25 ديسمبر 2023

بعد جريمة قتل شاب دخل بيتاً بدون استئذان.. ما هي المخالفات الشرعية عند زيارة البيوت؟

محرر متعاون

بعد جريمة قتل شاب دخل بيتاً بدون استئذان.. ما هي المخالفات الشرعية عند زيارة البيوت؟

ارتقت تعاليم الإسلام بكل سلوك للإنسان، وضبطت تصرفاته بضوابط أخلاقية، في كل مكان يذهب إليه، أو يتردد عليه، حتى وهو داخل منزله، أو مقر عمله؛ لكي تظل علاقاته بكل من يتعامل معهم راقية ومتحضرة، ومحل قبول ورضا منهم.

لذلك وضع الإسلام آداباً للتزاور، والتردد على بيوت الأهل، والأصدقاء، والجيران، وغيرهم، لا يجوز التخلي عنها، أو إهمالها، حرصاً على حقوق أصحاب تلك البيوت، وخصوصياتهم.

والواقع أن حياتنا المعاصرة مملوءة بالتجاوزات والمخالفات الشرعية في التزاور والتردد على بيوت الآخرين.. لذلك لا تتوقف المشكلات والأزمات التي تحدث نتيجة هذه المخالفات، وآخر هذه المشكلات جريمة قتل شاب اقتحم منزل جاره من دون استئذان، وشاهد زوجته بملابس المنزل، ما أثار غضب زوجها؛ فاشتبك معه وأرداه قتيلاً بطعنة في البطن ليذهب هو الآخر إلى غياهب السجن، حتى يحسم القضاء عقوبته.

لذلك.. رجعنا إلى علماء الدين لكي نتعرف منهم إلى جملة المخالفات الشرعية التي يقع فيها البعض عند زيارة البيوت.. وهنا خلاصة ما قالوه ونصحوا به:

منهج الإسلام.. تربية أخلاقية راقية

بداية، يؤكد العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عناية الإسلام بالجانب السلوكي والأخلاقي للإنسان، في كل شأن من شؤون حياته، حتى ترقى سلوكاته، وتستقر علاقاته بالآخرين.. ويقول «اهتم الإسلام بالتربية الأخلاقية اهتماماً كبيراً، وهذا يظهر من خلال الأوامر الإلهية الواردة في القرآن الكريم، والتوجيهات والوصايا النبوية الكريمة، وهذه الأوامر والتوجيهات لا يستطيع الإنسان أن يعيش في أمان واستقرار بين الناس من دونها، ومن بينها آداب زيارة البيوت، وهي آداب تؤكد رقيّ الإسلام وتحضّره، واحترامه لخصوصيات الناس، وتقديره لحقوقهم داخل بيوتهم».

وعن أسباب كثرة التجاوزات السلوكية عند زيارة البيوت، يؤكد د. هاشم، أن غياب التربية الإسلامية السبب، وهذه مسؤولية مشتركة بين البيت، والمسجد، والمدرسة، ومما يؤسف له أن كثيراً من الآباء والأمهات لم يربّوا أولادهم على احترام خصوصيات الآخرين في بيوتهم، كما يرجع ذلك إلى تلاشي الثقافة الشرعية التي ينبغي أن يتسلح بها المسلم، مهما كانت اهتماماته.

بعد جريمة قتل شاب دخل بيتاً بدون استئذان.. ما هي المخالفات الشرعية عند زيارة البيوت؟

دخول البيوت من دون استئذان.. تجاوز شرعي

أول التجاوزات الشرعية عند زيارة بيوت الآخرين، كما يقول عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، هو دخول تلك البيوت من دون استئذان، ويبيّن «هذا السلوك، للأسف، نراه شائعاً بين الأهل، والأقارب، والأصدقاء، وقد يوجد بين الجيران، وهو سلوك يتنافى مع أبسط القيم الإنسانية، التي تؤكد احترام خصوصية الآخرين داخل منازلهم، ونظراً لما في هذا السلوك من عدوان على الخصوصية جاء نهي القرآن الكريم عنه واضحاً وحاسماً، حيث يقول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم».. فهذه الآيات الكريمة توضح لنا كيف يبدأ المسلم زيارته لأسر الآخرين، وتضع جملة من الآداب والسلوكات الراقية التي تصون الأعراض، وتهذب النفوس، وتحفظ للبيوت أسرارها.. وبناء على هذا النص القرآني لا يجوز شرعاً، مفاجأة أحد بزيارة، حتى ولو كان من الأهل والأقارب».

قبل الاستئذان.. السلام على أهل الدار

حول معنى قوله تعالى «لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم»، يوضح د. زغلول النجار:

  • أي لا تدخلوا البيوت التي لا تسكنونها أنتم، حتى لو كانت تلك البيوت ملكاً لكم، وهي مؤجرة لغيركم.
  • وفي قوله تعالى «حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها» أي: حتى تستأذنوا من أهلها، وتسلّموا عليهم.. وعندما يستأذن الزائر أهل البيت في الدخول عليهم فإنهم يأنسون باستئذانه، كما يأنس هو إلى إذنهم له بالدخول عليهم، و(السلام) هو تحية المسلمين، وتحية أهل الجنة (السلام عليكم)، ومن آداب الإسلام تقديم السلام على الاستئذان في الدخول إلى بيوت الغير، وذلك لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا يؤذن له حتى يسلّم»، فإن كان القادم يرى أحداً من أهل البيت سلم أولاً، ثم استأذن في الدخول، وإن لم يتمكن من رؤية أحد قدم الاستئذان على السلام.. وقد سئل الرسول عن الاستئناس، فقال صلى الله عليه وسلم: «يتكلم الرجل بتسبيحة، وتكبيرة، وتحميدة، ويتنحنح فيؤذِن له أهل البيت»، وفي زماننا الراهن يعتبر طرق الباب، أو قرع الجرس نوعاً من الاستئذان، الذي يليه السلام.
  • وفي قوله تعالى: «ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون»، أي أن الاستئذان والتسليم قبل دخولكم إلى بيوت غير بيوتكم فيه الخير الكثير لكم، ومن ذلك أنه يعفيكم من الوقوع في شيء من الحرج، ويجنبكم إيذاء الآخرين بالاطلاع على عوراتهم، أو على ما لا يحبون أن يراه غريب منهم، فلعلكم إذا علمتم هذا الأدب في السلوك أن تعملوا به، وأنتم مدركون الحكمة من تشريعه.
  • فالاستئذان في دخول بيوت الغير «واجب» على كل طارق، سواء كان رجلاً أو امرأة، مبصراً أو أعمى، إلا في حالات الضرورة القصوى، كالاشتعال المفاجئ للحرائق، أو الهجوم المباغت للصوص، أو طلب الاستغاثة.
  • ومن الآداب الشرعية في الاستئذان ألا يستقبل الزائر الباب بوجهه، بل يجعله عن يمينه أو عن شماله، وهذا الأدب يجب أن يلتزم به كل مسلم في عصرنا، لأن الدور ولو كانت مغلقة، فإن استقبال الطارق للباب عند فتحه بوجهه قد يقع نظره على ما لا يجوز اطّلاعه عليه، أو على ما يكره أهل البيت أن يراه».

عبارة مكروهة شرعاً عند طرق الأبواب

  • ولو طرق الزائر الباب وسئُل: من الطارق؟ أو: من على الباب؟ فليكن الرد بالاسم واضحاً «أنا فلان»، ولا يكفي هنا، كما يحدث غالباً، قوله: «أنا»، فقد جاء في الحديث الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن ذلك.
  • كما لا يجوز للزائر أن يتجسس على أهل البيت، فينظر من ثقب الباب إذا لم يرد أحد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن امرأ اطّلع عليك بغير إذن فحدفته- أي رميته- بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح».
  • وفي قوله تعالى: «فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم»، تأكيد على عدم جواز دخول البيوت مفتحة الأبواب من دون إذن، فربما كان في البيت أهله، ولم يشاءوا الرد على الزائر، وربما كان البيت خالياً من أهله فلا يجوز اقتحامه بغير إذن مسبق منهم، لأن للبيوت حرماتها، فلا يحل دخولها إلا بإذن أهلها.
  • وفي قوله تعالى: «وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم»، أي: إذا قال لكم أهل الدار إنهم غير مستعدين لاستقبالكم، فإنه أطهر لنفوسهم ولنفوسكم أن تعودوا من حيث أتيتم، من دون أدنى حرج. وعلى ذلك، فإنه إذا نُهي الزائر عن الدخول إلى بيت غير بيته، فلا يجوز له الإلحاح في طلب ذلك، لأن الإلحاح في هذه الحالة مكروه شرعاً.

بعد جريمة قتل شاب دخل بيتاً بدون استئذان.. ما هي المخالفات الشرعية عند زيارة البيوت؟

لا «عشم» في اقتحام حرمة البيوت

ويعود د. هاشم ليوضح أن بعض الناس يقتحمون حرمة البيوت، ويدخلون من دون سلام، أو استئذان، بحكم العشم، والقرابة، أو الجيرة، ولكن هذا السلوك مخالف لتعاليم الشرع، لما يحتوى عليه من أضرار نفسية لأهل البيت الذين لم يستعدوا، ولم يؤهلوا أنفسهم لاستقبال ضيوف، وقد يترتب على الزيارة المفاجئة كشف عورات، وجرح مشاعر، والاطّلاع على أسرار لا يحق لأحد الاطلاع عليها، فأهل البيت لابد أن يكونوا على علم بالزيارة ومستعدين لها، ويرحبون بمن يزورهم، ولابد أن تكون تلك الزيارة في الأوقات التي تناسبهم حتى ولو كانوا من الأهل والأقارب.

الاستئذان حتى داخل البيت

وهنا يشير د. هاشم إلى أدب وسلوك راقٍ يؤكد عليه الإسلام، وهو ضرورة الاستئذان داخل البيت الواحد، فلا يدخل الأبناء على آبائهم وأمهاتهم في غرف نومهم فجأة، ومن دون استئذان، ولا يدخلون عليهم غرفهم وقت راحتهم المعهودة، ولا يجلسون في مجلسهم إذا ما كانوا يتحدثون في شأن خاص بهم.

التزاور.. برغبة الطرفين

من جهته، يؤكد د. محمود الصاوي، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن التزاور بين الأسر مرغوب لتعميق مشاعر المودة والألفة بين الأسر، والعائلات، والأصدقاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، لكن هذه الزيارات لابد أن تكون برغبة من الطرفين، حيث لا يجوز أن تحرج صديقاً، أو جاراً، أو حتى أحد الأقارب وتزوره من دون رغبة منه، وعندما تقوم بتلك الزيارة ينبغي أن تلتزم بآدابها وأخلاقياتها.

أيضاً.. ينبغي ألا تستهدف الزيارة التعرف إلى أسرار البيوت، أو نقل ما يحدث بداخلها لآخرين، وهنا قال العلماء بضرورة (استحضار النيّة الصالحة عند الزيارة)، بمعنى أن يكون هدف الزيارة إنسانياً، وليس هدفاً آخر.

بعد جريمة قتل شاب دخل بيتاً بدون استئذان.. ما هي المخالفات الشرعية عند زيارة البيوت؟

أوقات الزيارة المنهي عنها شرعاً

ويوضح د. محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، ضرورة الابتعاد في الزيارة عن الأوقات المنهي عنها شرعاً، فالموعد المناسب للزيارة يحدده صاحب البيت، وليس الضيف، ويشرح «حتى داخل البيت الواحد، والأسرة الواحدة، لا ينبغي أن تقتحم خصوصية إنسان وتدخل عليه في وقت لا يرغبه، فالله سبحانه وتعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»، فهذه الآيات الكريمة تؤكد ضرورة استئذان الأقارب بعضهم على بعض، فالله تعالى يأمر المؤمنين بأن يستأذنَهم خَدَمُهم مما ملكَت أيمانهم، وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم، خاصة في الأوقات المشار إليها لأنها وقت راحة في البيوت».

بعد جريمة قتل شاب دخل بيتاً بدون استئذان.. ما هي المخالفات الشرعية عند زيارة البيوت؟

آداب زيارة البيوت

ويشدّد كل من د. محمد نبيل غنايم، و د. محمود الصاوي، على مجموعة من آداب الزيارة، وكما يلي:

  • على الإنسان أن يتحين الأوقات المناسبة للزيارة، ويكون ذلك بعد الاتصال وأخذ موعد للزيارة.
  • على الزائر أن يغضّ بصره عن محارم البيت، فلا يطلق العنان لبصره ليتفحص تفاصيل البيت، وربما خشي صاحب المنزل من العين أو الحسد، ولا يطلق البصر إلى داخل المنزل، ويتأمل الداخل والخارج، بل ربما وقع بصره على محارم البيت.
  • على الزائر أن يجلس حيث يأذن له صاحب البيت، ولا ينبغي أن يرفض ذلك، أو يعترض، أو يتأفف، فصاحب البيت أدرى ببيته، ومواطن عوراته، فربما جلس الرجل في مجلس يكون عرضة لمشاهدة أهل البيت ومحارمه، لأنه في هذا المكان قد يشاهد شيئاً يكره صاحب البيت النظر إليه.
  • ألا يرفع الزائر صوته لكي يسمع أهل البيت جميعاً.
  • ألا يتجاوز حدود اللياقة ويبدي ملاحظات على ما يتناول من طعام، ويعيب عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عاب طعاماً قط، سواء قُدم إليه في منزله أو في مكان ضيافته، لكن بعض الزائرين يتجرأ ويعيب ما يقدم له من طعام، أو يتحدث عن جودة ما تصنعه له زوجته، أو أمه من طعام مماثل فيحرج صاحب البيت.
  • ألا يتجسس الزائر، أو يصغي لحوارات أهل البيت، لأن ذلك من الأمور المحرمة شرعاً، والله عزّ وجل حرّم التجسس، فقال سبحانه:«ولا تجسّسوا»، وقال صلى الله عليه وسلم:«ولا تجسّسوا».
  • ألا يبادر الزائر وقت الصلاة بالتقدم لإمامة أهل البيت في بيتهم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلاَ يَؤُمّهُمْ، وَلْيَؤُمّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ»، فصاحب المنزل أحق بالإمامة من الزائر؛ إلا لو كان الزائر من أهل العلم، وأصرّ صاحب البيت على إمامته لهم في الصلاة.
  • ألا يغادر الزائر المنزل من دون استئذان، ومن دون وجود صاحب المنزل، فهذا السلوك يثير الشكوك ويدعو للريبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده، فلا يقومَنَّ حتى يستأذنَه».

اقرأ أيضاً: الأكل باليد أم بأدوات المائدة؟ وما هي آداب مائدة الطعام؟.. علماء الإسلام يجيبون