تعود الممثلة تشارليز ثيرون إلى أدوار القوّة البدنية في فيلم جديد تعرضه «نتفلكس» هذا الشهر بعنوان The Old Guard كانت ثيرون شاركت في بطولة «ماد ماكس: طريق الغضب» Mad Max: Fury Road قبل ثلاث سنوات ثم تبعته قبل عامين بفيلم Automic Blonde والآن نراها في هذا الفيلم الذي تبذل فيه الكثير من مشاهد القتال وببراعة هي رئيس مجموعة من المحاربين اسمها آندي. محاربة قوية الشخصية وقوية المهارة معاً. تفهم لحظات المزج الرائعة بين الواقع والخيال، بين حياتها السرمدية وبين وقائع الحياة من حولها.
الحياة ضد الحرب. الموت مع الحرب. وجدت آندي نفسها في صراع مرير دائم عبر التاريخ كونها لا تموت. تنظر إلى الحاضر بيأس كونها لم تعد تستسيغ الحياة الأبدية وتشارك الرأي مع أحد أفراد طاقمها عندما يقول «أحزن حين أرى أناساً أعرفهم يموتون بينما أنا لا أستطيع أن أموت». هنا تكمن مأساتها. على عكس سوبرمان أو باتمان أو حتى مصاصي الدماء، هي ليست سعيدة بتواصل حياتها اللامنتهي والتي بدأت منذ قرون شهدت فيها حروباً عديدة ومواقع موت متلاحقة خاضتها وبقيت حيّة. كآبة الحروب المتواصلة.
هشاشة المعايير الدنيوية من حولها. مشكلات الحياة الجسيمة في هذا العالم، عناصر تصيبها في القلب. تجعلها غير شخصيات السوبر هيرو المتداولة التي تبدو، في نهاية الأمر، أنانية تعمل لصالحها ولو كانت تدعي الذود عن المدن وسكانها. صور بطولية لذاتها بينما آندي هي بطلة بالرغم عنها. معها ثلاث أشخاص من الطينة ذاتها، وهناك عضو رابع جديد.
نايل (كيكي لين) مجندة أفرو-أمريكية نراها في مشاهدها الأولى تقود فرقتها في قرية أفغانية جبلية بحثاً عن رجل مطلوب. المواجهة معه سريعة لكن الرجل يستل خنجره ويجز رقبة الفتاة قبل مقتله. يتم نقلها سريعاً إلى المستشفى والجميع على ثقة من أنها ستموت في أي لحظة. وربما ماتت، لكنها تستيقظ من جديد وليس على رقبتها أي أثر لما حدث لها.
هي لا تعرف لماذا ولا رفاقها والفريق الطبي يعرف كيف. لعبة جديدة ما توفره المخرجة جينا برينس- بيثوود (التي لم يسبق لها أن حققت أفلام أكشن من قبل لكنها تبرهن هنا عن إجادتها للعبتها الجديدة) فيلم مبني على شخصيات لا تموت. شخصيات تعيش كآبة الواقع ولا تستطيع أن تتركه وراءها. تتمنى آندي أن تفعل ذلك، وفي أحد المشاهد ترفع يديها وتقول «أنا انتهيت وليذهب العالم إلى الجحيم». يسارع الفيلم إلى توفير كل ما سبق من خصائص شخصياته.
يبدأ بمعركة طاحنة (وينتهي بأخرى) وفيها نتعامل مع أبدية شخصياته. وبينهما تمتد حكاية فعلية تؤمن كل ما ذكرناه من معاناة هذه الشخصيات أو بعضها. عندما ينجح صاحب مؤسسة علمية مقرّها باريس في خطف اثنين من رجال آندي تهب هذه لنجدتهما غير مدركة - في بادئ الأمر- أن صاحب المؤسسة يحاول استغلال رَجُليها لخدمة اكتشافاته المشكوك بها. هذا- تحت أي مفهوم- يذكّرنا بالوضع الذي نعيشه هنا اليوم. هل وباء «كورونا» هو ولادة طبيعية غامضة ضربتنا بكل قسوتها، أم صنع مختبرات تعرف تماماً ما كانت تقوم به؟ دور المخرجة الواضح هو التركيز على تنفيذ العمل بمقتضياته التقنية في الوقت الذي تفرد فيه المساحات الكافية لشخصياتها لكي تعبّر عما هو مطلوب منها. هذا الجهد ما كان لينعكس على هذا المستوى لولا عناصر الإنتاج والتصوير والمونتاج والمؤثرات الأساسية. ولولا تمثيل صادق وجيد من تشارليز ثيرون التي لم ترد لعب دور في أفلام الكوميكس الكبرى بل اختارت خطاً منفصلاً ومستقلاً.