13 سبتمبر 2023

الإسلام دين عمل وأمل لا يعرف التواكل والسلبية

محرر متعاون

الإسلام دين عمل وأمل لا يعرف التواكل والسلبية

بعض الناس، متدينون وغير متدينين، يرضون دائماً بالواقع، ويعتقدون أن هذا هو قدرهم، ولا يسعون للارتقاء بحياتهم، أو تحسين أرزاقهم، أو تغيير واقعهم.. فهل الإسلام يقر هذا الاعتقاد وذلك السلوك؟

رجعنا لعدد من كبار علماء الأزهر الشريف لنتعرف منهم إلى ما ينبغي أن يفعله الإنسان.. هل يرضى بالواقع ويقنع به ويستسلم له؟.. أم يسعى لتغييره انطلاقاً من مفاهيم دينية صحيحة؟

الإسلام دين عمل وأمل لا يعرف التواكل والسلبية

الأخذ بالأسباب عبادة واجبة

في البداية، يؤكد د.نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن واجب المسلم في كل الظروف والأحوال أن يأخذ بالأسباب، ولا يرتكن للواقع، ويقول «الأخذ بالأسباب في منظور ديننا الإسلامي عبادة واجبة، وسنة كونية، وشريعة ربانية، يجب الأخذ بها، مع ضرورة اليقين في دعم الخالق سبحانه لكل إنسان يسعى ويكافح ويجتهد لتغيير واقعه والارتقاء للأفضل».

ويضيف «الله عز وجل يقول: «من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون».. فالإيمان وحده لا يكفي الإنسان ليحقق أحلامه وطموحاته، ولكن لابد أن يصاحب هذا الإيمان (العمل الصالح) وهو يشمل كل عمل مفيد للإنسان في دنياه وآخرته».

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء كان مثلاً أعلى في الأخذ بالأسباب، خطط للهجرة واستعان بأهل الخبرة ودبر الأمور بدقة، رغم يقينه أن الله تعالى لن يخذله

ويشدد د. عياد على أن الإسلام دين توكل لا تواكل، ودين عمل وأمل، وليس دين كسل وتراخ واستسلام، مشيراً «أنبياء الله، والصالحون أكدوا لنا ضرورة الإيمان بالسعي الجاد لتحسين الأحوال، والتخلص من المشكلات والأزمات، فهذا السعي عبادة واجبة التزموا بها، رغم أن الأنبياء مؤيدون من السماء، ورغم أن الله وعد الأولياء والصالحين بأنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فهذا نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام يأمره ربه أن يصنع سفينة ليحمل فيها من كل زوجين اثنين، ويحمل فيها من آمن معه، فيستجيب لهذا الأمر ويصنعها، قال تعالى: «فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون».

ويوضح الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء كان مثلاً أعلى في الأخذ بالأسباب، فقد خطط للهجرة تخطيطاً دقيقاً، وأخذ بالحيطة، واستعان بأهل الخبرة، ودبر الأمور بدقة، رغم يقينه أن الله تعالى لن يخذله، وأنه يؤيده وينصره، وفي هذا كله درس لنا بوجوب الأخذ بالأسباب، وهو صلى الله عليه وسلم القائل: «لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً» فالطير تغدو وتروح، أي: تذهب أول النهار وترجع آخره. فلا بد لنا من العمل والأخذ بالأسباب لنرقى بحياتنا، ونحقق آمالنا وطموحاتنا، ونتجاوز مشكلاتنا وما يعترض حياتنا من عقبات.

الإسلام دين عمل وأمل لا يعرف التواكل والسلبية

تعليق الكسل على شماعة القدر

من هنا يؤكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أن الإسلام لا يعرف الاستسلام للواقع، ويدفع المسلم دفعاً إلى تحسين واقعه، والأخذ بالأسباب للارتقاء بحياته، فالأخذ بالأسباب جزء من عقيدة المسلم، «هناك فارق كبير بين (التوكل على الله)، بمعنى السعي الجاد وترك النتائج على الله، وبين (التواكل) فهو سلوك الكسالى الذين لا يأخذون بتعاليم دينهم، ويرضون بالقليل ليس عن قناعة، ولكن عن تراخ وتقاعس. فارق كبير بين «التوكل» وهو فضيلة يتمتع بها أصحاب الفهم الصحيح، والوعى بحقائق وتعاليم دينهم، حيث يعملون ويسعون ويجتهدون في الحياة ويتركون ثمرة عملهم وكفاحهم على خالقهم.. و«التواكل» وهو رذيلة تصيب «الخاملين» الذين يفضلون القعود عن العمل، والانشغال بتوافه الأمور، ويظنون أن السماء ستمطر عليهم ذهباً وفضة، لمجرد الاستسلام للواقع، والرضا بالقليل، والانشغال بالعبادة عن العمل والإنتاج، والذي هو في نظر الإسلام من الأعمال الدنيوية التي يتقرب بها المسلم إلى خالقه».

ويعبر د. عياد عن أسفه من أن يكون الكسل والإهمال والتواكل والقعود عن العمل بضاعات رائجة عند بعض المسلمين، «فساد الفكر هو الذي يقود إلى هذا الواقع المؤسف الذي نعيشه في بعض بلدان المسلمين، والخطر الأكبر لهذا الفهم القاصر، وهذا الخلط الغريب بين التوكل والتواكل يظهر أكثر عندما يربط البعض بين هذه الأخطاء وقدر الله ومشيئته، ويتخذون من طلاقة قدرة الله في خلقه «شماعة» يعلقون عليها خمولهم وكسلهم».

خلط مرفوض بين التوكل والتواكل

من جانبه، يحذر د. عبد الله مبروك النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد السابق لكلية الدراسات العليا بالأزهر، من الخلط بين (التوكل) وهو قيمة إيجابية تدفع المسلم الى القيام بواجباته، وأداء ما عليه من تكاليف دينية وواجبات حياتية، و(التواكل) وهو قيمة سلبية يتستر خلفها الكسالى والخاملون.. ويبين «هؤلاء الكسالى المسترون خلف التوكل هم في الواقع متواكلون لا يدركون أن الخمول في حد ذاته رذيلة، وعندما يمارس باسم الدين يكون كبيرة».

ويوضح د. النجار أن الفارق بين (التوكل) و(التواكل) كبير للغاية، حيث لا توجد علاقة بين الكسل والتراخي والتواكل الذي يسلكه البعض، وبين التوكل والقدر الذي يجب أن يسلم به المسلم.. «لا شك أن حياة الإنسان مسيرة بقضاء الله وقدره، وهذا من صميم الإيمان، والقرآن الكريم يقول: «وربك يخلق ما يشاء ويختار. ما كان لهم الخيرة. سبحان الله وتعالى عما يشركون. وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون...» ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول «إن من الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره.. لكن ليس معنى ذلك أن يركن الإنسان لما هو فيه، ولا يسعى لتغيير هذا الواقع، والارتقاء به للأفضل.

وفي الواقع لا يوجد لبس بين التسليم لله والإيمان بقضائه وقدره، وهو ما يحمل معنى التوكل على الله، وهذا التوكل لا يعني التواكل بترك الأسباب الموصلة للغايات في الدنيا والآخرة، فالأسباب من قدر الله تعالى، والعمل والكد من حسن تقدير الخالق في خلقه، ومن حسن تدبيره وحسابه وعدله. من هنا ينبغي أن يعلم كل مسلم أن العمل بالأيدي والعقول والقلوب والرؤوس من أساس الإيمان كله، ولذا قرن الله الإيمان دائماً بالعمل الصالح بشكل واضح، كما رهن العمل الصالح بالإيمان «فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون» وفي الحديث الشريف «ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل»».

من يعتزل الناس ويتفرغ للعبادة ولا يسعى جاداً لتحصيل الرزق فهو متواكل

ويعيب د. النجار سلوك بعض المتدينين الذين يعتقدون أن اعتزال الناس والتفرغ للعبادة وعدم السعي الجاد لتحصيل الرزق هو التوكل على الله، ويقول «هؤلاء ليسوا متوكلين على الله عز وجل، ولا ينطبق عليهم قول الله تعالى: «ومن يتوكل على الله فهو حسبه»، بل متواكلون لا يدركون سنن الله في خلقه، ولا يأخذون بالأسباب كما أمرهم دينهم».

ويذكر د. النجار هؤلاء وغيرهم من الذين يخلطون بين التوكل والتواكل بقصة الرجل الذي ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: ناقتي أعقلها وأتوكل أم أطلقها وأتوكل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أعقلها وتوكل، أي افعل الأمرين جميعاً، خذ بالأسباب وأربط ناقتك بعقالها، ثم توكل على الله، والجأ إليه في حفظها، فالحافظ الحقيقي هو الله، وما لم يرد الله حفظها فلن تحفظ بأي عقال، فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.

لا إيمان بلا عمل

ويوضح د. النجار الارتباط الوثيق بين (الإيمان القلبي) و(العمل بالجوارح)، فلا إيمان بلا عمل، ولا بركة في عمل دون إيمان.. «تعاليم ديننا تحثنا جميعها على ضرورة العمل والسعي الجاد لتحسين أحوالنا المعيشية والمادية والفكرية والثقافية، وهذه سنة من سنن الله في خلقه، ولن تتحقق لأية أمة نهضة ولا استقرار اجتماعي أو اقتصادي أو أمني إلا إذا قام أبناء هذه الأمة بما عليهم من واجب العمل، والإنتاج لتوفير مقومات الحياة الكريمة».

والإسلام، كما يؤكد د. النجار، لا يرحب بأي عمل، بل هو يحث على العمل المنتج الذي عبر عنه القرآن بالابتغاء من فضل الله، حيث ذكر ذلك إحدى عشرة مرة مثل قوله تعالى: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله».

كما حث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على العمل في عدة أحاديث، منها قوله «ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده» كما أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه وجميع الأنبياء كانوا يعملون بأيديهم لكسب رزقهم، وإن المسلم ليسأل عن وقته وعن ماله، كما جاء في الحديث الشريف «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيم أبلاه، وعن عمره فيم أفناه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه»، بل إنه عليه الصلاة والسلام حذر من أن يترك الإنسان العمل اكتفاء بما لديه من مال.. فهذه التوجيهات الإسلامية الرشيدة تدفع المسلم إلى العمل المستمر النافع لنفسه ومجتمعه.

الإسلام دين عمل وأمل لا يعرف التواكل والسلبية

لا حياة بلا أمل وعمل

د. محمود الصاوي، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، يؤكد ضرورة تكثيف دعاة الإسلام وخطباء المساجد جهودهم لتصحيح هذه المفاهيم المغلوطة في أذهان بعض الناس، ويؤكد «أمور العقيدة وتعاليم الدين واضحة لا لبس فيها، والخلط دائماً يأتي من سوء الفهم، وضعف الوعي.. لذلك يجب أن يواصل دعاة الإسلام جهودهم في التوعية والتوجيه الديني الصحيح، والرد على ما التبس في أذهان الناس، وما شاع بينهم من مفاهيم دينية خطأ».

والى جانب أمور العقيدة، يطالب د. الصاوي الدعاة بضرورة أن يركزوا في أحاديثهم على الآداب والأخلاقيات التي ترسم شخصية الإنسان المسلم، وتدفعه إلى أن يكون دائماً واثقاً من نفسه معتزاً بشخصيته، لديه القدرة على كسب ود واحترام الآخرين، «الأمل والطموح قيمة إسلامية لا يمكن أن يعيش الإنسان بدونها، فبدون الأمل في حياة أفضل وأرقى لن يعمل أحد، وبدون الأمل في مستقبل أفضل، لن يتعلم أحد، وبدون الأمل في تكوين أسرة مستقرة وإنجاب أولاد ينعم الإنسان بينهم بالبر والإحسان فلن يتزوج أحد.. وبدون الأمل في تغيير الواقع المؤلم الذي نعيشه فلن يتحرك أحد نحو الإصلاح والتوجيه والتقويم.. ومن هنا فلا حياة بلا أمل، فالأمل هو الذي يجعل الإنسان يحب الحياة ويعمل من أجلها لخير نفسه وخير مجتمعه».