حصة عبدالله: أعمل على توظيف التراث الإماراتي في الإبداع المعاصر

شكلّت القراءة في الطفولة نافذتها على عوالم سحرية، وكان الخيال ملاذها للهروب من تعقيدات الحياة. ترى أن الشخصيات الخيالية أقل تعقيداً، وأكثر وضوحاً من الأفراد الذين نكون على تماسّ يومي معهم.
تزاوج الكاتبة حصة عبدالله بين التراث والتاريخ، وتستقي من الماضي منطلقاً لمشروعها الذي يرصد شخصيات خيالية لم يسلط عليها الضوء مسبقاً، وتخوض رحلة بين الخيال والواقع لإحياء التراث وإعادة الشخصيات الخرافية، مثل العبد المزنجل، أو غيرها، إلى ذاكرة الأجيال الحالية.
فالمزاوجة بين الأسطورة والواقع تتماهى مع أهمية مشروعها في تسليط الضوء على الجانب الإنساني، وحتى الواقعي في أحيان أخرى، لشخصيات تدرج ضمن «شخصيات الرعب الإماراتية»، وطرح أسئلة معمقة عمّا وراءها من حكايات ومعاناة، وكسر الصورة النمطية التي نؤطّرها داخلها.
«كل الأسرة» حاورت حصة عبدالله، ورصدت ما في جعبتها من رؤى فلسفية تتعلق بعوالم الكتابة، والخيال، وإحياء التراث:

ما الذي دفعك إلى مجال الكتابة وبالأخص في مجال الخيال؟
بالنسبة لي، الكتابة هي عالم قائم بذاته، حيث الخيال يتجاوز حدود الرعب، وأشكال الأدب الأخرى. منذ طفولتي، شكّلت القراءة الأساس الذي دفعني نحو هذا المجال. أتذكر أن أول كتاب تمت قراءته لي كان ألف ليلة وليلة، (تضحك: لم يسمح لي أن أقرأه)، كانت ابنة خالتي تقرأه لي بتصرف، ولم تكن تعطيني الكتاب كاملاً؛ فهناك الكثير من التفاصيل في ألف ليلة وليلة التي لا تناسب الأطفال. كانت تعدّل الأحداث، وتعيد صياغتها لتتناسب مع عقلي كطفلة، لكن سحر تلك القصص فتح لي باباً على عوالم خيالية لا حدود لها.
منذ تلك اللحظة، أصبحت مفتونة بفكرة وجود عوالم أخرى. وكان المنهج المدرسي القديم يتضمن حصة قراءة، وكانت ثمة قراءات لقصص مستقاة من الأدب العالمي، مثل أعمال شكسبير، التي تم تقديمها بطريقة تناسب الأطفال. كنت أقرأ الكتب الخيالية، ولم أعرف أن هناك كتباً واقعية إلا فيما بعد، ربما عندما كنت في الثالثة عشرة، أو الخامسة عشرة من عمري. كطفلة، لم أكن أركز كثيراً على هذا الفرق؛ عالم الخيال كان كل شيء بالنسبة لي، وهذه التجارب الأولى مع القراءة والخيال شكلت أساس شغفي بالكتابة.

تقولين إن الشخصيات الخيالية أفضل من الشخصيات الواقعية؟
نعم، جداً (تضحك). أنا أفضّل صحبة الشخصيات الخيالية كثيراً على الأشخاص الحقيقيين، لأني أعرف مكامنها، وهي شخصيات تتسم بالبساطة والوضوح، إذ كل شيء فيها موجود على الصفحات، واضح المعالم، ويمكن اكتشافه من خلال قراءة صفحات الكتاب، بينما البشر في الحياة الحقيقية هم أكثر تعقيداً، ولا يمكن فكّ شيفرتهم بسهولة.
وهل عشت مواقف معيّنة أوصلتك إلى قناعة أن الخيال أفضل من الواقع؟
كل فرد يهرب من الواقع، بطريقة أو بأخرى. هناك من يشاهد الأفلام والمسلسلات، وهناك من يلجأ إلى عادات أخرى. بالنسبة لي، كانت القراءة ملاذي الدائم. عندما أهرب من الواقع، أهرب إلى الكتب. عندما أشعر بفراغ في عالم معيّن، أو نقص في فكرة أودّ استكشافها، أجد نفسي أمسك القلم وأبدأ بالكتابة. الكتابة كانت طريقتي لبناء العوالم التي أبحث عنها. ومن هنا بدأت رحلتي مع الكتابة، كامتداد طبيعي لشغفي بالخيال والكتب.

ما مجال تخصصك؟
تخصصي الأكاديمي في الإعلام والعلاقات العامة، وأعمل حالياً كرئيسة قسم الإعلام في شركة بترول عالمية. عملي اليومي يتركز على تقديم الحقائق، ورواية الوقائع، وهو مجال يختلف تماماً عن عالمي الشخصي الذي يستهوي الخيال، والكتابة الإبداعية. فمجال عملي ليس خيالياً بتاتاً، وعلى الرغم من أن عملي الإعلامي يتركز على الحقائق والأرقام، إلا أنني أجد نفسي أحياناً في صراع داخلي بين هذا الواقع الجاف، وعالم الخيال الذي أعود إليه في المساء.
كإعلامية ترصدين وقائع في عملك ثم تعودين لكتابة الخيال مساء، كيف توازنين بين عالمين متناقضين؟
التحدّي الأكبر بالنسبة لي هو كيفية تحقيق التوازن بين الكتابة الإعلامية الواقعية، والكتابة الإبداعية الخيالية. عندما كنت طالبة في الجامعة، كانت الكتابة الخيالية جد سهلة بالنسبة لي. أما الآن، فإن قضاء ثماني ساعات يومياً في صياغة الحقائق وتوثيق الوقائع «الجافة»، إذا صح التعبير، يجعل العودة إلى الكتابة الخيالية أكثر صعوبة. أشعر أحياناً بأن الحقائق تتسلل إلى قصصي الخيالية، فتفقد جزءاً من سحرها، وبالتالي، فإن مراجعة ما أكتب تستغرق مني وقتاً أطول، لكوني أحتاج دائماً إلى تحرير النصوص التي أكتبها بأسلوب إبداعي.
لكن رغم ذلك، أحاول الفصل بين العوالم، وأجد أن تحدّيات عملي الإعلامي تضيف بُعداً جديداً لكتابتي، تجعلها أكثر عمقاً ونضجاً. فالواقع، رغم جفافه، يحمل تفاصيل يمكن أن تلهم الخيال، وتثريه.

إحياء الشخصيات الخرافية الإماراتية مشروع توثيقي للأجيال الجديدة.. ماذا تحدّثينا عنه؟
حالياً، أعمل على مشروع لربط الجيل الجديد بالتراث الإماراتي من خلال الشخصيات الخرافية الإماراتية. فالفكرة الأساسية للمشروع هي تعريف الأطفال والشباب بالشخصيات الخرافية الإماراتية، حيث لاحظت أنهم يعرفون القليل عنها. ففي حال سألت أي طفل اليوم عن هذه الشخصيات، ربما يذكر لك «أم دويس»، وبابا دريان فقط، رغم أنّ لدينا ما يزيد على 150 شخصية خيالية. ويكمن التحدّي في تقديم هذه الشخصيات بطريقة تجذب الأطفال، وتُعيد إحياءها بهدف إحياء هذا التراث، وربطه بواقع الأطفال اليوم، وبالعالم الحديث، ليدركوا قيمة قصص الأجداد، وتأثيرها في تشكيل الهوية الثقافية الإماراتية.
الشخصيات تحتفظ بجوهرها الخيالي، لكنني أحاول تقديمها بأسلوب يعكس التحديات والقيم التي يواجهها الجيل الجديد
وكيف تمّ ربط المشروع بواقع الجيل الحالي اليوم الذي يهرع إلى التكنولوجيا الحديثة؟
اخترت أن أضع الشخصيات الخرافية الإماراتية في سياق العالم الحديث. تساءلت: إذا كانت هذه الشخصيات تعيش بيننا اليوم، كيف ستتصرف؟ كيف ستتعامل مع الحياة اليومية؟ هل ستظل تحمل السمات نفسها التي ميّزتها في الحكايات الشعبية؟ كان الهدف هو تقريب هذه الشخصيات إلى الجيل الحالي بطريقة تجعله يتفاعل معها، ويفهمها بشكل أفضل. وهناك مناظرة كبيرة قد تؤشر إلى أن بعض الشخصيات قد لا تكون خيالية، بل شخصيات إنسانية تعرّضت لمواقف دفعتها إلى التصرف بطريقة مرعبة. فالبعض يعتقد أن «العبد المزنجل» كان جنيّاً، أو من عتاة الجن، بينما يرى آخرون أنه كان إنساناً حقيقياً تعرّض للظلم. والروايات تشير إلى أنه كان يعمل لدى صاحب العمل، وتعض لظلم منه، وكان صاحب العمل يقيده بالسلاسل، وبعد وفاته، (أي صاحب العمل)، هرب العبد المزنجل، محتفظاً بتلك السلاسل التي أصبحت جزءاً من هويته، وكان يوصف بأنه رجل يظهر ليلاً، مقيداً بالسلاسل، ويهاجم البحارة، ويذبحهم، وانتشرت بين البحارة تحذيرات: إذا سمعت صوت السلاسل، اهرب فوراً، فقد يكون العبد المزنجل. هذا البعد الإنساني يفتح المجال لتفسير أعمق للشخصية، وربطها بقضايا الظلم، ويجعلها أكثر واقعية، وقرباً من المشاعر البشرية، حيث أضعها في قالب قصصي، وأعرضها للجيل الجديد. فالشخصيات تحتفظ بجوهرها الخيالي، لكنني أحاول تقديمها بأسلوب يعكس التحديات والقيم التي يواجهها الجيل الجديد.

ولكن ما الذي أثار فضولك نحو هذا العالم ودفعك إلى إعادة إحيائه بكل هذه القوة؟
بعد إصدار كتابي الأخير «المرأى من المرآة» عن دار غاف، وخلال زيارتي الأخيرة لمتحف المرأة الإماراتية، اطّلعت على وثيقة بريطانية قديمة أثارت اهتمامي. الوثيقة تسرد الليلة الأولى لدخول البريطانيين رأس الخيمة. فما حدث قبل قرن ونصف القرن، هو الذي ترك أثره في واقعنا الراهن. الوثيقة تقول إن رجال القرية، عندما رأوا السفن البريطانية، طلبوا من النساء إخلاء القرية والصعود إلى أحد الحصون للحماية، بينما كانوا يستعدون للدفاع عن القرية. هذه الوثيقة الرسمية تُظهر شجاعة وصمود المرأة الإماراتية في مواجهة الغزاة، وهو جانب من التاريخ الذي يجب أن يُعرف، ويُوثق أكثر للأجيال القادمة. وعند وضع تقرير كامل من قبل الجانب البريطاني للحصول على مساعدات في العتاد، وردت ملاحظة لافتة، وهي أنّ عدد النساء اللواتي قتلن تجاوز عدد الرجال، فهذه قصة موجودة في وثيقة في مكان ما، ولا أحد يعرف شيئاً عنها، وأغلب من تسألهم عن فترة الاحتلال غير ملمّين بأيّ قصة، على الرغم من أن هذه من القصص يجب أن تروى، وهو المشروع الذي أعمل عليه حالياً لإدخالها في مجال قصصي، وتعريف الجيل الجديد بها.
فاللافت أن هذه الوثيقة كانت تتحدث عن فترة من تاريخ الإمارات تمتد إلى قرنين تقريباً من الزمن، وهي فترة لم نطّلع عليها خلال دراستنا في المدارس، ولم أكن شخصياً على دراية كافية بها، رغم أنني أعتبر نفسي مطّلعة على جزء كبير من تاريخ الإمارات، ولكن جلّ ما قرأته وتعلّمته كان يدور حول فترات محددة، بيد أن ما حدث قبل ذلك بكثير، هو الذي رسم ملامح تلك الفترات. هذا الاكتشاف دفعني للتساؤل عن التأثيرات العميقة التي خلفتها تلك الأحداث القديمة على تاريخنا الحديث. وأثناء بحثي، أدهشني كيف أن هناك الكثير من القصص التي لم تُروَ بعد، وكيف يمكن للأدب أن يلعب دوراً في تسليط الضوء على هذه الفجوات الزمنية، ما ألهمني لأغوص بشكل أعمق في البحث التاريخي وربط الماضي بالحاضر.

تحملين راية التراث باستنباط حكايا الماضي، هل ستجمعين بين التاريخ والخيال؟
هذا يندرج ضمن الخيال التاريخي، فهذه الوثيقة مثلاً تتضمن حقائق فقط، وليست أحداثاً، والتحدّي كان في ربط تلك الحقائق. ارتكز السؤال حول ما إذا كان الناجي طفلاً وشهد هذه الأحداث. دمجت هذه الحقائق مع فكرة الخرافات القديمة في قصة نشرتها مع هيئة الشارقة للتراث. كتبت القصة من منظور طفل ناج شهد الأحداث، وكان يرى في كل محطة طائر «أم رخيش»، وهو طائر يحمل دلالة رمزية خاصة في الموروث الإماراتي، إذ يتردّد أنّه يقتات على الكائنات الميتة. هذه الفكرة التي ترسخت في التراث الشعبي تعكس مفهوماً يتجاوز مجرد الطائر نفسه، لتشكل جزءاً من التصورات الثقافية القديمة.
وسواء كانت القصص عن شخصيات خرافية مثل «العبد المزنجل، أو حكايات حقيقية عن نساء الإمارات، ودورهنّ البطولي، فإن الهدف واحد، وهو الحفاظ على التراث، وتقديمه بطرق حديثة تُعزز ارتباط الجيل الجديد بهويته. فالأسطورة والحقيقة ليستا نقيضين، بل تشكّلان معاً إرثاً ثرياً يعكس قوة المجتمع الإماراتي، وتاريخه العريق. و للأسف، كثير من الناس قد يكونون غير مهتمين بما حدث قبل عام 1971، و لكنّني أرى أن ما حدث قبل ذلك بكثير هو الذي مهّد الطريق لهذه التحولات الكبرى.

شاركت أخيراً في مهرجان طيران الإمارات للآداب، إلى أي مدى يعزز هذا المهرجان تواصلك مع الثقافات الأخرى؟
بالطبع، مهرجان طيران الإمارات يشكّل فرصة مهمة للكتاب، الإماراتيين والمقيمين في الدولة، لتوسيع شبكة علاقاتهم المهنية مع الكتاب العالميين، والوكالات الأدبية، ودور النشر الموثوقة. فوجود هذه الجهات ضمن المهرجان يعزز الثقة، ويمنح الكتاب منصة لعرض أعمالهم بطريقة أكثر سلاسة، بعيداً عن القيود الجغرافية التي تحدّ من الوصول إلى دور نشر خارج المنطقة. وإحدى الميزات التي يوفرها المهرجان هي تنظيم لقاءات تجمع بين كتّاب من دول مختلفة، مثل الإمارات، ومصر، ولبنان، وغيرها, ما يفتح المجال أمام التبادل الثقافي، والتعاون الإبداعي. كما أن حضور الوكالات الأدبية يتيح للوكلاء فرصة التعرف المباشر إلى مجموعة من الكتّاب وأعمالهم، ما يسهم في تسهيل عملية النشر والتوزيع على نطاق أوسع، وإشراك إنتاجهم في المشهد الأدبي الدولي.
كيف تصفين عوالم كتابتك.. هل هي هادئة أم صاخبة؟
جدّ هادئة، لأن ما أكتبه يصرخ. في بداياتي، كانت كتاباتي خيالية بالكامل، حيث كنت أستمتع بابتكار عوالم وأحداث بعيدة عن الواقع. أما الآن، فقد أصبحت كتاباتي تعتمد بشكل كبير على التاريخ، وعادة ما أجد نفسي خلف مكتبة، بين الوثائق والكتب التاريخية، أحاول أن أستلهم منها وأعيد الحياة إلى القصص المخفية في طياتها.
ما الشخصية الخيالية الأقرب إليك؟
الشخصية الأقرب إلي حالياً هي بلال، لأنّ بلال «مسكين». فإذا قرأت قصته، ستفهمين لماذا هو الأقرب إلي الآن. بلال كان أول شخصية أكتبها في مجال توثيق الخراريف الإماراتية، وكنت أنوي كتابة شخصية تمثل هذا المجال، ولكن مع تطور الفكرة، أصبحت القصة أعمق مما توقعت. تخيلت أن بلال يخوض رحلة بحرية في العصر القديم، وفجأة يضيع في هذه الرحلة، لتبدأ المغامرة، بعد أن يلتقي بأربع أو خمس شخصيات من الخراريف الإماراتية، من دون أن يدرك في البداية من تكون هذه الشخصيات. الفكرة الرئيسية كانت: كيف يمكن لشخص من العصر القديم أن يتفاعل مع هذه الشخصيات؟ وكيف تؤثر هذه اللقاءات في مرآته الداخلية، وفي مشاعره وتفكيره؟
بلال، بشخصيته البسيطة ولكن العميقة، يعكس الكثير من الأسئلة الإنسانية، وهو مثال لشخص يجد نفسه في مواجهة المجهول، محاطًا بقوى ورموز أكبر من فهمه. هذا التحدّي، الداخلي والخارجي، الذي يعيشه بلال يجعلني أشعر بأنّه الأقرب إلي الآن، لأنه يمثل الفضول، والضعف، والقوة، التي نعيشها جميعاً بطرق مختلفة.

من يشجعك على الخوض بعمق في هذا المجال؟
أسرتي تمنحني الحرية وهذا العنصر الأول في استكشاف كل ما ترغب فيه. كما أنّ أمّي كانت دائماً الحافز الأكبر لي، على الرغم من أنها لم تحظَ بفرصة التعليم عندما كانت صغيرة. ورغم ذلك، كانت تمسك القلم بيدي، وتعلّمني كيف أكتب الحروف. هذا التناقض بين ما تعرفه وما أرادت أن تعلّمني إياه يعكس حُباً وتفانياً لا يمكن قياسهما. كانت تؤمن بأن تعليمي هو الجسر الذي سيمكنني من الوصول إلى عوالم لم تستطع هي أن تخوضها.
وفي لحظة ما، قرّرت أن تلتحق ببرنامج لمحو الأمية لفترة بسيطة، ليس لأنها أرادت أن تتعلم لنفسها فقط، بل لأنها أرادت أن تكون أقرب إليّ، وأن تتفاعل مع ما أتعلّمه. هذه التجربة تركت أثراً عميقاً في نفسي، لأنها أظهرت لي أن الحب يمكن أن يكون مصدر قوة هائلة. وجود أمي في حياتي كان مؤثراً، وصقل شخصيتي، ولم أكن لأبدأ في مجال الكتابة لو لم يكن هناك دعم كبير من والدتي. أمّي لم تكن تعرف ما أكتب، لكنها كانت دائماً هناك بجانبي، تشجعني بطريقة غير مباشرة.
وهل كنت تشاهدين أفلام رعب؟
نعم، أحب مشاهدة أفلام الرعب والخيال أكثر من الأفلام الواقعية، ولا أجد مشكلة في مشاهدتها بمفردي. أشعر بالخوف أحياناً، لكنه جزء من التجربة.
ماذا عن عوالم السفر؟
السفر يفتح لي أبواباً لعوالم خيالية جديدة، لكنه ليس المدن أو الدول التي تزوّدني بالإلهام فقط، بل الأماكن ذات القصص العميقة. ومن أكثر الرحلات التي أثرت فيّ كانت زيارتي لمزرعة السويدي للؤلؤ في رأس الخيمة. كانت الزيارة نافذة على ماضٍ مملوء بالقصص. هناك تكتشف كيف كانت الأجيال السابقة تكافح لاستخراج تلك الحبة الصغيرة الثمينة من أعماق البحر، والرحلات الشاقة التي كان يخوضها الغواصون بحثاً عن اللؤلؤ، وكيف كانت حياتهم معلّقة بالمجهول.
وهل البحر يلهمك؟
البحر جزء من تكويني. فنحن من عائلة مرتبطة بالغوص، فوالدي غواص، وأجدادي كذلك. هذا الإرث جعل للبحر تأثيراً عميقاً في حياتي، كأنه جزء من ذاكرتي. لا شيء يضاهي إحساس البحر بالنسبة لي. إنه عالم من الحكايات والتجارب. لهذا، حين أكتب، أجد نفسي دائماً، مشدودة إلى البحر، إلى قصص الغواصين، إلى المغامرات التي خاضها أجدادنا في سبيل استخراج اللؤلؤ، وأثر البحر فيّ يمتد إلى طريقة رؤيتي للأشياء.

كاتبات الخيال في الإمارات عددهنّ ضئيل، هل تشعرين بأنك تنافسين نفسك؟
بالعكس، أرى أن الساحة الأدبية غنية بالأصوات المختلفة التي يكمل بعضها بعضاً. هناك أسماء بارزة مثل الكاتبة ريم الكمالي، وصالحة عبيد، وغيرهما، وهنّ جزء من المشهد الأدبي الذي أنتمي إليه.
ريم الكمالي، على سبيل المثال، تكتب الرواية، بينما أنا أركّز على القصة القصيرة، ما يعني أن جمهورنا مختلف، وأسلوب المعالجة مختلف، واختلاف الأسلوب والطريقة يجعل لكل منا بصمته الخاصة. الفكرة ليست في التشابه، بل في تنوّع الأصوات.
ما الرسالة التي تحملينها على عاتقك؟
أرى أن التراث الإماراتي غني بشكل كبير، بيد أنه لم يتم توثيقه لأسباب لا أعرفها، وقد يكون عدم التعليم آنذاك عاملاً رئيسياً. واليوم، كأننا في منافسة مع أنفسنا لتوثيق ما نستطيع توثيقه قبل أن يغادرنا الجيل القديم.
وخلال الكثير من الجلسات، عادة ما يوجّه لنا السؤال: «لماذا نحن ككتّاب إماراتيين نكتب عن الماضي؟ هل نحن مهووسون به؟ لماذا لا نكتب عن الحاضر؟ هل السبب أننا نشعر بأن المجتمع ليس جاهزاً لمواجهة قضايا الحاضر؟ الجواب بكل وضوح: لا. مشكلتنا ليست مع الحاضر، بل مع الماضي الذي يواجه خطر الاندثار، ونحن أمام مسؤولية ثقيلة لتوثيق تاريخنا، وتراثنا الغني، بطريقة تحفظه للأجيال القادمة.
لهذا، أنا ممتنة جداً لجهود معهد الشارقة للتراث، تحت إشراف الدكتور عبد العزيز المسلم، لدورهم الكبير في توثيق هذا الإرث. فالطريقة التي يعملون بها على إبراز تراث الإمارات، ليس محلياً فقط، ولكن على مستوى أوسع، تستحق كل التقدير.
ورسالتي للجيل الحالي بسيطة: امنحوا التراث والكتابات التي تكتب باللغة العربية فرصة، واقرأوا الأعمال التي كُتبت محلياً باللغة العربية لأنها تبلور جزءاً من هويتكم.
* تصوير: محمد الطاهر ومن المصدر