10 أبريل 2025

من أجل الشباب الدائم.. ملياردير أمريكي يحقن نفسه بدم ابنه

كاتبة صحافية

مجلة كل الأسرة

يصف بريان جونسون نفسه بأنه «مخلوق بشريّ معدّل وراثياً». فهذا الرجل البالغ من العمر 47 عاماً، والذي يدير شركة للتقنيات الحديثة يسعى منذ سنوات، للحفاظ على صورته وقدراته مثلما كان عليها في سِن الثامنة عشرة، أي في أول الشباب.

والطريق لمقاومة الشيخوخة لا يبدأ بالرياضة، والعقاقير، وعمليات التجميل، بل يستعين هذا الأمريكي، الذي يملك مليارات الدولارات، بأحدث ما يتيحه الطب من تدخلات في الخريطة الجينية لكي يبعد عن نفسه علامات التقدم في العمر.

مجلة كل الأسرة

من الشيخوخة إلى الصبا

وبما أنه بالغ الثراء، وكاره للشيخوخة، فقد أثارت تصرفات جونسون وتصريحاته لوسائل الإعلام الاهتمام، بحيث بادر المخرج كريس سميث إلى عمل فيلم وثائقي عنه بعنوان «لا تمت... الرجل الذي يريد الخلود». وهو فيلم يعيد إلى الأذهان ذلك الفيلم الروائي الذي قام ببطولته النجم براد بت وعرض على الشاشات في عام 2008 بعنوان «القصة الغريبة لبنجامان باتون». ويتخيل الفيلم رجلاً يصغر في العمر، أي يعود شاباً بالتدريج، على الرغم من تقدّمه في السّن. هل يمكن للإنسان أن يكبر بشكل معكوس، من الشيخوخة إلى الصبا؟

مجلة كل الأسرة

يبدو أن فيلم براد بت ألهم بريان جونسون، الثري الذي يقيم في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، فقرر أن يضع ثروته الهائلة تحت تصرف جسمه، وملامح وجهه التي يحلم بأن تبقى مثلما كان يراها في المرآة، وفي الصور القديمة، وهو في مقتبل العمر. إنه يسعى بالتحديد لأن يكون نسخة من ابنه البكر تالماج، أكبر أبنائه الثلاثة، والوحيد بينهم الذي ما زال يتحدث مع أبيه، ولم يقاطعه مثل الآخرين بسبب حلمه المجنون. فقبل 10 سنوات كان جونسون رجل أعمال نشيطاً يجسد الحلم الأمريكي للنجاح. باع شركته للدفع عبر الشبكة الإلكترونية إلى شركة «باي بال»، بمبلغ 800 مليون دولار.

كان متزوجاً من أول فتاة أحبها قلبه، وله ولدان وبنت. مؤمن، ومتدين، يرتاد الكنيسة المخصصة لطائفة «المورمون»، للتعبّد وللصلاة، مثل رب أسرة محترم، ومرموق. لكن بريان جونسون لم يكن سعيداً بتلك الحياة، ولا قانعاً بما رزقه الله. فقد كان يجهد نفسه في العمل، وتعتريه فترات كآبة متتابعة. وفي الفيلم الوثائقي المعروض على منصة «نتفليكس»، نسمعه يقول «كانت قدمي على حافة القبر حين كنت أملك شركتي». إن من المعتاد رؤية كبار رجال الأعمال والمستثمرين يمضون عدة أيام في العمل من دون نوم. والغريب أن تلك اليقظة كانت تثير الإعجاب، وليس الاستهجان، لأنها كانت علامة على الجدية في العمل، والحرص على استمرار النجاح، ومضاعفة الأرباح. تلك كانت فكرة جونسون عن نفسه، لكنه اليوم يراها فكرة سخيفة.

مجلة كل الأسرة

مغامرة «بلو برينت»

لم يكن مرتاحاً في كيانه، ولم يكن سعيداً مع زوجته، وفي لحظة عزم قرّر أن يكنس كل تلك الحياة، ويزيحها كما يطرد الواحد منا ذبابة عن وجهه. بدأ بترك الدين الذي كان يعتنقه، وبعد ذلك طلّق شريكة حياته، وتراجعت علاقته بوالدته، وبأبنائه. فقد استهجن اثنان منهم تصرفات الأب وقرّرا مقاطعته. أما هو فقد بدأ حياة جديدة منذ 2021 دشنها بمغامرة أطلق عليها اسم «بلو برينت»، وهي تجربة تسعى لعكس تطور الإنسان وعلاقته بالعمر. إنه يتبع يومياً، وبمنتهى الدقة، بروتوكولاً من ابتكار الدكتور اوليفر زولمان، يقوم على تزييت الجسم بشكل مكثف حتى الشعور بالدوار، فهو يبتلع ما معدله 100 حبة في اليوم، ويتبع نظاماً غذائياً يتم تحويله إلى خلطة خفيفة مع الخضراوات، وبعض المكسرات. وهناك جلسات للعلاج بالضوء، وسماعات لتعزيز نمو الشعر ومنع تساقطه، وعلاج آخر للارتجاع البيولوجي لتعزيز الجهاز العصبي الإرادي عبر أقطاب كهربائية في الأذنين، مع تحفيز كهرومغناطيسي للبطن وعلاج لتجديد السمع، إضافة إلى حقن دقيقة من البوتوكس، وهرمونات النمو. هل هذا كل شيء؟

يتبع نظاماً صارماً في الطعام والتمرين
يتبع نظاماً صارماً في الطعام والتمرين

لا بالتأكيد، فهناك مكالمة يومية لإيقاظ جونسون في تمام الساعة الخامسة والنصف فجراً، مع الذهاب للنوم في الثامنة والنصف مساء. وخلال النهار، هناك ساعة من تمارين القوة، وصيام يبدأ في الحادية عشرة صباحاً، بحيث لا يتجاوز الطعام اليومي 2000 سعرة حرارية. وهو يعترف في الفيلم بأن لا شيء متروكاً للصدفة، كما يقرّ بأنه يشعر بالجوع في أغلب الأوقات، وينتابه الحزن بعد اللقمة الأخيرة. تخيّل أن تجوع وأنت صحيح الجسم، وتملك مليارات تسمح لك بتناول كل ما تشتهي نفسك!

بريان جونسون
بريان جونسون

مهووس بالشباب وجذب الاهتمام

ورغم النظام المتوحش، فإن تلك الممارسات بدأت تؤتي ثمارها. فقد بدا على جونسون كأنه استعاد 5 سنوات، وقلباً شاباً جديراً بكائن يبلغ من العمر 37 عاماً، لا غير. وبالطبع، فإننا لا نستطيع التأكد تماماً، لأن صاحب هذا الكلام هو جونسون نفسه. وهو يتباهى في الفيلم قائلاً «إنها المرة الأولى في تاريخ البشرية التي يستحيل فيها معرفة المدة، أو الحالة الصحية التي سأعيشها. أنا أحاول بكل الوسائل دفع حدود العلم، وبلوغ ما هو ممكن في عصرنا الحالي».. إنه يتلقى أيضاً وجبات من الرابامايسين، وهو مادة تعطى لمرضى زرع الأعضاء لكي لا ترفض أجسامهم العضو المزروع.

بريان جونسون يفتخر بنقل البلازما من دم ابنه إليه
بريان جونسون يفتخر بنقل البلازما من دم ابنه إليه

لا يخشى الأمريكي المهووس بالشباب تجربة أي شيء يمكن أن يحفظ له مظهره النضر، حتى لو كانت التجربة متطرفة، ومن ذلك، نقل بلازما ودماء إلى الأب من ابنه تالماج، البالغ من العمر 18 عاماً. وهي تجربة ما زالت تثير الجدل وغير مأمونة، بل تشبه ما ترويه كتب الأساطير عن مصاصي الدماء، أو عن أولئك الذين يشربون دماء فتاة عذراء، أو يستحمون بدمائها بوهم الحفاظ على جسد معافى. فهل ترضى الجهات الصحية الأمريكية على تلك التجارب، أن تقف مكتوفة الأيدي أمام مواطن يعرّض حياته وحياة ابنه للخطر؟

في الفيلم الوثائقي، نسمع الدكتور فاديم جلاديشيف، البروفيسور في كلية طب جامعة هارفرد، يقول إن تجارب جونسون لا تخدم العلم، بل هو يسعى لجذب الاهتمام فقط. إنه يقوم بتصوير نظامه اليومي المتطرّف، ويعرضه على المتابعين. وهناك طبعاً، العديد منهم ممن يستنكرون ما يقوم به، ومنهم المدونة الشهيرة ربيكا واتسون التي نشرت تسجيلاً تصف فيه بريان جونسون بالدجال، وتقول «سواء حقق حلمه بقهر الشيخوخة، أو لم يحققه، فإن هدفه هو كسب الأموال من خلال تخويف الناس الذين تقلقهم فكرة الموت، ويكونون مستعدين لدفع النقود في سبيل البقاء شباباً».

مجلة كل الأسرة

نفهم من هذا أن جونسون لا يكتفي بالتجارب على نفسه، بل أطلق عقاقير، ومقوّيات، ومواد غذائية معروضة للبيع لمن يريد اتّباع طريقته في الحفاظ على صحة قوية، ومظهر جميل. ومن هذه المواد زيت للزيتون شديد الصفاء، بسعر 30 دولاراً للقنينة الواحدة. لكن هناك من يصدّق جونسون ويؤمن بتجاربه، ومن هؤلاء الصحفية آشلي فانس، صاحبة الكتاب الرائج عن إيلون ماسك، إنها تدافع عن جونسون، وتنفي أنه يتكسّب من أفلامه، ومنشوراته، وتجارته، فهي ترى أنه سار في هذا الطريق الشاق للخلاص من مشكلاته النفسية المعقدة.

لماذا لا يحل جونسون مشكلاته بالبحث عن الحب الحقيقي؟ إنه يرفض تغيير نمط حياته من أجل كائن من كان. والمثل يقول إن الملدوغ يخاف من «جرّة الحبل». لقد دخل في قصة عاطفية مع امرأة تدعى تارين ساذرن، وانتهى الأمر بينهما أمام المحاكم. لقد تزوجها وهو في مقتبل العشرينيات من العمر، وكانت أول حب في حياته. تزوجها وعاش معها 3 سنوات، وبعد 13 عاماً تطلقا. وهو يعترف بأنه فاشل في إدارة شؤون القلب، والحياة الخاصة. واليوم، تعمل تارين صانعة محتوى، ولديها 85 ألف مشترك في إنستغرام. لكن فرحتها بنجاحها لم تكتمل، لأنها تعاني مرضاً خبيثاً في الثدي، بلغ مرحلة متقدمة، وتتّبع علاجاً كيمياوياً وشعاعياً. وبحسب مجلة «بيبل»، فإنها لجأت إلى المحكمة العليا في كاليفورنيا تطلب تعويضات من طليقها الثري، لكي تتمكن من تسديد نفقات علاجها، لكنها تنفي حكاية نفقات التداوي، وتقول إنها تطالب جونسون بمبلغ 9 ملايين دولار كتعويض عن القلق والاحتضار الذين سببهما لها. وتضيف إن طليقها دفعها لترك عملها لكي تتفرغ للعمل معه في شركته.

يقوم بتصوير فحوصاته اليومية وتوثيقها
يقوم بتصوير فحوصاته اليومية وتوثيقها

آخر محاولات بريان جونسون للبقاء شاباً، هي خضوعه لعلاج جينيّ لتعديل بصمته الوراثية، وحمايته من أمراض محتملة. لكن هذا النوع من التجارب محظور في الولايات المتحدة، الأمر الذي دفعه إلى السفر إلى جزيرة بروسبيرا، إحدى جزر هندوراس في البحر الكاريبي، لتجربة التعديل الوراثي. وهو يسعى يومياً لرفع نسيجه العضلي ودفع سن الشيخوخة بأقصى ما يستطيع من إمكانيات مالية، ومستحضرات، وعقاقير، ما زالت غير مؤكدة ولا مضمونة.

مع هذا، فإن هذا المجهود الفردي يثير استفزازاً عاماً لدى ملايين الأمريكيين الفقراء الذين يعترضون على أن ينفق جونسون الملايين لكسب مظهر شاب، بينما لا يجد أبناؤهم لقمة العيش. وهو لا ينفي عن نفسه هذه التهمة، ويرى أن هؤلاء يرون الفجوة تزداد عمقاً بين الأغنياء والمعوزين، أي بين البطر وبين الجوع، وهي نظرة خاطئة لأن نظرته للأمر تقوم على إثبات أن تجاربه مأمونة وفعالة، وبالتالي فإن تكاليفها ستنخفض في حال قام آلاف الأشخاص بتقليده، ومع الزمن يصبح حلم الشباب في متناول عموم البشر. وهو لا يتورع عن التبشير بالتصابي كدين جديد في أمريكا.