07 أبريل 2025

د. حسن مدن يكتب: أن تحكم النساء العالم

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

مجلة كل الأسرة

في عام 1992، وفي استطلاع لمجلة «تايم»، في إطار الاستعداد لاستقبال الألفية الجديدة، التي بتنا فيها منذ ربع قرن، حول أولويات الإنسانية في هذه الألفية، رأى الروائي الكولومبي، غابرييل غارثيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل للآداب، الذي كان أحد المشاركين في الاستطلاع، أنه «في خضم سعينا لإنقاذ البشرية لا يوجد ما هو أجدر بالتجريب من أن تتولى النساء قيادة العالم».

ومع أن ماركيز قال إنه لا يؤمن بتفوّق جنس على آخر، لكنه يميل إلى الاعتقاد باختلافهما، مع القبول بوجود فروق بيولوجية غير قابلة للجدال «لكن، لا بد من الاعتراف بأن السيطرة الذكورية على مجريات الأمور قد أهدرت على البشرية عشرات الآلاف من الأعوام»، نافياً الزعم بغلبة مشاعر المرأة على عقلها، وهي مقولة باتت بمثابة مشجب يعلق عليه الرجال «مجمل إيديولوجياتهم الحمقاء المقيتة».

منذ ذلك الوقت المبكر نسبياً، وقف ماركيز عند خطر أن يشهد القرن الواحد والعشرون خطر انقراض الحياة على كوكبنا، نظراً للتدهور في أحوال البيئة، مشيراً إلى أن الزمن «كشف عن عجز القدرات الذكورية عن منع تلك الكارثة، وعن تمسكها بالانسياق وراء مصالحها المادية». على العكس من ذلك، تجلت طبائع النساء التي جبلت على الحرص على الحفاظ على سلامة البيئة، وسجلت في ذلك حضوراً قويّاً.

أنهى ماركيز مشاركته هذه، والتي ضمّها كتاب «بلا قيود» الذي حوى مجموعة كبيرة من مقالات وحوارات ماركيز، وترجمه إلى العربية كلّ من هبة العطّار، وجيهان حامد، إلى القول: «هذا مجرد مثال، لكن حتى لو كان الوحيد، فقد أصبح استثمار القدرات النسائية مسألة حياة، أو موت».

ليس ماركيز هو الوحيد الذي دعا إلى تمكين النساء من قيادة العالم بديلاً عن الرجال، مثله اقترح الباحث الكيني علي الأمين المزروعي، وهو ذو أصل عُماني بالمناسبة، تأنيث الدولة، بمعنى أن يكفّ الذكور عن الهيمنة على الدولة، ليفسحوا المجال للنساء، لتكون لهنّ حصة متكافئة في إدارة شؤون البلدان. ساعتها، في رأيه، سيكون العالم أكثر رحمة، و«إنسانية»، وتسامحاً، وسينأى عن الكثير ممّا فيه من قبح، وقسوة، ووحشية، لا بل و«حيوانية».

الدعوة إلى «تأنيث الدولة»، عائدة، من وجهة نظر المزروعي، إلى وجود فرق بين الأعراق والطبقات المضطهدة، من جانب، والنوع الاجتماعي، (الجنسانية)، المضطهد من جانب آخر. وفي حين يمكن أن يتطلع العِرق، أو الطبقة إلى الاستيلاء على الدولة لنفسها فقط، لا تسعى النساء إلى ذلك كبديل عن الرجال. الأرجح أن النساء اللائي قد يحكمن الدولة لن يعنيهنّ الحلول محل الرجال. «مطلب النسوية في الواقع ليس الاستبدال، وإنما التوازن.. ليس السيطرة وإنما التكافؤ».

 وفي الممارسة، فإن ليس كل النساء اللائي حكمن بلدانهنّ أظهرن عنفاً أقلّ من الرجال، فهل تُنسى غلاظة وقسوة امرأة مثل مارغريت تاتشر، التي كانت لشدّتها توصف بـ«الرجل الوحيد»؟ في حكومتها المُشكَّلة أساساً من الرجال، وإليها ينسب القول المرعب، حين جرى تحذيرها من أن مصير عمال المناجم المضربين عن العمل والطعام هو الموت، «دعهم يموتون!».

لعلنا نجد بعض التفسير في قول علي الأمين المزروعي، إنه حين تكون المرأة على رأس حكومة من الرجال، فإنها سوف تتصرف بالمنطق الذكوري نفسه الذي يتصرفون به، لكن مع حكومة ثنائية الجنس يمكن أن يتغير مفهوم استخدام القوة، أما ماركيز فلم يدعُ إلى هذه الثنائية، وإنما إلى تسليم العهدة كاملة إلى النساء.