19 أغسطس 2020

كيف نردع ظاهرة التحرش في بلادنا العربية؟ .. الأزهر يجيب

محرر متعاون

كيف نردع ظاهرة التحرش في بلادنا العربية؟ ..  الأزهر يجيب

كثر الحديث في الأونة الأخيرة عن التحرش الجنسي في المجتمعات العربية، ومع تعدد آراء المختصين وحتى غير المختصين، كان لابد أن نتوجه إلى الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، حيث شددا على ضرورة تفعيل العقوبات المنصوص عليها في قوانين المواجهة، إضافة إلى التوعية  بخطورة التهاون مع المتحرشين ودعم المرأة نفسيا للدفاع عن حقها في حياة آمنة مستقرة نفسيا وأخلاقيا.

وفي كل مرة يرد فيها النقاش حول ظاهرة التحرش، تبرز أسئلة شائعة ومتداولة يتخبط الكثيرون في الإجابة عنها، ومنها:  

  • ما مسؤولية كل من الشاب والفتاة إزاء هذه الظاهرة؟ 
  • هل الفتاة المتحررة في ملابسها تتحمل مسؤولية التحرش بها؟ 
  • هل قوانين وتشريعات مواجهة التحرش في البلاد العربية تحتاج إلى تشديد أكثر لردع المتحرشين؟ 
  • ما مسؤولية المجتمع عامة في المواجهة والردع؟

كل هذه الأسئلة وغيرها  يجيب علماء الأزهر عنها في السطور التالية:

التحرش سلوك عدواني  يستوجب المواجهة الحاسمة 

التحرش سلوك عدواني  يستوجب المواجهة الحاسمة

في البداية يؤكد الأزهر الشريف، من خلال مركزه العالمي للفتوى الإلكترونية، أن التحرش «سلوك عدواني» مناف لكل قيم الدين، والإنسانية والسلام، ويستوجب المواجهة الحاسمة.

وأوضح الأزهر أن الإسلام يسعى بمنظومته التشريعية والقيمية لإقامة مجتمع فاضل، تسوده قيم العفة والطهارة، وتظله الأخلاق الفاضلة.. مجتمع يتجنب الموبقات الأخلاقية، والسلوكيات الخاطئة التي تضر بالفرد والمجتمع على السواء. 

ويضيف «من أجل القيم التي دعا إليها الإسلام، وحث عليها النبي عليه الصلاة والسلام، قيمة «احترام الإنسان لأخيه الإنسان، وحرمة الإساءة إليه بقول أو فعل»؛ فلكل إنسان حرمة يجب ألا يتعداها أحد؛ بل وجعل حفظ عرضه ضمن أصول 5 جاءت شريعته الغراء لصيانتها وحمايتها، وجعلت عقوبة منتهكيه قاسية، ولو كان التعدي عليه بكلمة كاذبة.. وهنا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه..» ويقول أيضا: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده».

ويصف مركز الأزهر العالمي للفتوى التحرش الجنسي بـ «الجرح الاجتماعي والإنساني الكبير» الذي ينافي ما شرعه الإسلام في منظوماته التشريعية والقيمية والإنسانية، ويستوجب العقاب الرداع.. ويقول «هذا السعار المحموم المذموم الذي بات ينتشر في كثير من المجتمعات الواقعية والإلكترونية، ويبعث الألم في النفوس ويبث الحزن في القلوب، والذي يبدأ من النظرات الجريئة، مرورا بالتعبيرات التي تحمل النوايا الجنسية الخبيثة غير الطيبة، وكلمات المعاكسات في الشوارع والهواتف، وانتهاء بالإشارات بل والأفعال غير المرغوب فيها».

9 توصيات للحد من هذه الظاهرة البغيضة 

التحرش - 9 توصيات للحد من هذه الظاهرة البغيضة

ويقدم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية 9 توصيات للحد من هذه الظاهرة البغيضة، وهي:

  • تدعيم الفتيات حين المطالبة بحقهن، والقصاص من المتحرش المعتدي عليهن؛ لا النيل منهن أو الاستخفاف بآلامهن وآلام أسرهن.
  • إيجابية الفرد تجاه ما يحدث في مجتمعه؛ فالسلبية تجاه المتحرش ممقوتة، والواجب منعه وتسليمه للشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية ضده.
  • تفعيل قوانين ردع المتحرشين، والداعين لجريمة التحرش بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تزيينها في أعين الشباب بالسلوك أو القول أو العمل؛ سواء أكان ذلك في الواقع الحقيقي، أو الإلكتروني الافتراضي.
  • ضرورة تكاتف المؤسسات والمصالح والوزارات والمنظمات لأداء دور توعوي متكامل، كل في نطاقه، يحذر من أضرار هذه الظاهرة وأخطارها، ويحد منها ويجابهها، ويواجه أسباب وجودها.
  • ضرورة قيام الأسرة بدورها التربوي، وتنشئة أبنائها على العفة والمروءة، ومتابعتهم وملاحظة سلوكهم وتصرفاتهم.
  • تقوية الوازع الديني لدى النشء، وتعريفهم تعاليم الإسلام وأخلاقه، وصفات الحق عز وجل؛ حتى يراقبوه في تصرفاتهم كلها، ومسؤولية هذا الدور مشتركة بين الأسرة والمسجد والمدرسة والإعلام.
  • تعظيم قيم احترام إنسانية الناس وآدميتهم، وغض البصر، والمروءة، والشهامة، والعفاف في نفوس الصغار، والكبار.
  • حتمية قيام الإعلام بممارسة دوره التوعوي والتربوي، وتبيين خطر هذه الظاهرة على المجتمع؛ فهي قضية مجتمعية تمس كل البيوت والأسر.
  • التعاون على صناعة وعي مجتمعي يدعو إلى كريم الأخلاق، ويصحح المفاهيم؛ حتى يعلم الأولاد أن التحرش لا يدل على رجولة أو شجاعة، وإنما يدل على انعدام المروءة، وانحراف السلوك، وانهيار الأخلاق. 

الإسلام وضع حدوداً للتعامل بين الذكر والأنثى في الطريق العام، ولا يجوز لأي شاب أن يقتحم خصوصية فتاة

د.نصر فريد واصل

د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، مفتي مصر الأسبق، يؤكد أن التجاوزات الأخلاقية في التعامل بين الشباب من الجنسين وظهور وتنامي ظاهرة التحرش في بعض مجتمعاتنا العربية يرجع إلى «غياب الآداب الإسلامية عن حياتنا اليومية»، ويقول «الإسلام وضع حدوداً للتعامل بين الذكر والأنثى في الطريق العام، ولا يجوز لأي شاب أن يقتحم خصوصية فتاة، ويتعرض لها بقول أو بفعل يجرح حياءها، حتى ولو كان بشكل غير مباشر».

ويتفق د. محمد نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، مع د. واصل على أن ما نواجهه من إسفاف سلوكي في بعض مجتمعاتنا العربية، خاصة من جانب الشباب، هو نتيجة طبيعية لتراجع منظومة القيم والآداب والأخلاق الإسلامية التي تربينا عليها وتمثل حائط صد لحماية مجتمعاتنا من الإسفاف السلوكي الذي نعانيه الآن.

هذه المشكلة الأخلاقية تأتي، كما يقول عالم الاجتماع الأزهري، بسبب غياب منظومة القيم والآداب الإسلامية، حيث يرتقي الإسلام بالسلوك العام في المجتمع الإنساني، ويلزم الإنسان بكل ما هو راق ومتحضر من السلوك، سواء أكان في كل طريق يمشي عليه، أو مكان عمل أو دراسة أو تسوق أو متنزه يحل به، ففي الطرق والأماكن العامة لا إسفاف ولا بلطجة سلوكية، ولا جرح لمشاعر أحد، ولا إهدار لحقوق عابري الطريق، ورواد الأماكن العامة.. فالإسلام حدد الآداب والأخلاق الراقية التي يجب أن يتحلى بها الإنسان في الأماكن العامة، ووضع آدابا عامة في كل مكان يحل به الإنسان، لا يجوز التفريط فيها أو الخروج عليها، وهذه الآداب وتلك الأخلاق تفرض على الإنسان كل صور الرقى والانضباط السلوكي والأخلاقي، حتى يكون صورة مشرفة لدينه الذي جاءت تعاليمه وآدابه قمة في أدب السلوك.