مجلة كل الأسرة
16 أبريل 2020

أنجلينا جولي: لم أعد أعرف نفسي بعد انفصالي عن براد

كاتبة صحافية

هي ليست نجمة سينمائية مثل العشرات غيرها، بل شخصية بارزة في ميدان العمل الإنساني. عرفت كيف تضع شهرتها في خدمة اللاجئين ولم تتردد في الذهاب إلى مخيماتهم في الشرق الأوسط واحتضان أطفالهم والتهدئة من روع النساء. لكن أنجلينا جولي تفتح قلبها هذه المرة للحديث عن نفسها، وذلك بمناسبة زيارتها للعاصمة الفرنسية بعد اختيارها سفيرة لعطور «جيرلان». من يصدّق أن أجمل النساء يمكن أن تتعرض للخذلان وللهجر من الحبيب وشريك العمر؟

أنجلينا جولي و براد بيت

الجرح الذي لم يندمل 
ستة أطفال وجائزة «أوسكار» واحدة والتزام لا حدود له بالعمل الإنساني. هكذا يمكن تلخيص أنجلينا جولي في عبارة واحدة. وبفضل نشاطها في مجال الخدمة العامة ونصرتها للنساء اللاجئات، ما عاد يمكن اختصار أنجلينا بأنها نجمة سينما. فهي اليوم سفيرة لمنظمات دولية، ومدافعة جريئة عن حق الأطفال في الحصول على سقف ومدرسة ولقمة نظيفة ولقاح ضد المرض. كل ذلك دون أن تتخلى عن مهمتها الأساسية التي تعيش منها، وهي الفن. لذلك وافقت على الظهور بدور ساحرة طيبة في «ماليفيك أو سلطة الشر»، كما لبت دعوة دار «جيرلان» الفرنسية العريقة لتتولى الترويج لعطرها الجديد. ففي الفترة الأخيرة، صرنا نراها في المؤتمرات الدولية أكثر مما نشاهدها على السجادة الحمراء في المهرجانات السينمائية. وقبل دورها الأخير مع «ديزني» فإنها لم تظهر على الشاشة منذ فترة طويلة.
لكن يبدو أن المرأة مهما ارتقت في المراتب وامتلكت من المال والجمال، تبقى امرأة لا حول لها ولا قوة في ميزان الحب. وقد كان انفصالها عن زوجها ورفيق دربها النجم براد بيت جرحًا لم يندمل بعد. وهو الانفصال الذي شكّل مادة شهية للصحافة في العالم كله. وبسبب الحب الكبير الذي جمعهما فإن اسميهما كانا قد اندمجا في كلمة واحدة: «برادلينا». ثم جاء خبر الانفصال ليشكل صدمة للمعجبين بهما. وعلى الفور انقسم الجمهور إلى معسكرين لا وسط بينهما، فإما أن تقف مع أنجلينا أو أن تناصر براد. وهما اليوم لا يتبادلان الكلام وقد تركا تسوية أمورهما للمحامين. بل إن إجراءات الطلاق لم تصل إلى نهايتها حتى هذه اللحظة

سيدة التناقضات 
نادرة هي المرات التي وافقت فيها أنجلينا على الحديث في هذا الموضوع. لكن يبدو أن زيارتها الأخيرة لباريس قد فكت عقدة لسانها. وهي لا تخجل من التصريح بأنها زوجة مجروحة، وهي ليست تلك المرأة الجبارة ولا المقاتلة الحديدية التي يتصورها البعض، بالاستناد إلى عدد من أدوارها. لذلك فإنها اليوم تحاول إعادة تجميع نفسها المتناثرة بعد الانفصال، وتركز جهودها على النشاط الإنساني وما يوفره لها من شعور بالرضى عن النفس. ومن المعروف أن أنجلينا نالت الجنسية الكمبودية بالإضافة إلى جوازها الأمريكي، وهي تملك منزلًا في ذلك البلد. لهذا اختارت أن تصور هناك الفيلم الدعائي للعطر الفرنسي الجديد الذي تروج له. ونراها في الإعلان متلفعة بحرير شفاف وهي ترقص تحت المطر في غابة كمبودية.
تستقبل أنجلينا الصحفيين في صالون أحد الفنادق الباريسية الكبرى. وهي بالغة الرقة والدفء ومليئة بالحيوية. لقد جمعت شعرها إلى الخلف وتركت ملامحها الجميلة مكشوفة بالقليل من المساحيق وبقرط على شكل حبتين من اللؤلؤ. كانت تلتف بوشاح كبير من صوف «باشمينا» الرمادي، ينسدل على ظهرها ولا يخفي جانبًا من الوشم الذي تحمله على جلدها. إنها سيدة التناقضات. فمن جهة تراها في هيئة «ليدي» ومن جهة أخرى تجعل من ظهرها صفحة للرسوم والكتابات. لذلك يتفاجأ محررو المجلات الفنية حين يستمعون إليها لأنها تتكلم بصراحة لطيفة حينًا ومدهشة صادمة أحيانًا. هذه مخلوقة استثنائية. وبحسب التعبير الأمريكي فإنها «أكبر من الحياة». لقد جمعت بين خفة النجومية وبين ثقل النضال في ميدان حقوق الإنسان، نالت وسامًا من ملكة بريطانيا ووقفت متحدثة أمام منتدى «دافوس» العالمي للاقتصاد وتحولت إلى إيقونة من أيقونات القرن الحادي والعشرين.

لقد فكرت في وقت سابق أن أعتزل التمثيل

من بين كل الألقاب تفضل مناداتها بـ «ماما»
تحب النجمة الأمريكية الحديث عن علاقتها بباريس، المدينة التي تقول عنها إنها «تملك شيئًا غامضًا يشعرها بالراحة». 
فالمرء حالما يصل باريس فإنه يتبنى طبعًا أكثر تفتحًا وحرية. عدا عن أن أنوثتها تتألق هنا. كما أنها تنتمي إلى فرنسا من جهة الأم، وقد اقتنت منزلًا كبيرًا في جنوب البلاد عاشت فيه مع براد بيت وأولادهما لعدة سنوات. وبعد الانفصال عادت لتقيم في لوس أنجلوس في حين ما زال طليقها يفضل البقاء في فرنسا حين لا يكون مرتبطًا بتصوير أحد الأفلام. ومن بين أدوارها المختلفة ونشاطاتها المتنوعة، لا تتردد أنجلينا في القول إن صفة الأم هي الأقرب إلى قلبها، قبل صفة الفنانة أو الناشطة في الحقل الإنساني.

تضيف: «أستيقظ في الصباح وأنا أم. وهذا الدور يناسبني اليوم وغدًا ودائمًا. وحالما تدخل المرأة في عالم الأمومة فإنها تنتمي إلى كينونة أخرى ولا تعود تملك كامل حياتها. فكل حياتي واختياراتي تتحدد وفقًا لمتطلبات أطفالي. وأنا شديدة الحساسية لكل ما يمكن أن يؤثر فيهم أو يقلقهم. وبعد ذهابهم إلى المدرسة أتمكن من الالتفات لعملي والتزاماتي الأخرى، سواء السياسية أو الإنسانية. أتصل بمكتبي وأكتب مقالي لمجلة تايم وأتابع ملفات إدارية عديدة. وحين أنتهي من هذه الواجبات أتفرغ للسينما». لقد فكرت في وقت سابق أن أعتزل التمثيل. وبعد انفصالي عن زوجي بات يتعين عليّ التفكير في ترتيب شؤوني الخاصة وتخصيص وقت أكبر للأبناء. ولم يكن الوقت مناسبًا للدخول في مشاريع سينمائية كبيرة وعلى المدى الطويل. أما اليوم فإن الأمر بات أسهل. والحقيقة أن الابتعاد عن التمثيل كان مفيدًا لاسيما أنني مررت بظروف لم أكن فيها على ما يرام. فقد عشت فترة سيئة، إلى أن عرضوا عليّ دور الساحرة في فيلم للأطفال فوجدت أن الأمر يسليني ويساعدني في التعافي من أحزاني. لقد تعافيت بشكل جزئي لكن لحظة الطلاق تبقى صعبة». 

«أشعر بالرغبة في العودة إلى نفسي لأنني كنت ضائعة»
يحار النقاد في تصنيف أنجلينا جولي. إن نجوميتها لم تعد ذات صبغة سينمائية فقط بل تختلط صورتها مع صور أطفالها العديدين بالتبني ومع صور زياراتها لمخيمات اللاجئين وتصريحاتها في المؤتمرات السياسية. أما هي فقد أدركت أن حياتها أصبحت سلسلة من أدوار متتالية. كان عليها أن تخفف من الصورة «المتوحشة» التي انطبعت في أذهان المشاهدين عنها. لكنها لم تتوقف يومًا عن البحث عن حريتها، حتى ولو بدت في بعض الأحيان متهورة وجريئة. لقد اختارت العيش في بيت يقع على حدود الغابة ولم تتورع عن السفر إلى أخطر مناطق النزاعات والحروب. وهي اشتغلت مع الأمم المتحدة وتعاونت مع عسكريين ولم تضع لنفسها حدودًا حمراء لا تتخطاها. هل كانت تفعل كل ذلك لتنسى خطر سرطان الثدي المنتشر بين نساء عائلتها ولكي تستبق الموت بفعل الخير؟ الأكيد أنها تجنح للمغامرة الحقيقية ولا تطيق العيش في أحضان الراحة والرفاهية. وكم كان مدهشًا أن تنشر النجمة الجميلة خبر إقدامها على إزالة ثدييها الاثنين بعملية جراحية لكي تقلل من احتمال إصابتها بالمرض الخبيث.

أنجلينا جولي

لعل هذه المرأة مقتنعة بأنها صاحبة رسالة. وهي تؤكد أن الأمومة دفعت بها لأن تكون نموذجًا محترمًا وطيبًا لأبنائها. أرادت أن تخلع زيف الأضواء وأن ترتدي وشاح المرأة الأمينة والحريصة على سعادة الغير. ومن يعمل في هوليوود يدرك كمية الزيف الموجودة في الوسط الفني. لذلك تحاول أن تكون صادقة وأن تنظر إلى العالم بمنظار صاف وعادل. ثم إن المرء يعيش حياة واحدة ومن الضروري أن يجعلها مليئة بما يفيد الناس. أما أن تكون صاحبة رسالة فهو أمر لم تفكر فيه لكنها تعرف أنها تمر بمرحلة انتقال وعودة إلى الجذور، وتقول: «أشعر بالرغبة في العودة إلى نفسي لأنني كنت ضائعة إلى حد ما في ما مضى من عمري. والانتقال المقصود هو انتهاء علاقتي ببراد بيت. وهي مرحلة معقدة شعرت فيها بأنني لم أعد أتعرف إلى نفسي ولا ما هو الشكل الذي أصبحت عليه. كأنني تضاءلت وصرت لا شيء. لقد اجتاحني حزن عميق وحقيقي وكنت مجروحة. لكن بالمقابل كان من المفيد أن أربط علاقة بالنشاط الإنساني وأن أخرج من شرنقتي وألتقي بمشكلات العالم، دون نسيان المشكلات الصحية التي تعرضت لها. وقد توصلت إلى حقيقة مفادها أنني امرأة محظوظة لأنني ما زلت على قيد الحياة. وهو درس آخر يجب أن أبلغه لأبنائي، أي فكرة التجدد والعثور على الفرح مهما تكاثرت علينا المحن».

في مدينة تورونتو الكندية، قدمت أنجلينا محاضرة لجمهور عريض. كانت ترتدي ثوبًا طويلًا أبيض وقد تسلطت عليها الأنوار وكأنها آتية من كوكب آخر. وعند انتهاء المحاضرة وقف الجميع وتقدموا منها في صمت تام وأحاطوا بها. هل بلغت حد أن يتبرك بها جمهورها مثل قديسة طيبة؟ تضحك وهي تتذكر تلك المناسبة وترى بأن نزوعها الإنساني العميق هو الذي يجعلها محاطة بتلك الهالة. كما أنها تتأثر كثيرًا بأسلوب معاملة الناس لها واهتمامهم بنشاطها لمساعدة المعذبين في القارات البعيدة. وهنا تحب أنجلينا أن تذكر فضل والدتها عليها وتقول: «أمي كانت المروءة مجسمة، وكريمة كرمًا لا يمكنني مجاراته مهما حاولت. وللأسف فإن المجتمع كان يضع ضغوطًا على كاهل المرأة ويريد منها أن تكون أنثى من جهة وقوية ذات صلابة في الوقت نفسه. وبهذا نجد أنفسنا نكافح ونقاوم ونستقوي. وبهذا لا يعود من السهل التمسك بالأنوثة والحفاظ على الرقة وسط عالم قاس وعنيف.»

أنجلينا جولي: «لم أعد أعرف نفسي بعد انفصالي عن براد»

لا تحب هوليوود
لا يمكن لأنجلينا أن تواجه الصحفيين دون أن يقف أحدهم ليسألها عن قضية التحرش التي تتعرض لها الممثلات وغيرهن من النساء، وذلك بعد فضيحة المنتج هارفي فينشتاين. وجوابها هو أنها كانت تتمنى أن يقوم كبار المتنفذين في هوليوود بإجراء تحقيقات واسعة في القضية ومعاقبة المسيء. لكن هذا لم يحدث رغم الضجة الكبرى التي أثارتها القضية ورغم ظهور حركة «مي تو». فهل تشمر أنجلينا عن ذراعيها لقيادة تحقيق مثل هذا؟ ورغم عيشها في لوس أنجلوس فإنها لا تحب هوليوود ولا ترى نفسها قادرة على مهمة مثل هذه. وحتى لوس أنجلوس فإنها لا تشعر بالتعلق بها وكانت تفضل السفر المستمر. وقد حرمها انشغال براد بيت من السفر لأن مسؤولية أطفالهما تبقى موكلة إليها طوال الوقت».