لو كانت لنفرتيتي أخت توأم لكانت رقية تراوري شقيقة تلك الملكة الفرعونية الشهيرة. أتفرج على صورة رقية وأتأمل كبرياء ابتسامتها وسحبة عينيها وارتفاع وجنتيها وطول رقبتها فأقول لنفسي: «يخلق من الشبه أربعين». من هي هذه الإفريقية حليقة الرأس ذات القرطين الكبيرين والبشرة المحمصة؟
رقية تراوري هي واحدة من أشهر المطربات في جمهورية مالي، الدولة الواقعة غرب إفريقيا إلى الجنوب من الجزائر. لكن الناس في بلادها لا يتحدثون اليوم عن صوتها الباهر بل عن معركتها الضارية مع زوجها البلجيكي في سبيل حضانة ابنتهما والتي أدت بها إلى السجن.
رأيتها لمرة وحيدة في بداية العام الحالي، قبل هجمة «كورونا». وكان ذلك في مبنى «اليونسكو» في باريس بمناسبة الدورة 17 من فعالية «أسبوع الصوت». إن رقية تراوري هي ضيفة الشرف في الحفل الذي تم نقله على الهواء إلى 80 دولة. وقفت على المسرح مثل آلهة من أبنوس. والأبنوس خشب صلب لامع أسود اللون. وكانت ترتدي ثوبًا مطرزًا عاري الكتفين من الدانتيلا الرصاصية المنسدلة فوق بطانة وردية. وعندما انطلق صوتها بالغناء بلغة غريبة سكت مئات المستمعين في القاعة وكأنهم في حضرة ساحرة.
في اليوم التالي لتلك الحفلة سافرت رقية إلى العاصمة البلجيكية بروكسل لكي تقف أمام قاضي محكمة العائلة في القضية التي تخوضها ضد طليقها للفوز بحضانة ابنتهما البالغة من العمر خمس سنوات. وكانت المحكمة قد حكمت للوالدة، في البداية، بحقها في الحضانة مع السماح للبنت بقضاء الإجازات مع والدها. لكن عاد القاضي البلجيكي، في العام الماضي، وسحب منها ذلك الحق. وكانت الحجة هي اعتبار بلجيكا المسكن الرئيسي للطفلة وليس العاصمة المالية باماكو، حيث تقيم الأم. وعند هذه النقطة تحول الخلاف بين الطليقين إلى حرب معلنة يحتشد لها أعتى المحامين من الطرفين.
طعنت رقية تراوري في قرار المحكمة وقدمت للقاضي الوثائق والشهادات المدرسية التي تثبت أن طفلتها تقيم منذ سنوات معها في مالي. لكن القاضي رفض طلبها فما كان منها إلا الامتناع عن تسليم البنت للأب. وهنا تحرك هذا الأخير وأقام عليها دعوى قضائية بتهمة اختطاف طفلتها، وصدرت في حقها مذكرة توقيف دولية. وفي العاشر من آذار/ مارس الماضي تم احتجازها بينما كانت تسافر من مطار شارل ديجول الفرنسي واقتيدت إلى السجن.
جاءت «كورونا» فاضطرت السلطات الفرنسية للإفراج عن المغنية الإفريقية. لكن قضية الحضانة لم تنته. وهي اليوم ترفع صوتها، لا للغناء، بل للمطالبة بحق طبيعي طالما أن ابنتها ما زالت في طور الطفولة وتحتاج إليها. وها هو الموضوع يتحول إلى قضية رأي عام، وها هي رقية تراوري تواجه وسائل الإعلام الفرنسية لتندد بالذل الذي لقيته في السجن وبالقيود التي وضعوها في معصميها بدون ذنب سوى الأمومة. وطبعاً تداخلت القضية مع الموجة العالمية للاحتجاج على المعاملة المهينة التي يلقاها الأفارقة السود من رجال الشرطة البيض. والحرب البلجيكية المالية لم تنته بعد.