرص على تصميم «كروت» أدعية تناسب كل يوم من رمضان، إلى جانب بعض التفاصيل التي تناسب الفرد المُهدى له».


أزياء تراثية في الشهر الفضيل
مع حلول شهر رمضان، تعود الأزياء التقليدية لتتصدّر الواجهة، حيث تفضل الكثير من النساء ارتداء، أو إهداء التصاميم المستوحاة من التراث، لتعكس الهوية الثقافية، وروح الشهر الكريم. هذا ما تشير إليه مصممة الأزياء الإماراتية فريال البستكي، بقولها «يشهد شهر رمضان ارتفاعاً كبيراً في الطلب على الأزياء التقليدية، حيث تحرص النساء على اختيار ملابس تعكس أصالة التراث الإماراتي، مثل الجلابيات المطرّزة، والشيل الفاخرة، «غطاء الرأس»، التي تضفي لمسة من الفخامة والاحتشام، كما أصبحت هذه الأزياء من أكثر الهدايا الرمضانية تداولاً بين النساء»، وتوضح «الجلابية ليست مجرّد قطعة ملابس، بل تعبّر عن ثقافة وتقاليد متجذّرة، لذلك نجدها ضمن قائمة الهدايا الرمضانية، والبعض يفضل أن تكون الجلابية هدية مع شيلة متناسقة، والبعض الآخر يضيف إليها بعض اللمسات، مثل تعطيرها بدهن العود، أو إضافة عود بخور ضمن الهدية، ويبقى اختيار الهدية يعتمد على ذوق الشخص المُهدى إليه، والميزانية المحدّدة لها».
وتشير البستكي إلى أن رمضان موسم رئيسي لمصمّمات الأزياء، حيث يبدأ التحضير لإطلاق المجموعات الرمضانية قبل شهرين، على الأقل، من بداية الشهر الفضيل «الطلب على الجلابيات والمخاوير يكون في ذروته، خلال هذه الفترة، لذلك نحرص على تقديم تصاميم جديدة كل عام، تمزج بين الفخامة والراحة، مع الحفاظ على التفاصيل التراثية التي تجعل هذه القطع جزءاً أساسياً من الأزياء الرمضانية»، وتكشف أن «النساء يبحثن عن التوازن بين الأصالة والحداثة، حيث تُظهر الطلبات تفضيل التصاميم التي تحمل لمسات تقليدية، لكن بأسلوب عصري يتناسب مع أذواق الأجيال الجديدة».

«تهادوا تحابّوا»
وحول الحكم الشرعي لهذا النوع من الهدايا في الإسلام، وما إذا كانت مستحدثة أم لها أصل في السنّة النبويّة، يتحدث الدكتور إسماعيل كاظم العيساوي، أستاذ الفقه المقارن - كلية العلوم الشرعية في مسقط، سلطنة عمان، موضحاً أن «تبادل الهدايا أمر مشروع في الإسلام، حيث قال رسول الله «تهادوا تحابّوا»، فالهدية وسيلة لتعزيز المحبة وتوثيق الروابط بين الناس، وهي من العادات التي حضّ عليها النبي، صلّى الله عليه وسلّم، كل وقت، وليس في رمضان»، فقط، يضيف العيساوي «التهادي في رمضان ليس بدعة مذمومة، طالما أنه لا يُعد كعبادة ملزمة، وإنما يبقى عادة اجتماعية تعبر عن روح المحبة».
ورغم مشروعية الهدايا، يشدّد العيساوي على ضرورة مراعاة الضوابط الشرعية عند تقديمها «يفضل أن تأخذ هدايا رمضان بعداً مختلفاً عن غيرها، باختيار ما يتناسب مع روح الشهر الفضيل، كالمصاحف، سجاد الصلاة، المسابح، والكتب الدينية، أو حتى دعم الأسر المحتاجة بمبلغ مالي باسم الهدية، والابتعاد عن الأمور غير الملائمة، مثل الهدايا التي تحتوي على صور مخالفة، أو تماثيل، أو أن تكون وسيلة للمباهاة والتفاخر، وأن تبقى في إطار الاعتدال، من دون مبالغة في الكلفة، أو شعور بالإلزام، فالأصل في الهدية هو التودّد، وليس التنافس في قيمتها، ومن الأفضل أن تكون ذات نفع حقيقي لمتلقّيها».
ويوجز د. العيساوي «شهر رمضان هو شهر التآلف والتكافل الاجتماعي، والهدايا يمكن أن تكون وسيلة لإدخال السرور على قلوب الآخرين، لكنها ليست البديل عن أعمال البِرّ الكبرى، مثل الصدقات، وإفطار الصائمين، وقد أشار الرسول، عليه الصلاة والسلام، إلى أن «من أفطر صائماً كان له مثل أجره، دون أن ينقص من أجر الصائم شيء»، موضحاً أن إفطار الصائمين، أو دعم الأسر المحتاجة، قد يكون من أعظم صور الهدايا الرمضانية التي تجمع بين الأجر، والتراحم.