عصابة خاصة جداً مكوّنة من ثلاثة أصدقاء، اجتمعوا وقرّروا معاً، السير على الأشواك في طريق الجريمة، تلاعبوا بأحلام البسطاء، والراغبين في أداء مناسك الحج والعمرة، كان من الممكن أن يحافظوا على عملهم الشريف في إحدى شركات السياحة، أو البحث عن «بزنس» خاص لمواجهة مصاعب الحياة، لكنهم قرروا النصب على الجميع، وجمعوا ملايين الجنيهات ظناً منهم أنها ستكون «خبطة العمر»، لكن ما حدث لم يحسبوا له حساباً.
طموحات غير مشروعة
نشأ المتهم الرئيسي في كنف أسرة متوسطة الحال، مكوّنة من الزوج، والزوجة، وشاب، وفتاة. حاول ربّ الأسرة، قدر استطاعته، أن يصل بسفينة أسرته الصغيرة إلى برّ الأمان، سخّر كل إمكاناته لولديه حتى نجح في ذلك. وفور تخرّج نجله في كلية التجارة باللغة الإنجليزية، تمكّن الأب من توفير فرصة عمل له كمحاسب في إحدى شركات السياحة، لكن الشاب حديث التخرج كان دائماً يتطلع إلى الأفضل بأيّ شكل، وبأيّ طريقة، وأصبح دائم التمرّد على حياته، وكانت طموحاته لا سقف ولا حدود لها، ويتحيّن الفرصة المناسبة لتغيير واقعه.
ظلت الأمور تسير بشكل جيد جداً، لكن بطل القصة كان يريد المزيد.
استغلال حلم البسطاء
دخل إلى عالم الجريمة بالصدفة، بسبب أحد أصدقائه في الشركة نفسها، الذي أقنعه بأمرين، أوّلهما التلاعب بحسابات الشركة، وثانيهما القيام بحجوزات وعمليات من دون علم الشركة، من أجل تحقيق مبلغ من المال، والربح بعيداً عن العيون، وما ساعدهما على هذا الأمر أحد السماسرة المثقفين، حيث كان دور السمسار يتلخص في عمل الإعلانات والدعاية على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، لجلب الزبائن. كانت خطة الأصدقاء الثلاثة تتمثل في استغلال اسم الشركة التي يعملون فيها لتنفيذ آلاف الحجوزات، والحصول على مبالغ مالية كبيرة، مقابل تحقيق رغبة البسطاء ممّن يراودهم الأمل في أداء مناسك الحج والعمرة لهذا العام، والعام المُقبل.. وكانت كل العمليات المشبوهة تتم بهدوء، ودقة شديدة، من دون أن تُثير الريبة، أو الشك.
دعاية وحجوزات وجمع الأموال
كان المتهمون الثلاثة يتمتعون بذكاء كبير جداً، وكل ردود الفعل، من الزبائن والعملاء، كانت تُثني على احترافهم، ودقتهم في التنفيذ، ما كفل لهم تكوين سمعة طيبة في هذا المجال. لكن ما كان يجهله الجميع أن كل ما حدث كان مرتباً له بعناية، ودقة شديدة، فاكتساب ثقة العميل كان جزءاً من الخطة للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من المكاسب. بدأت أفراد الشبكة عملها المتفق عليه بدقة استغلالاً لموسم العمرة والحج، على حد سواء، ومن ثم بدأوا بتوزيع الأدوار، أحدهم، وهو السمسار، مسؤول عن الدعاية، والآخر مسؤول عن الحجوزات، أما صديقهم الثالث فهو مسؤول الحسابات الذي ينظم كل شيء في إطار يبدو قانونياً. كل الأمور كانت تسير في إطارها الذي تم تحديده، إلى أن جاءت ساعة الحسم، ملايين الجنيهات قاموا بتحصيلها من الزبائن من أجل الفوز برحلة العمرة، والحج بأسعار مخفضة، كانت خطتهم المجنونة تنص على الاستيلاء على الأموال، ومن ثم مغادرة البلاد على رأس فوج سياحي، وعدم العودة مرة أخرى. كل الأمور كانت تسير كما تم التخطيط لها حرفياً، باستثناء أمر واحد كشف كل شيء، وعن طريق الصدفة البحتة.
لغز الرحلة التي كشفت كل شيء
أسهمت الصدفة البحتة في سقوط الأشقياء الثلاثة بشكل غير متوقع، عندما ذهب أحد العملاء وطلب سحب أمواله لأمر طارئ، لأن موعد الرحلة المحدّدة سلفاً لن يناسبه، لكن ردّ شركة السياحة كان غير متوقع، وهو أن اسمه غير مدوّن على «السيستم»، لا هو، ولا أيّ فرد من أفراد أسرته، وعندما قدم العميل إيصال المبلغ المالي الذي قام بسداده تبيّن أن هذا الإيصال لا يخص الشركة، وهو إيصال مزور، وبالتالي، فإن الشركة غير مسؤولة عن هذا الأمر، مشيرة إلى أن العميل ربما تعرّض لعملية نصب.
جنّ جنون العميل المكلوم الذي ذهب على الفور وحرر محضراً يفيد بتعرضه للنصب من قبل إحدى شركات السياحة المتخصصة في رحلات الحج والعمرة، وبمجرد ذكر اسم الشركة في التحقيقات، ومع تأكيد ونفي الشركة صلتها بالموضوع، بدأت الحقائق تتكشف تباعاً، وتبيّن من التحقيقات حجم المصائب والكوارث التي قام بها الأشقياء الثلاثة الذين يعملون في الشركة مستغلين مناصبهم، ووظائفهم للتربّح غير المشروع، ومن ثم انكشف المستور، وتبيّن أن هذا العميل ليس هو الوحيد، إنما هناك مئات العمليات المشبوهة التي تمت في الخفاء باسم الشركة تجاوزت قيمتها الـ75 مليون جنيه.
سقوط المحاسب غير الأمين
تم تحرير محضر ضد الأشقياء الثلاثة الهاربين، حيث اتهمتهم إدارة الشركة بالسرقة، والنصب، وخيانة الأمانة، وقامت الأجهزة الأمنية بتتبع كل تحركاتهم، وخطواتهم، مع تقديم نشرة أمنية بمواصفاتهم، ووضع أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر. إجراءات سريعة وعاجلة اتخذتها الجهات الأمنية، حتى نجحت في إلقاء القبض على المحاسب الشاب الذي يعدّ العقل المُدبّر لكل شيء، ومن ثم أرشد عن شريكيه في الجريمة، حيث تمت إحالتهم إلى النيابة العامة التي أمرت بحبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معهم، لحين ورود تقرير مباحث الأموال العامة بحساباتهم، وحصر أموالهم الثابتة والنقدية، لبيان ما إذا كانت تتوافق مع دخلهم، أم لا، تمهيداً لإحالتهم إلى المحكمة الجنائية بتهمة النصب، والسرقة، والتزوير، والمتاجرة بأحلام الغلابة.
* إعداد: كريم سليمان