نظرة بانورامية لعام بديع.. كيف وصل الفن السينمائي إلى ذروته عام 1975؟

الحنين إلى الماضي، أو «النوستالجيا»، لها مبرّراتها المؤكدة حين المقارنة بين سينما اليوم، وسينما الأمس..
التالي رحلة لعصر ليس بعيداً تماماً، كانت فيه الأفلام تعني أشياء مختلفة عمّا تعنيه اليوم:

في عام 1975 قدّم المخرج علي بدرخان فيلم «الكرنك»، وكان جريئاً في نقل قصّة نجيب محفوظ المعروفة. الجرأة هنا لم تكن من نصيبه وحده، بل من نصيب الإنتاج (ممدوح الليثي)، والرقابة المصرية التي أجازته. في «الكرنك» تحدّث المخرج بوضوح عن مراكز القوى وضحاياه، وبعد عامين من عبور القوّات المصرية خط بارليف، واستعادتها سيناء.

هذا الفيلم هو واحد من الأفلام البارزة في تاريخ السينما العربية، قبل خمسين سنة، تبدو لنا الآن، عبر نظرة بانورامية شاملة، كما لو أنها وقعت فوق كوكب آخر. نظراً لأن سنة 1975 كانت حافلة بالأفلام الرائعة التي لن تتكرر بالمستوى والبذل ذاتهما، لكون معظم من حققوا تلك الأفلام رحل عن دنيانا، تاركاً ميراثه الرائع.

إنها السنة التي خرج فيها فيلم «وقائع سنوات الجمر» لمخرجه الجزائري، محمد لخضر حامينا، بالسعفة الذهبية من مهرجان «كان». الفيلم العربي الوحيد الذي فاز بهذه الجائزة الأولى في تاريخ المهرجان، وحتى اليوم. هي أيضاً السنة التي قدّم فيها الراحل برهان علوية، فيلمه الدوكيودراما «كفر قاسم»، عن المجزرة التي راح ضحيّتها عمال فلسطينيون إثر عودتهم إلى قريتهم غير ملمّين بقرار منع التجوّل.
عربياً أيضاً، كانت هناك ملامح لسينما بديلة تكوّنت من مخرجين من المغرب، وتونس، ولبنان، وسوريا، ومصر، والعراق، تزامنت مع ثورات سينمائية في أكثر من بلد حول العالم من القارة اللاتينية، إلى أوروبا، (شرقها غربها)، ومن الولايات المتحدة إلى إفريقيا، مروراً بآسيا.

نماذج من أفلام رائعة في عام 1975
في الغرب وحول العالم، كان 1975 هو العام الذي قام فيه المخرج ستانلي كوبريك، بتحقيق «باري ليندون». دراما حول مجنّد أيرلندي في القرن التاسع عشر، كسب ودّ المجتمع المخملي والطبقة العليا، خافياً نشأته، وحقيقة هروبه من الخدمة العسكرية. أهدى المخرج الدور للممثل رايان أونيل («قصة حب»)، وسط تعجّب المتابعين، على أساس أن أونيل ليس الممثل الذي يجيد الأداءات الصعبة، لكن كوبريك أدار بطل فيلمه جيداً، والمستوى الفني للفيلم لا يقل إبداعاً عن أفلام كوبريك الأخرى.

1975 كان العام الذي قدّم فيه الروسي أندريه تاركوفسكي تحفته «المرآة»: مناجاة تنبع من ذكريات المخرج عن أمّه، وعن سنوات صباه، ممتزجة بمشاهد ترقى إلى أعلى سمات اللوحات الفنية.
لم يكن فيلماً معارضاً للنظام، لكن هناك فصل فيه يوضح كيف هرعت بطلة الفيلم لإصلاح معلومة صحفية قبل الطبع في الصحيفة التي تعمل فيها. ذلك الخوف الماثل أمامها وهي تركض الردهات قبل فوات الأوان، من تعليق المخرج على الوضع الذي لم يعش ليشهد نهايته في الثمانينيات.

أفلام ما زالت ماثلة
مثله في سينما التأمل قام الإيطالي مايكل أنجو أنطونيوني، بتحقيق فيلم خلاّب (رغم بعض الهنات)، بعنوان «المسافر» (The Passenger)، مع جاك نيكولسن، في دور رجل تقمّص شخصية آخر لا يعرفه ليكتشف أن هذا الآخر مهرب سلاح، وأنه بات مطارداً. أنطونيوني من الذكاء بحيث يضع الأحداث في قالب لا يقصد التشويق، لكنه يضمن ثبات الرغبة في معرفة هذا المصير البادي.
جاك نيكولسن أيضاً ظهر في فيلم ميلوش فورمن «واحد طار فوق عش الوقواق» (One Flew Over the Cuckoo;s Nest). العنوان مجازي لمستشفى المجانين ونيكولسن هو الممتنع عن الانصياع للمؤسسة متمرداً بعناد ضد تعاليمها. هذا الموضوع يوازي موضوعات سابقة حققها هذا المخرج التشيكي في بلده خلال الستينيات. فاز الفيلم بخمس أوسكارات، بينها أفضل فيلم، وأفضل مخرج
إلى جانب كل هؤلاء، كانت هناك أفلام أخرى رائعة لعدد كبير من المخرجين الذين ذهبوا، وذهبت معهم ما رسموه بالكاميرا عن الحياة، وإيقاعاتها، وأحداثها، وبأساليب تستوعب كتاباً، وليس مقالاً. من هؤلاء الياباني أكيرا كورساوا، الذي أنجز «درسو أوزالا»، حكاية صيّاد عجوز يرفض مغادرة الغابة التي عاش فيها. جون هيوستن تعامل في «الرجل الذي قد يصبح ملكاً» مع حكاية جنود بريطانيين خلال حقبة احتلال الهند. ومثلها أخرج آخرون أعمالاً هامّة شكلت مفاصل بارزة في مسيراتهم، مثل فرنسوا تروفو («قصة أديل هـ.»)، ودك رتشردز («وداعاً يا حبي»)، وإنغمار برغمن («المزمار السحري»)، وثيو أنجيلوبولوس («الممثلون الرحالة») وجان-لوك غودار («الرقم 2»)، وجون شليسنجر (»يوم الجراد») من بين كُثر.