تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في البلدان العربية صور موائد الأكل وعليها ما لذ وطاب من صنوف الطعام، كما انتشرت صور حفلات الطعام التي يعدها القادرون هنا وهناك للتعبير عن حفاوتهم بضيوفهم.
فما موقف الشرع؟
يقول د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق «إطعام الطعام من أفضل الأعمال التي ينبغي أن يتقرب بها الإنسان إلى خالقه، والفضل هنا لا يقتصر على إطعام الطعام للفقراء، فالطعام الذي يقدم للأهل والأصدقاء والجيران وزملاء العمل وعابري الطريق لصاحبه أجر عظيم لو أخلص النية، وكان ذلك لوجه الله سبحانه وتعالى».
لذلك يحث عضو هيئة كبار العلماء الأغنياء ومحدودي الدخل على التسلح بهذه الفضيلة التي تجسد سخاء الأنفس، والكرم في التعامل مع الناس، والرغبة في مودتهم والتواصل معهم.
ويؤكد د. جمعة أن التعامل مع الطعام له آداب، والحرص على هذه الآداب يعد من الفضائل التي يحث عليها ديننا، فالمسلم يحترم نعم الله كلها، ويقدرها حق قدرها، وأهم ما أنعم به علينا أن يسر لنا ما يعيننا على الحياة، وهو الطعام والشراب.
ويضيف «وأول الآداب التي ينبغي على الإنسان أن يحرص عليها في طعامه وشرابه هو عدم الإسراف، أي يأخذ كل إنسان من هذه النعمة بقدر حاجته وليس على قدر طاقته المادية.. فالثري مثلا ليس مسموحا له بالإسراف وإهدار نعم الله بحجة أنه يمتلك المال، لكنه يأكل ما تشتهيه نفسه، ملتزما بحد الاعتدال، والله سبحانه وتعالى هو الذي وضع هذا الضابط الأهم في التعامل مع الطعام والشراب فقال عز وجل: »وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين«.. فالاعتدال مطلوب في كل شيء، خاصة الطعام والشراب».
الطعام ليس وسيلة للتباهي والتفاخر بين الناس
ويشدد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر على ضرورة أن يقدر كل إنسان ما أنعم الله به عليه من نعم، وأن يتعامل معها بالرضا بما قسمه الله، فيرضى بالقليل، ولا يحسد غيره على ما أنعم الله به عليه، فالرضا قيمة كبيرة تحقق للإنسان منافع ومكاسب لا حصر لها.
كما حث الإسلام على جملة من الآداب، كما يقول د. جمعة، من بينها عدم التباهي بالطعام احتراما لنعمه أنعم الخالق بها أولا، واحتراما لمشاعر الفقراء ثانيا، فالطعام ليس وسيلة للتباهي والتفاخر بين الناس.
ويضيف «ليس من أخلاق الإسلام تصوير موائد الطعام وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي من باب التفاخر والرياء، فالطعام وإن كثر وتنوعت أصنافه نعمة نشكر الله عليها ولا نتباهى بها، وإذا كان الهدف من موائد الطعام تقوية أواصر المودة بين الناس، فالمودة تتحقق بالحفاوة والمشاعر الطيبة، وحسن الاستقبال، وليس بكثرة الطعام أو نوعيته».
ليس من المرغوبات الشرعية تصوير موائد الطعام وعرضها على مواقع السوشيال ميديا، لأن ذلك يجرح مشاعر من يقدم لهم الطعام
العالم الأزهري د. محمد الضويني، أستاذ الشريعة الإسلامية والأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر، يؤكد أن إطعام الطعام فضيلة من الفضائل التي حث عليها الإسلام، وهذه الفضيلة يتسلح بها ذوو النفوس السخية شريطة أن تخلوا من الرياء ومن الإسراف، والإنسان يؤجر على إطعام أهل بيته فما بالنا بمن ليس مسؤولا شرعا عن إطعامهم والإنفاق عليهم.
ويضيف «كل سلوك إنساني يضبطه الإسلام بضوابط حتى لا ينحرف عن الهدف منه، فإطعام الطعام يستهدف توثيق المودة والمحبة بين الناس، وعلى كل مسلم أن يتحلى بهذه الفضيلة التي تؤكد كرم نفسه، والكرم سخاء نفس وجودها، وهو كجميع الفضائل الإسلامية وسط بين رذيلتين: البخل والتبذير».
ويشير د. الضويني أن موائد الطعام فضيلة تتجسد في مجتمعاتنا العربية أكثر من أية بيئة أخرى، فالكرم سجية أصيلة عند العرب، وكانت من صفاتهم وخصائهم قبل الإسلام، ولما شع نور الإسلام نماها وأصلها وزكاها وثبتها في نفوس أبناء المسلمين.
ويشير د. الضويني إلى الضوابط الأخلاقية التي رسخها الإسلام لتوجيه الإنسان الباذل للعطاء حتى لا يسيء إلى الإنسان الآخذ، فيقول «أحاط الإسلام سجية تقديم الطعام بضوابط أخلاقية تضاعف من قيمتها وفائدتها ومن هذه الضوابط: أن تجود النفس بالثمين المحبب إليه قال تعالى: «يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم». ويقول تعالى: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون».. وهذا يعني أن يقدم الإنسان أشهى الأطعمة لضيوفه، كل على حسب قدرته، دون تفاخر بذلك ودون منٍ على ضيوفه، سواء أكانوا من الأغنياء أم الفقراء.. وفى كل الأحوال ليس من المرغوبات الشرعية تصوير موائد الطعام وعرضها على مواقع السوشيال ميديا، لأن ذلك يجرح مشاعر من يقدم لهم الطعام، كما أن سلوكيات الإنسان وهو يتناول طعامه قد يشوبها شائبة من الضوابط الشرعية فلا يجوز أن نكشف ذلك للناس».