24 يوليو 2023

من هي كاميليا جوردانا.. الحنجرة الجنوبية التي سحرت فرنسا واختارتها "جيفنشي" سفيرة لعطورها؟

كاتبة صحافية

من هي كاميليا جوردانا.. الحنجرة الجنوبية التي سحرت فرنسا واختارتها

هي مغنية في الأساس، لكنها تفوقت في التمثيل حيث نالت جائزة «سيزار» السينمائية الفرنسية كأفضل ممثلة واعدة. وهي اليوم تجمع المجد من طرفيه، لاسيما بعد أن اختارتها دار «جيفنشي» العريقة سفيرة للترويج لعطورها في العالم.. من هي كاميليا جوردانا الفنانة ذات الحنجرة الذهبية التي قفزت سلم النجاح بسرعة تحسد عليها؟

من هي كاميليا جوردانا.. الحنجرة الجنوبية التي سحرت فرنسا واختارتها

في سن الثلاثين تبدو كاميليا جوردانا راضية عما بلغته وقانعة بالمعجبين الذين يترقبون أسطواناتها ترقب الجائع للرغيف. صعدت إلى باريس من ميناء تولون، في أقصى الجنوب الفرنسي. كانت صبية تنتمي لأوساط المهاجرين المستورين. لكنها فرضت حنجرتها القوية على المستمعين من عشاق النبرات المختلفة. كيف لي أن أصف صوتها لقراء وقارئات «كل الأسرة»؟ حتى النقاد وجدوا أنفسهم في حيرة إزاء كاميليا جوردانا. إنهم لا يعرفون في أي خانة يصنفونها.

يمكن القول إنها تقدم في أسطواناتها موسيقى تشبه المجتمع الفرنسي الذي بات خليطاً من ثقافات وأعراق وأمزجة مختلفة، فأغنياتها مزيج من الموسيقى العربية والإفريقية، وفي إمكان حنجرتها أن تجمع ما بين التمتمات الصوفية وبين الإيقاعات التي تعبر عن الشباب. ولهذا السبب فإنها تعتبر نفسها فنانة عابرة للحدود والانتماءات. وهي تصف حالتها النفسية الحالية بالخفة والمرح. ولعل سبب فرحها هو أنها باشرت تصوير فيلم في المغرب، وكانت أثناء إقامتها على ضفاف الأطلسي تصغي كل يوم لإيقاعات اللغة العربية والمفردات البربرية التي تعيدها إلى جذورها.

من هي كاميليا جوردانا.. الحنجرة الجنوبية التي سحرت فرنسا واختارتها

كاميليا جوردانا.. حفيدة مهاجر وابنة الموسيقى

كاميليا هي حفيدة عامل وصل إلى فرنسا في خمسينيات القرن الماضي مهاجراً من الجزائر، مع زوجة و9 أطفال، وعمل في الصيد لتربية أبنائه. ولما بدأت حرب التحرير في وطنه الأم كان الجد من أبرز أنصارها في فرنسا. أما أبوها فقد امتلك شركة لنقل الحجارة وكان من هواة الغناء الشعبي الجزائري ويجيد الإنشاد مع زوجته، والدة جوردانا التي كانت مغنية أوبرا. بشكل تلقائي التقطت أذنا البنت التي ولدت في تولون، تلك النغمات منذ طفولتها. إن تولون، الميناء الواقع على الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، جمع أعراقاً عديدة من العمال الأفارقة والآسيويين لأنه يحتضن أكبر ورشة لصناعة السفن الحربية في أوروبا. وكان مقدراً لها أن تشتغل في الخياطة أو الخدمات السياحية. لكن البنت خالفت النصيب المرسوم لمثيلاتها وداومت على تلقي دروس في العزف على البيانو وفي الأداء المسرحي. كان الوسط الذي عاشت فيه ميسوراً إلى حد ما، أتاح لها الخروج من حلقة الفشل الدراسي الذي يترصد أبناء المهاجرين الفقراء.

أنا أقبل نفسي لأن كل علامة تضاف إلى ملامحي تروي قصة أو تجربة مررت بها

عندما تستيقظ كاميليا في الصباح وتنظر لوجهها في المرآة، فإن عينيها لا تطاردان التجاعيد التي يمكن أن تظهر عند جانبي فمها. وتقول في مقابلة صحفية إنها لا تخاف التقدم في العمر ولا تخشى تهدل جلدها، وتضيف «أنا أقبل نفسي لأن كل علامة تضاف إلى ملامحي تروي قصة أو تجربة مررت بها». ثم أن اختيارها سفيرة لدار شهيرة للأزياء والعطور يجدد ثقتها بنفسها. وترى أن هذه الوظيفة تشبه وظيفة الممثلة لأن عليها أن تخضع لتعليمات المدير الفني الذي يقرر نوع ثيابها وزينتها. مع هذا فإنها تجاهد لتبقى شخصيتها بدون تزوير، لأنها رأسمالها.

يقال إن لكل امرأة عطراً يطاردها في الشارع. فإذا كانت المقولة صحيحة فإن زهر البرتقال هو العطر الذي تحب كاميليا أن تلتقي به في كل سفرة لها إلى جنوب فرنسا، مسقط رأسها. إن رائحة البحر المتوسط قادرة على أن تعيدها إلى طفولتها. وهي الرائحة التي اعتادتها سواء في تولون أو طنجة، مروراً بالأندلس. أما أسرار زينتها و«مكياجها» فإن أول ما تنتبه له هو محاولة إخفاء الهالات تحت عينيها، وكذلك رسم شفتيها باللون الأحمر الذي سرعان ما تموهه قبل خروجها من البيت.

بعد سنوات قلائل من آخر أسطوانة لها، عادت كاميليا جوردانا بباقة جديدة من الأغنيات تحمل عنواناً بالإنجليزية هو «لوست»، أي ضائع. والمقصود هو هذا الجيل، جيلها الذي تتقاذفه رياح متصادمة لكنه يبقى متكاتفاً، يحاول التخلص من صبغة سياسية تلصق به عنوة. وهي إذا كانت في مسيرتها السابقة تطمح للتماهي مع صورة الشابة الفرنسية «البيضاء» ذات الشعر الناعم، فإن صورتها على غلاف أسطوانتها الجديدة تسجل عودتها إلى انتمائها الأول، وإلى ملامح الشابات المهاجرات ذوات العيون السود الكحيلة والشعر الأجعد المتمرد على المشط.

رغم أن السينما تبعدها عن الغناء وعن مشروعها الموسيقي الخاص فإنها تستجيب لإغراء الشاشة الكبيرة من وقت لآخر. فقد شاركت في فيلم بعنوان «شكراً» للمخرج بييترو ماليجوري، و«قبل انطفاء اللهب» للمخرج مهدي فكري. كما ظهرت في مسلسل بعنوان «لا يقاوم» من إنتاج «ديزني +». إن هذه الأدوار السينمائية تعني لها الكثير. فجمهور المنصات السينمائية أوسع من جمهور المسرح. وهي تحب أن تكون مشغولة كل الوقت لأن الشغل يحافظ على شعلتها الداخلية فتشعر أنها تلتهم الحياة بفكيها. لكن كاميليا لا تغمض عينيها وتنام على حرير مطمئنة لنجاحاتها، بل تخصص وقتاً لمشاهدة الأفلام الجديدة لكي تتعلم منها وتستمع إلى الأسطوانات الجديدة لتدرب أذنيها على مزيد من الرهافة.

من هي كاميليا جوردانا.. الحنجرة الجنوبية التي سحرت فرنسا واختارتها

«لا نملك سوى الحب»

لا يمكن تحديد المنطقة التي تنطلق منها موهبة هذه الفنانة. فهي قد بدأت بأغنيات تحاكي فيها المطربة الفرنسية الكبيرة باربارا، ومرت على محطات متعددة بحثاً عن طابع خاص بها، وكانت تميل للتمثيل إلى جانب الغناء. وأخيراً استقرت على قرار ألا تستقر. أي أنها ارتضت أن تكون واحدة من أبناء وبنات جيل «ملتبس في انتماءاته الجغرافية والعاطفية والسياسية» حسب قولها. وهي تقول إنها نتاج عالم متحرك ورجراج، لكنه ينحاز إلى التضامن والانفتاح على الآخر. ومن هذه النظرة لدورها في هذا العالم، وقفت كاميليا جوردانا لتغني في ساحة «الأنفاليد» في باريس، مع فنانين من أصول مختلفة، تحية لذكرى ضحايا اعتداءات خريف 2015. وهي قد اختارت أن تستعيد، في تلك المناسبة، أغنية الراحل جاك بريل «حين لا نملك سوى الحب»، مع كل ما تحمله تلك الكلمات من شحنة إنسانية.
كل شيء بدأ في سن السابعة عشرة، يوم تقدمت كاميليا للمشاركة في البرنامج التلفزيوني «نجوم جدد». وبفضل النمط المختلف الذي تؤديه، نجحت في أن تلفت إليها الأنظار وحلت في المركز الثالث بين المتسابقين من أصحاب المواهب الغنائية. وبعد ذلك بسنة أصدرت أسطوانتها الأولى التي حملت اسمها الفني «كاميليا جوردانا» ثم تلتها أسطوانة ثانية، عام 2014، بعنوان «في الجلد». واعتباراً من تلك المرحلة انتقلت للإقامة في بلجيكا، قبل أن تعود لتجعل من العاصمة الفرنسية باريس مقراً لنشاطها الفني. وبفضل مساعدة الملحن لوران باردين، عرفت البنت الموهوبة كيف ترسم ملامح مشروعها الفني وتخطط لانطلاقة ثانية ذات ملامح أكثر وضوحاً. ومن هذه الملامح مزجها في الغناء بين اللغات الفرنسية والعربية والانجليزية، تعبيراً عن هويتها الثقافية المتعددة.

من هي كاميليا جوردانا.. الحنجرة الجنوبية التي سحرت فرنسا واختارتها

رغم انشغالها بالتحضير لأسطوانة جديدة، فإنها تجد الوقت لمناصرة الحركة النسائية. وسبق لها أن قدمت أغنية بعنوان «فتاة مثلي»، وكانت تسعى باستمرار لأن تكون ألحانها عابرة للحدود، لا تخشى المزج بين «الهيب هوب» والموسيقى الإلكترونية أو الأنغام العربية الطربية. تغيب فترة لانشغالات عاطفة أو عائلية ثم تعود لتضع مشروعها قيد الامتحان.

لقد استضافها النجم ميشيل دروكير في حلقة من حلقات برنامجه الشهير على القناة التلفزيونية الثانية، وهذا في حد ذاته جواز مرور إلى عالم الفنانين المتميزين. وبين هذا وذاك واصلت أخذ دروس في اللغة العربية لأن المخرجين يختارونها لأدوار البنت المهاجرة. وبالعربية سمعناها تؤدي حوارات دورها في فيلم «عاصفة» للمخرجة داريا ريمون. ليس هذا فحسب بل هي تتدرب على رقص «الكلاكيت»، أي الإيفاعات بنعال خشبية على الأرض، وقد دخلت دورة للكتابة الإبداعية استعداداً لتأليف رواية عن حياتها.

في حفل عيد ميلادها الثلاثين، في الخريف الماضي، شعرت كاميليا بأنها أسعد امرأة في العالم. فقد ضم الحفل كل الناس الذين تحبهم وساهموا في نجاحها. إن ما يرفعها إلى السماء السابعة ليس كلمة «أحبك» بل «أنت تبدين سعيدة». وهي جملة سمعتها كثيراً في الآونة الأخيرة من الصحافيين الذين يطلبون مقابلتها. كانت حريصة على تلبية كل طلب والاستعداد له بالزي المناسب، أي سروال عريض لزوم الراحة وسترة أنيقة لزوم الشياكة. أما الراحة الحقيقية فهي أن تذهب للنوم في الرابعة صباحاً بعد ليلة شاقة من التصوير في الاستوديو.

وها هو المستقبل يبتسم لكاميليا جوردانا، خصوصاً بعد أن وصفتها الصحافة المحلية بأنها صاحبة واحد من أجمل الأصوات في الأغنية الفرنسية حالياً. ولعل من مزاياها تلك الجرأة في الانحياز السياسي للوسط الذي جاءت منه، وأيضاً ثقتها بحنجرتها القادرة على الهمس والصراخ بذات القوة من التأثير.