04 فبراير 2021

موقف الشرع من المرأة التي ترغب في الطلاق من زوج لا تريده

محرر متعاون

موقف الشرع من المرأة التي ترغب في الطلاق من زوج لا تريده

صدم المجتمع المصري منذ أسابيع بجريمة نكراء شهدها الكثيرون في مسرح الجريمة أو من خلال فيديو لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تربص زوج يبلغ من العمر 62 عاماً بزوجته أمام المدرسة التي تعمل بها، وبمجرد رؤيتها طاردها وأخذ يطعنها في ظهرها بسكين حتى سقطت غارقة في دمائها، ووقف إلى جوار جثتها يدخن سيجارة حتى جاءت الشرطة وسلم لها نفسه، واعترف بجريمته!!

برر القاتل جريمته بطلب زوجته الطلاق، ولما رفض رفعت قضية للطلاق «خلعاً» الأمر الذي أغضبه ودفعه للتخلص منها.

والواقع أن هذه الظاهرة تتكرر كثيراً حيث يشعر بعض الرجال بالحرج لطلب زوجاتهم الطلاق «خلعاً» مما يدفعهم إلى الانتقام من الزوجة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول موقف الشرع من المرأة التي ترغب في الطلاق من زوجها بينما يصر هو على استمرار العلاقة الزوجية.

ذهبنا إلى عدد من كبار علماء الإسلام لمعرفة ردود أفعالهم تجاه هذه الجريمة المؤسفة:

موقف الشرع من المرأة التي ترغب في الطلاق من زوج لا تريده

العنف ضد النساء الذي يتنامى في عالمنا العربي يمثل مخالفة صارخة لتعاليم وآداب الإسلام

في البداية يدين العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، قتل الزوج لزوجته، ويؤكد أنه لا شيء يبرر جريمة القتل على الإطلاق، وعندما تسيء الزوجة لزوجها فليس أمامه إلا إصلاح نشوزها بالطرق الشرعية، وهى طرق متدرجة لا تحمل عنفاً ولا قهراً، ولا تفرض على الزوجة حياة لا تريدها، وعندما تطلب المرأة الطلاق من زوجها، ويريد هو الإبقاء عليها، فهو مطالب شرعاً بالقضاء على أسباب نفورها منه، فإن تراجعت عن مطلبها فبها ونعمت، وإن أصرت على الطلاق، فالعقل والمنطق وتعاليم الدين وتوجيهاته مع تلبية مطلبها، فلا إكراه في العلاقة الزوجية، ولا يمكن أن تستقر علاقة بين زوجين أحدهما لا يريد الآخر.

ويؤكد د. هاشم أن العلاقة الزوجية لا يمكن أن تستمر وتؤتي ثمارها المرجوة إلا إذا كان هناك تفاهم ووئام بين الزوجين، فالله سبحانه وتعالى رسم للعلاقة الزوجية طريقاً لا يجوز أن نحيد عنه، هذا الطريق يوضحه قول الحق سبحانه:«ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، وقد أمر الله سبحانه وتعالى كل الرجال بمعاشرة نسائهم بالمعروف حيث قال جل شأنه: «وعاشروهن بالمعروف»، وكان من آخر وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاثة أمور حيث قال صلى الله عليه وسلم: «الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله».

لذلك يؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن العنف ضد النساء بكل أشكاله ودرجاته والذي يتنامى في عالمنا العربي يمثل مخالفة صارخة لتعاليم وتوجيهات وآداب الإسلام الذي أحاط المرأة بسياج من الحماية والتكريم، وألزم جميع الرجال المتعاملين معها باحترام شخصيتها، والوفاء بحقوقها.

موقف الشرع من المرأة التي ترغب في الطلاق من زوج لا تريده

الإسلام يفرض على كل زوج تبدي زوجته كراهية للعيش معه أن يطلقها

المفكر الإسلامي د. محمد عبدالغني شامة، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، يؤكد أن العنف ضد المرأة يكشف عن ضعف الوازع الديني، والجهل الفاضح بأحكام الشريعة الإسلامية، ويقول «تدني مستوى الثقافة الشرعية عند بعض الأزواج يدفعهم إلى ارتكاب العنف ضد زوجاتهم خاصة عند طلب الطلاق».

ويضيف «الإسلام من خلال تعاليمه وآدابه وتوجيهاته يحرص حرصاً شديداً على استقرار الحياة الزوجية حيث نجد في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ما يدعو الزوجين إلى العمل على استمرار حياتهما على نحو يكون فيه سعادتهما، لأن عقد الزواج في نظر الإسلام عقد دوام وتأبيد إلى أن تنتهي حياة الزوجين، الأمر الذي يفرض على الزوجين أن يبذلا ما في وسعهما ليجعلا من البيت مهداً يأويان إليه، فيجدان فيه الراحة، وينعمان في ظلاله بالهدوء والسكينة، ليتمكنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة. لذلك كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات وأوثقها، فالله سبحانه وتعالى سمى العهد الذي بين الزوجين بالميثاق الغليظ فقال «وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً» وما دامت العلاقة بين الزوجين على هذا النحو فينبغي أن تقوم على أساس التعاطف والود والرحمة، وأن يتجنب كل طرف من طرفي العلاقة الزوجية ما يؤدي إلى التأثير سلباً على هذه العلاقة، أو يفسد هذه الصلة أو يضعفها.

لكن يؤكد د. شامة أن حرص الإسلام على استمرار واستقرار الحياة الزوجية، لا يعني أن تفرض على المرأة حياة شاقة في كنف زوج لا يقدرها ولا يفي بحقوقها، وعند التأكد من استحالة استمرار العلاقة بين الزوجين، يكون الطلاق هو الحل، فالطلاق شرع في الإسلام لعلاج ظروف طرأت على الحياة الزوجية تجعل استمرارها في ظل هذه الظروف المستجدة في حكم المستحيل، أو تضفي عليها نوعاً من اليأس والقنوط في حياتهما المشتركة.

لذلك فإن الإسلام يفرض على كل زوج تبدي زوجته كراهية للعيش معه أن يطلقها، فالدين والخلق والكرامة تفرض عليه أن يفعل ذلك.. لكن لو رفض الزوج تطليق زوجته الكارهة له أصبح من حقها طلب الطلاق خلعاً، فالخلع شرع لمثل هذه الظروف.

انتقام الأزواج من زوجاتهم اللائي طلبن الطلاق عن طريق الخلع، يبرهن على قصور عقول هؤلاء وحماقتهم وجهلهم بالتشريعات الإسلامية

د. آمنة نصير، أستاذة الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، تؤكد ضرورة الافتراق بين الزوجين في حالة كراهية الزوجة لزوجها، وتشدد على أن يتم ذلك عن طريق الطلاق دون إهانة طرف من الطرفين للآخر.

وتضيف «الإسلام يفرض على كل من الزوجين أن يتعامل مع شريك حياته بكل احترام وتقدير، ولو كان هناك خلاف ونفور الآن فقد كان بين الزوجين من قبل مودة ورحمة، وعلى كل طرف أن يحترم مشاعر الطرف الآخر فلا يجرحه بكلمات قاسية أو أوصاف لا تليق، أو الكشف عن أسراره.

وترى الأستاذة الأزهرية أن انتقام الأزواج من زوجاتهم اللائي طلبن الطلاق عن طريق الخلع، يبرهن على قصور عقول هؤلاء وحماقتهم وجهلهم بالتشريعات الإسلامية، فالمرأة ليست جارية في بيت زوجها يتم الاستعانة بها أو التخلص منها عندما يرغب الزوج.. المرأة مخلوق له إرادة كاملة ولها مشاعر تسيطر عليها وتوجهها، ولذلك ليس من الحكمة إرغام امرأة على العيش مع رجل لا تريده».

وترى د. أمنة أن هناك آداباً وأخلاقيات حددتها الشريعة الإسلامية بالنسبة للزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها عن طريق الخلع وأبرزها:

  • ألا تطلب الخلع إلا إذا يئست يأساً تاماً من قدرتها على مواصلة الحياة الزوجية مع زوجها.
  • أن ترد لزوجها ما سبق أن دفعه لها من مهر ومن أمور أخرى خارجة عن حقوق الزوجية.
  • أن يتم الخلع بالطريقة التي يتوفر فيها الإيجاب والقبول والتراضي بين الطرفين، بحيث لا يسيء أحد الزوجين للآخر بأي لون من ألوان الإساءة.

وفى هذه الحالة ينبغي أن يتم التفريق بينهما بالحسنى، ودون رغبة في الانتقام، ولن تحدث المصائب التي نسمع ونقرأ عنها الآن بين رجال ونساء كانت بينهم في يوم من الأيام مودة ورحمة.