أصابتني الدهشة عندما رأيت في التلفزيون الفرنسي إعلاناً عن سباقات الخيل يقدمه عمر الشريف. كان ذلك قبل أكثر من عشرين سنة. وكنت أعرف أنه كسب أموالاً كثيرة من مشاركته في أفلام عالمية شهيرة، وقيامه بأدوار البطولات فيها، لكنه خسر نقوده على موائد القمار.
حزنت وأنا أرى النجم المحبوب الذي وقف أمام شادية، ومريم فخر الدين، ونادية لطفي، وزبيدة ثروت، الممثل الوسيم الذي تزوج فاتن حمامة، يقف أمام كاميرا مخرج إعلانات مع حصان.
أين كرامته كفنان من فناني الصف الأول؟ لم أفهم أن التمثيل مهنة جاحدة. فقد تكون مرغوباً ومطلوباً في شبابك، يتقاتل عليك المنتجون والمخرجون، لكنهم يديرون لك ظهورهم حين تفقد لياقتك، وتظهر عليك علامات الكهولة والشيخوخة. كيف يعيش الممثل إذا لم يجد من يعرض عليه أدواراً؟
أتفرج اليوم على الإعلانات الكثيرة التي تمزّق أوصال مسلسلات رمضان، وتحرمنا متعة متابعة الحكاية. إن الفنانين والفنانات الظاهرين في الإعلانات هم أنفسهم الذين نراهم في المسلسلات. كيف يقوم كريم عبد العزيز بدور حسن الصباح في المسلسل التاريخي «الحشاشين»، ثم ينزع ثياب الدور والجبّة والعمامة لكي يقدم إعلاناً عن منتجع سياحي جديد؟ أيهما نصدّق؟
أرى الممثلة نيللي كريم تؤدي في «فراولة» دور شابة تعمل في شركة لبيع الشقق السكنية الفاخرة، ثم تخرج من المسلسل لتظهر في إعلان تبيع فيه شققاً فاخرة. لا شكّ في أن المتفرج سيصاب بحالة من الخلط والتشويش. هل تحتاج النجمة القديرة إلى تلك الشيزوفرينيا؟
مع الإعلانات وكثرتها، وتنوعها، واعتمادها على الأغاني ذات الألحان الجميلة والمكتوبة جيداً فقدت النجومية قيمتها. فالنجم، في رأيي المتواضع، أو النجمة، هو ذلك الذي نراه بعيداً وسامياً في الفضاء، لا يطلّ على جمهوره إلا في مناسبات منتظرة، وبعد أن يشتاق الجمهور إليه. أما الآن فلا وقت للشوق. النجم متوفر يتدفق مثل الماء كلما فتحت الحنفية.
وليت أنهم يحافظون على مكانتهم بالظهور منفردين في الإعلان الواحد. لقد بلغ من سعيهم لنفخ أرصدتهم أننا صرنا نرى عدة نجوم ونجمات في لقطة إعلانية شاملة. يسرا، وأنغام، وشيرين رضا، ومحمد رمضان، ودينا الشربيني، وأمينة خليل، وأمير كرارة... نزلوا كلهم إلى الساحة مرة واحدة مثل الخيار الذي يباع بالكيلو. واسمحوا لي أن أستخدم هذا التشبيه القاسي لأن العتب على قدر المحبة.
نعم، نحبّكم، ونحبكنّ، ونقدّر عالياً المتعة التي تقدمونها لنا، لكننا نحب أيضاً أن نراكم في السحاب، وأن نشتاق إليكم، وألا يحدث لنا إشباع بصري، وتخمة نفسية، فلا نعود قادرين على تمييز شعبان من رمضان. ارحموا أنفسكم، وارحمونا.