علماء الأزهر يحذرون: لا يجوز شرعاً «الثرثرة» عن العلاقة الزوجية بعد الانفصال
لا تزال أسرار بيوت وخلافات أزواج وزوجات متداولة عبر الفضائيات ومواقع البث المباشر والتواصل الاجتماعي.. وفي بعض قصص المشاهير وأسرار بيوتهم ما هو منفر ويجسد قدوة سيئة للآخرين، ومع ذلك لا أحد يتعظ أو يتعقل ويكف عن هذا العبث الذي يرفضه الدين والعقل والتقاليد التي تربينا عليها في عالمنا العربي.
منذ ظهور مطربة عربية شهيرة عبر إحدى الفضائيات لتروي تفاصيل خلافها مع زوجها وتحكي أدق التفاصيل عن هذه العلاقة ومواقع التواصل الاجتماعي في البلاد العربية تشتعل بالمناقشات وردود الأفعال المتباينة ما بين متعاطف مع المطربة لما حدث لها من زوجها، ومستنكر لما كشفت عنه من أسرار بيتها التي ينبغي أن تحافظ عليها حتى ولو اشتد الخلاف بينهما وحدث الانفصال.
لذلك توجهنا إلى نخبة من كبار علماء الإسلام لنتعرف منهم إلى المباح والمحظور في الحديث عنه من خلافات ومشاحنات بين الأزواج والزوجات حال قيام العلاقة الزوجية أو في حالة الانفصال بين الزوجين.. وفما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به:
من يكشف سر بيته آثم شرعاً، ومن حق الزوجة التي يكشف زوجها سر علاقته الشخصية بها أن تطلب الطلاق للضرر
في البداية يؤكد د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق، أن العلاقة بين الزوجين في حال وفاقهما أو اختلافهما لها حرمتها، ولا يجوز البوح بتفاصيلها إلا في أحوال معينة وأمام القاضي أو حكم للإصلاح بينهما، وهذه الحرمة مستمدة من قول الحق سبحانه: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون»، فالزواج علاقة لها حرمتها، وأحاطها الإسلام بالعديد من القيم الأخلاقية بما يجعلها تختلف عن أية علاقة أخرى، وبالتالي فهي ليست علاقة ينتج عنها متعة جسدية أو إنجاب أطفال فحسب، لكنها أسمى من ذلك بكثير، لهذا وصف الله تعالى الزواج بالميثاق الغليظ حين قال: «وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً»، ووصف سبحانه العلاقة بين الأزواج والزوجات فقال: «هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ»، فكما أن اللباس يحمي الإنسان ويستر عوراته، فإن الزواج ستر للإنسان، وكل من الزوجين يجب أن يكون سترا على صاحبه في كل شيء، وخاصة ما يتعلق بأمور الفراش والعلاقة الجسدية بين الزوجين حتى ولو تم الانفصال بينها وذهب كل منهما إلى حال سبيله.
ومن هنا يشدد مفتي مصر الأسبق على أن «الثرثرة» عن العلاقة الزوجية، سواء أكانت للشكوى من أحد الزوجين أو لمجرد الثرثرة، من السلوكيات المرفوضة شرعاً وقد تلقي بصاحبها في نار جهنم لو تضمن إساءة وكذباً ومبالغة وكشف ستر بيوت حث الشرع أن تصان وتحمى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوجهنا إلى ذلك وغيره بقوله الشريف «وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم».
ويؤكد د. واصل أن «الستر فضيلة إسلامية عامة لا ينبغي التخلي عنها في كل أمور الحياة، وهي أوجب فيما يتعلق بالأسرار الزوجية حيث قال صلى الله عليه وسلم «من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»، وفي رواية أخرى «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة».. ومن هنا فإن من يكشف سر بيته آثم شرعاً، ومستحق لعقوبة تعزيرية إذا ما رفع المتضرر أمره للقضاء، ومن حق الزوجة التي يكشف زوجها سر علاقته الشخصية بها أن تطلب الطلاق للضرر».
ما الأحوال التي يجوز للزوجة فيها شرعاً أن تكشف عن أسرار علاقتها بزوجها؟
وعن الأحوال التي يجوز للزوجة فيها شرعاً أن تكشف عن أسرار علاقتها بزوجها، يبين عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر «هناك أحوال يجوز فيها للزوجة أو الزوج أن يكشف بعض أسرار علاقته بزوجته، وما يعتريها من أسباب تؤدي إلى الخلاف والتشاحن أو تنتهى بالطلاق، وهنا لا يكون كشف الأسرار هدفه الفضيحة أو التشهير بشريك الحياة أو كشف ستر الآخر كما يفعل البعض، وإنما يكون لضرورة قصوى، وقد وضع الفقهاء ضوابط صارمة أهمها أن تكون هناك شكوى لأحد الزوجين من إصابة شريك حياته بمرض يخشى معه على حياة صاحبه كالأمراض الوبائية الخطيرة التي تمثل خطراً على حياة شريك الحياة، ويكون كشف السر هنا للحماية من هذه الأمراض وخاصة تلك التي لم يتوصل العلم لعلاج لها ويمكن انتقالها بالعدوى. كما يجوز كشف الأسرار أمام القاضي الذي ينظر الخلاف بين الزوجين خاصة من جانب الزوجة التي تريد الطلاق من زوجها للضرر ويصر هو على الإبقاء عليها رغم وجود هذا الضرر. ويجوز الكشف عن الأسرار الزوجية بقدر أمام الحكم الذي ينظر الخلاف بين الزوجين سواء أكان هذا الحكم شخص أو أكثر. وفيما عدا ذلك يكون إفشاء الأسرار، أياً كانت، نوعاً من الخيانة وهي أشد قبحاً فيما يتصل بأسرار الحياة الزوجية عامة، وليس فيما يتصل بالأمور المتعلقة بالمعاشرة فقط كما قد يظن البعض، حيث قال العلماء بأن كشف ستار بيت الزوجية أمام الآخرين يحمل مخالفة شرعية، فالبيوت تبنى على الستر في كل الأحوال».
نحذر الأزواج والزوجات معاً من الانسياق وراء أهواء ورغبات في التشهير بشريك الحياة، فالعلاقة الزوجية إما تستمر بالمعروف أو يفترق الزوجان بالمعروف
د. صبري عبد الرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يحذر الأزواج والزوجات من الانسياق وراء الرغبة في الانتقام من بعضهما البعض ويقعا في المحظور، أو الاستجابة لأصدقاء السوء والبوح بأسرار العلاقة الزوجية، سواء أكان بين الزوجين وفاق، أو استحكم بينهما الخلاف ووصلت علاقتهما إلى طريق مسدود.
ويضيف «كشف أسرار العلاقة الخاصة بين الزوجين خيانة للأمانة، والأمر هنا لا يقف عند حد العلاقة الشخصية وما فيها من مشاعر حب أو كره، بل كشف أسرار بيت الزوجية وما فيه من مشكلات ومعاناة أمر لا يجوز إلا عند الاحتكام لمن بيده إنهاء العلاقة أو استمرارها. ولذلك نحذر الأزواج والزوجات معاً من الانسياق وراء أهواء ورغبات في التشهير بشريك الحياة، فالعلاقة الزوجية إما تستمر بالمعروف أو يفترق الزوجان بالمعروف ودون تشهير أو لغط أو كشف لما أمر الله بستره».
ولذلك ينصح أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر كل الأزواج والزوجات بالوقوف عند آداب وأخلاقيات الإسلام، وهي آداب وقيم وأخلاقيات راقية تعطى كل ذي حق حقه وتحمي سمعة الجميع، وتحافظ على مكانتهم بين الناس، وتدين كل صور الأذى النفسي الذي قد يلحق بالشخص- رجل كان أو امرأة- أو أسرته، أو البيئة التي يعيش فيها.
أسباب انتشار ظاهرة كشف أسرار البيوت عبر وسائل الإعلام
وترجع الأستاذة الأزهرية د. آمنة نصير انتشار ظاهرة كشف أسرار البيوت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إلى غياب آداب الإسلام عن العلاقة بين الزوجين.. وتوضح «الذين يرتكبون هذا الجرم لا يقدرون شأن العلاقة الزوجية، وما أحاطها به الدين من قيم وأخلاقيات وضوابط. هؤلاء عابثون مستهترون بالعلاقة التي وصفها الخالق سبحانه بـ (الميثاق الغليط) ولذلك من الطبيعي أن تصدر سفاهات من بعض الأشخاص الذين لم يتربوا على تعاليم الدين وآدابه».
المشاهير أياً كانت شهرتهم أو مجالات عملهم يجب أن يكونوا قدوة طيبة لبقية الناس، وليس مثالاً في الإسفاف والخروج على القيم و الأخلاق
لا يجوز للمرأة بعد الطلاق أن تنقل لصديقاتها أو حتى لأسرتها أسرارها الخاصة مع زوجها ولا تخبرهم بشيء عما كانت تعرفه عن أحواله المادية وما يمتلكه وما يتكسبه من عمله
وتشدد د. آمنة نصير على أن العلاقة بين الزوجين يجب أن تظل في إطار الاحترام المتبادل سواء كان الزوجان على وفاق أو خلاف، وسواء أكانت العلاقة الزوجية قائمة أو انتهت بالانفصال بين الطرفين.. وتقول «من السلوكيات القبيحة أن تخرج زوجة لتشهر بزوجها بعد وقوع الطلاق، أو يخرج زوج ليرتكب نفس الحماقة مع زوجته، وهذا من سوء الأدب».
وهنا تشدد د. آمنة نصير على ضرورة تربية أولادنا على أن أسرار العلاقة الزوجية أمر له قدسيته، وينبغي على كل من الزوجين أن يحفظ سر الآخر خصوصاً أمور الفراش. فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا صراحة حين سألته امرأة قائلة: يا رسول الله إن المرأة تحكي لصديقاتها ما يحدث مع زوجها، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام «إن الذي فعل ذلك مثله مثل شيطان أتى شيطانة على قارعة الطريقة والناس ينظرون إليه».
كما تحذر د. آمنة نصير الرجال والنساء من تضييع وقت فراغهم بالخوض في أحاديث محرمة مع أشخاص آخرين من خلال شبكة الإنترنت والتطرق للحديث عن أمورهم الجنسية مع أزواجهم أو زوجاتهم السابقين «لا يجوز للمرأة بعد الطلاق أن تنقل لصديقاتها أو حتى لأسرتها أسرارها الخاصة مع زوجها ولا تخبرهم بشيء عما كانت تعرفه عن أحواله المادية وما يمتلكه وما يتكسبه من عمله، وإذا كان زوجها مريضاً بمرض معين لا يجوز لها أن تتحدث عنه لأحد ولا حتى تتذكره بينها وبين نفسها لأن زوجها السابق أصبح أجنبياً عنها».