علمنا رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه كل الآداب الفاضلة، والأخلاقيات الراقية، والسلوك المتحضر الذي يرقى بكل عباداتنا، ويقربنا من خالقنا عز وجل في كل وقت، وخاصة في الأيام المباركة التي فضلها الله على باقي أيام السنة وفي مقدمتها أيام وليالي شهر رمضان الفضيل
فما الذي أرشدنا إليه وغرسه صلى الله عليه وسلم في نفوسنا ونحن نؤدي عبادة الصوم؟ وما الذي أوصانا به لكي تتحقق لنا الطمأنينة والرضا ونحظى بعفو الخالق ورحمته سبحانه ونجني ثمار الصوم المقبول؟ وما هي الآداب التي تضاعف من أجر وثواب الصوم والتي ينبغي أن يتحلى بها المسلم وهو يؤدي هذه الفريضة؟
هذه التساؤلات وغيرها توجهنا بها إلى عالم أزهري كبير يتصدر قائمة علماء السنة النبوية في العالم الإسلامي، وهو الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، الذي أفاض معنا في الحديث عن فضائل الشهر الكريم وحدد لنا الوصايا السبع للفوز بالصوم المقبول:
الوصية الأولى :الإخلاص في العبادة
يقول الدكتور أحمد عمر هاشم« كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يستعد لاستقبال هذا الشهر الفضيل قبل قدومه بأسابيع، فقد كان يصوم أياماً من كل شهر، ثم يصوم معظم شهر شعبان، حيث كان يصوم أكثره.
وقبيل قدوم أيام الشهر الفضيل يذكرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضائل رمضان، فهو أفضل شهور العام على الإطلاق، وهو الشهر الكريم الذي أنزل الله فيه القرآن الكريم، كما أنه شهر المغفرة والرحمة، وفيه ليلة خير من ألف شهر، وهي ليلة القدر التي لا تأتي إلا في رمضان من كل عام، ورمضان له خاصية ليست لغيره، فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار». ويقول الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: «يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، من قرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزداد رزق المؤمن فيه، من فطر صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء».
الإخلاص في عبادة الصوم هو الذي يقود الإنسان إلى جني ثمار الصوم
ويضيف العالم الأزهري «ومن الخطبة النبوية السابقة يوجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أول وصاياه في رمضان وهي «الإخلاص في العبادة» فالصوم سر بين العبد وربه لا يفيد فيه الرياء، ولا يمكن أن يتظاهر الإنسان بالصوم لأنه يختلي بنفسه كثيراً، ويستطيع أن يأكل ويشرب دون أن يراه أحد سوى خالقه، والإخلاص في عبادة الصوم هو الذي يقود الإنسان إلى جني ثمار الصوم وهي التي أشار إليها الحق سبحانه بقوله «لعلكم تتقون» فالصوم بإخلاص يقود صاحبه إلى تقوي الله وهي أعظم ثمار العبادة والطاعة».
الوصية الثانية: تهذيب السلوك
وينبهنا د. هاشم إلى الوصية النبوية الثانية بعد الإخلاص في العبادة في رمضان سواء أكانت هذه العبادة صلاة أو صوم أو زكاة أو تدارس القرآن فهو أيضا عبادة فيقول «كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة للمسلمين في كل سلوك راق، فالصوم عبادة تهذب سلوك الإنسان، والصائم الحق لا يعتدي، ولا يظلم، ولا يشتم، ولا يسب، ولا يشهد شهادة زور، ولا ينفعل ويشتد به الغضب.. يقول صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، فالمسلم مطالب في كل شهور العام، وفي شهر الصيام بصفة خاصة، أن يبتعد عن قول الزور، ويتجنب النفاق والخداع والكذب والغش، وأن يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة له في كل حركاته وسكناته، وأن يتحلى بالفضائل ومكارم الأخلاق، ومن توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً ما قاله في حديثه الشريف: «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم»، فهذه هي موجبات سماحة الإسلام، وسماحة شهر رمضان بصفة خاصة».
الوصية الثالثة: الإكثار من عمل الخير
يؤكد د. هاشم «رمضان شهر جود وعطاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في شهر الصيام.. والجود أعم من الصدقة ولذلك فإن الوصية النبوية الثالثة للمسلمين في رمضان هي «الإكثار من عمل الخير» فرمضان شهر جواد وعطاء والله سبحانه وتعالى يجزل العطاء للمتصدقين الذين يجودون بما أنعم الله به عليهم من أصحاب الحاجات.. وما أجمل التنافس والسباق بين المسلمين في ميادين الخير والعطاء في شهر الجود والكرم».
جمعية الشارقة الخيرية
الوصية الرابعة: قراءة القرآن الكريم وتدارسه
أما الوصية النبوية الرابعة كما يشير د. هاشم فهي قراءة القرآن الكريم وتدارسه فهو من أعظم العبادات، فرمضان شهر القرآن، وتدارس القرآن بمعنى التعرف إلى معانيه ومقاصده الحقيقية يساعد المسلم على أن يعيش حياة آمنة مستقرة.
الوصية الخامسة : التوجه إلى الله بالدعاء الصادق والاستغفار الحق
يقول د. هاشم « حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعاء في كل وقت، فالدعاء في حد ذاته عبادة، والدعاء الصادق هو ما صاحبته نية صادقة، يؤمن صاحبه بأن الله هو المعين المغيث لعباده، والصائم الحق هو الذي يؤدي كل عباداته في رمضان من صلاة وصوم وزكاة ودعاء بنية صادقة: لبيك عبدي لبيك، لذلك بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن دعوة الصائم الصادق المخلص في صومه مقبولة فقال في الحديث الصحيح: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم».
وهذا التوجيه النبوي الكريم يحمل الوصية الخامسة للمسلمين في رمضان وهي ضرورة التوجه إلى الله بالدعاء الصادق والاستغفار الحق، فالإنسان مهما فعل من طاعات فكل أموره متعلقة بعفو الله ورحمته، ولذلك علينا أن نكثر من الدعاء طوال ساعات الصوم، وأن نكثر من الدعاء طول ساعات الليل، فما أعظم التعبد في ليالي رمضان».
الوصية السادسة: الصبر وضبط نفس
يؤكد د. هاشم «رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى والأسوة الحسنة لنا في كل وقت، فكل ما صدر عنه من توجيهات وسلوك قويم ينبغي أن نقتدي به ونتعلم منه، وقد ضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الصبر والجود والالتزام الأخلاقي في رمضان، وكل سلوكياته وتوجيهاته تقدم لنا صورة أخلاقية رائعة خلال هذا الشهر الكريم».
ويشرح« لذلك، ينبغي على المسلمين أن يتخذوا رسولهم العظيم القدوة والمثل في السلوك الأخلاقي الراقي في رمضان، حيث كان مثالا في العبادات والطاعات، وكان يحث المسلمين كافة بأن يتخلقوا بأخلاق القرآن، وكانت سلوكياته متناسقة مع الحكمة من صيام رمضان، لذلك نبتعد عن الخصام والشقاق وقطع صلة الأرحام، ونلزم أنفسنا الطريق المستقيم الذي ينتهي إلى إرضاء الله عز وجل، وكل من يفعل ذلك طائعاً مختاراً يكون جزاؤه عند الله تعالى قبول صيامه، والحصول على ثوابه، فقد تعلمنا من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كيف نوجه سلوكنا كله في رمضان وفي غير رمضان إلى فعل الخير والبعد عن الشر وتعلمنا منه صلى الله عليه وسلم أيضاً أن فريضة الصوم لها أهدافها العظيمة في حياة المسلم، وواجبنا أن ندرك الحكم والأسرار التي فرضت من أجلها هذه الفريضة، فالصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، وحرمان النفس من شهوتي البطن والفرج، فالله سبحانه وتعالى لا يستمتع بتعذيب عباده».
الوصية السابعة: تعجيل الفطر وتأخير السحور
يقول د.هاشم «تتعلق الوصية السابعة بأول دروس التيسير والرحمة في شريعة الإسلام التي علمها رسول الله صلى عليه وسلم للصائمين وهي تعجيل الفطر وتأخير السحور لما في ذلك من رحمة بالإنسان ومراعاة لحاجاته وصحة لبدنه فقال: «ما تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور».وقال العلماء إن معنى البركة هنا أن السحور يقوي الصائم على مواصلة الصوم إلى الليل وينشطه ويمد الجسم بالطاقة الحرارية اللازمة لحيويته.
ومن مظاهر التيسير والرحمة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل المسلمين عملياً في رمضان أنه لا صوم على أصحاب الأعذار، فالعبادات لم تشرع لتعذيب الناس والإسلام دين يقوم على السماحة والرحمة ورفع الحرج».
ويوضح «في مقدمة أصحاب الأعذار المرضى الذين يرجى شفاؤهم من أمراضهم لكنهم يخافون زيادة أمراضهم أو تدهور أحوالهم الصحية أو تأخر شفائهم فهؤلاء يفطرون ويصومون الأيام التي أفطروها عندما تتحسن أحوالهم الصحية بعد رمضان.. أما المرضى الذين يعانون أمراضاً مزمنة، وأمراضهم مستمرة، فهؤلاء يفطرون ويطعمون الفقراء عوضاً عن صيامهم، ولأن دين الله يسر لا عسر فقد عفا الإسلام المسافر من الصوم أثناء سفره على أن يقضي ما أفطره عندما يقيم ويستقر وذلك دفعاً للمشقة على المسافر.. لكن لو كان السفر مريحاً ورغب المسافر في الصوم طمعاً في الأجر والثواب فرسول الله الحريص على كل ما يفيد الإنسان ويقربه من خالقه أعطاه الفرصة لتحقيق ذلك كما ورد في الحديث الصحيح».
اقرأ أيضًا: د. محمد نبيل غنايم يحذر: التصدق بالمال لا يغنى عن الزكاة المفروضة