25 يوليو 2023

فيلم غزل البنات.. تحية للراحلة جوسلين صعب عبر فيلمها الأول

ناقد ومؤرخ سينمائي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

جوسلين صعب
جوسلين صعب

لم تجد المخرجة اللبنانية الراحلة جوسلين صعب التقدير الكافي من المحيط النقدي والسينمائي بل مرت أفلامها الطويلة التي حققتها بإعجاب كبير من البعض وتغاضي الفريق الأكبر من النقاد. وما لبث فيلمها الروائي الأخير «دنيا»، ذلك الذي حققته سنة 2005 من تفعيل هجوم نقدي حاد عليها من قبل نقاد وإعلاميين لم يثرهم فن الفيلم ولا كفاءة مخرجته وقضيتها بل ما إذا كانت تدخلت في موضوع لا علاقة لها به (ختان المرأة في مصر) أو لا.

«غزل البنات» هو فيلم جوسلين صعب الروائي الطويل الأول لها بعد أفلام تسجيلية وإخبارية قامت بها. في تلك الأفلام أجادت ‫نقل الصورة بكثير من النشاط والحس العفوي بالمكان والموضوع على حد سواء. لبنانية نيرة وشغوفة دوماً بعملها وذكية كذلك في تعاملها الصناعي والاقتصادي مع أفلامها.

تبدأ الأحداث من سنة 1976 وتمتد لفترة زمنية محدودة. بطلة الفيلم، واسمها سمر، فتاة ‫بنت غدها على ما تحبه أن يكون عليه، وهو غير الغد الذي كان بانتظارها. هي في عمر ينكسر بفعل الحرب التي اشتعلت وتحطم الآمال والأحلام. تهرب سمراء من الواقع إلى الخيال ثم من الخيال إلى خيال آخر. تهرب من الحرب القائمة والظروف المعيشية القاتمة ووضعها الذي تمردت عليه إلى فنان لبناني محكوم بدوره بوضع مماثل يحاربه بالعزلة. تسرح بين جدران الدمار في المدينة وتلتقي نماذج أخرى من الناس الذين خسروا حاضرهم تحت عناوين أو مبادئ مختلفة. تلتقي بفتاة أخرى وكلاهما تتبادلان نوعا آخر من الحلم قائم على ترديد حوارات الأفلام العاطفية المصرية. إشارة واقعية لا إلى تأثير السينما المصرية على غير المصريين فقط، بل إلى مزج واضح بين خيال سمراء وخيال تلك الأفلام وكلاهما ليس واقعياً.

«‫غزل البنات» هو عن المجال الضيق الفاصل بين الحب والحرب في بيروت آنذاك. فيه نجحت جوسلين صعب في فتح العين على حالة بطلتها وتصورها بكل ما قد يعجبك فيها وما قد تكرهه، ولو أن الكره هو آخر المطلوب في سلسلة من الرغبات التي في ذات المخرجة.

صورت جوسلين صعب الفيلم (وفي ظروف إنتاجية وأمنية صعبة) على الصورة التي أرادتها. أسلوبها يحمل في طياته قدرة عينها على الملاحظة والإلمام بالتفاصيل وإخراجها يعكس فهماً أكيداً بالتقنيات غير متوفر عند الكثير من أترابها العرب الآخرين. يكفي للتدليل تلك المشاهد الأخيرة التي تدور في صالة سينما تحولت إلى خراب يعيش فيها أحد المحاربين. لاحظ الزوايا والأحجام التي اختارتها للقطات الداخلية. لاحظ ما طلبت من ممثليها (سمراء والمحارب) القيام به من حركة وفي أي موقع وأمام أية خلفية لتتأكد من أن جوسلين صعب ليست فقط صانعة أجواء أولى، بل مهندسة تقنية بارعة.

الفيلم يمكن مشاهدته اليوم كشهادة للزمن وللمكان وللأفراد. ليس أن صعب قدمت نماذج اجتماعية وليس أنها نشدت تقديم واقع ودرس، بل عمدت لتقديم حكاية فتاتين تتحركان بنعومتهما أمام خلفية الحرب الهادرة والخشنة.

في الفيلم مشكلة سيناريو (كتبه الفرنسي جيرار براش) لا يستطيع التحرك بحرية في المسألة اللبنانية لأنه يجهلها، لكنه وفر، على أي حال، وجدانيات شخصياته ولامس ما تعنيه الحرب (أي حرب) من أثر على الناس العاديين. تعوض جوسلين بعض هذا النقص بحسن معالجتها وحسن إدارتها لبطلتها الأولى هالة بسام التي، على الأرجح، لم تظهر في أي فيلم لاحق حتى اليوم.

 

مقالات ذات صلة