هذا موضوع أسال صهاريج من الحبر عبر العصور. ما هو الجمال؟ وما هي البشاعة؟ وهل من مقاييس عالمية موحدة لهما؟
أعود إلى الموضوع بعد أن طالعت تحقيقاً مصوراً في مجلة فرنسية، تزعم كاتبته أن هناك 15 نجمة شهيرة قبيحة وفق المعايير المتداولة للجمال، لكنها جميلة في أعين محبيها. وتلاحظون أنني استخدمت فعل «تزعم» لأنني لا أؤمن بوجود إنسان قبيح ولا أبصم على ما كتبته المحررة الباريسية. إن الملاحة خلطة سحرية تتداخل فيها عناصر شكلية ظاهرية، ونفسية داخلية، يصعب التقاطها. وفي اللغة الفرنسية، مثل كل لغات الشعوب، عدة مفردات لوصف المحاسن، تتراوح ما بين «بيل» أي جميلة، و«مينيون» أي «حليوة».
أعرف كثيرين يميلون إلى «الحليوة» اللطيفة على حساب الجميلة المتكبرة. والإنجليز يقولون عن الأولى «كيوت». وهو لفظ يختصر الكثير من الصفات الحسنة. مع هذا يبقى الميزان رجراجاً ومتذبذباً، ترتفع كفتاه وتهبطان بدون استقرار واعتدال وتساوٍ. إن لكل منا ذوقه ونظرته وتقويمه لما يجعله يتقرب أو ينفر. ولطالما اختلفت مع شقيقتي على فلانة من النساء، هي تصرّ على أنها حسناء وأنا لا أراها كذلك.
في الشعر العربي عشرات الأبيات والقصائد التي تتناول موضوع الاختلاف في النظرة إلى الصفات الجمالية. وفي الأغاني كذلك. وتعجبني بشكل خاص أغنية «لاموني» للمطرب التونسي الهادي الجويني. وجاء في كلماتها التي كتبها بشير فهمي فحيمة: «لاموني اللي غاروا مني / وقالوا لي إش عجبك فيها / جاوبت اللي جهلوا فني / خذوا عيني شوفوا بيها». ولدينا مثل يختصر الموضوع برمته، هو: «القرد في عين أمه غزال».
فمن هن «القردات» المذكورات في تحقيق المجلة الفرنسية، ممن يعتبرن في أعين المعجبين «غزالات»؟ لن أذكر الأسماء كلها بل أشهرها. ومنهن بطلة مسلسل «سكس أند ذا سيتي» الممثلة سارة جسيكا باركر. وتقول كاتبة التحقيق أن سارة هي من أبشع النساء على الشاشة. وجهها طويل وأنفها أعوج وعيناها صغيرتان. لكن الثياب الجميلة التي ترتديها في المسلسل غطت على عيوبها وجعلت منها جميلة. وأنا أضيف أن روحها اللطيفة هي بيضة القبان.
الثانية في قائمة «البشعات الجميلات» ليدي جاجا، المغنية التي نالت شهرة عظيمة في السنوات الأخيرة. فالكاتبة تزعم أن هذه النجمة الاستعراضية أمضت نصف حياتها وهي تحاول إخفاء أنفها أثناء تصوير أغنياتها. وهي تتساءل: لماذا لم تقم بتجميل أنفها بعد أن كسبت أموالًا طائلة؟ أما الثالثة فهي باميلا أندرسن. وأنا هنا أتفق مع الكاتبة لأن كل ما في هذه الممثلة مصنوع صناعة فاشلة. والرابعة هي الممثلة ميج رايان، التي اشتهرت بعد دورها في فيلم «عندما يلتقي هاري بسالي». وهي كانت لطيفة في بداياتها لكن الزمن ترك آثاره على وجهها. ثم جاء «الكولاجين» وبدل أن يكحلها عماها.
في القائمة نقرأ أيضاً اسم باريس هيلتون، النجمة سليلة العائلة الثرية. وهنا تقول الكاتبة أن عيني باريس ليستا زرقاوين بل من صنع العدسات اللاصقة الملونة. وكذلك شعرها الذي تصبغه ليصبح ذهبيًا. والدليل صورها في طفولتها ثم صورها بعد شهرتها. ثم تتوالى الأسماء في القائمة: فكتوريا بيكام، روزانا آركيت، ناومي راباس، آن هاثاوي، فانيسا بارادي، باربارا سترايسند، رينيه زيلويجر، فيديريكا بيليجريني، وأخيراً مادونا.
أتذكر، بهذه المناسبة، كيف كانت مريم فخر الدين تشعر بالغيظ من فاتن حمامة لأن الصحافة أطلقت عليها لقب «سيدة الشاشة العربية». إن مريم، بالمقاييس الشائعة، أجمل من فاتن. لكن فاتن في نظري هي الغزالة والفراشة وسرب الحمام كله