04 مارس 2024

ماذا كان يفعل رسول الله في شهر رمضان؟

محرر متعاون

ماذا كان يفعل رسول الله في  شهر رمضان؟

رسولنا الخاتم صلّى الله عليه وسلّم، هو القدوة والمثل الأعلى للمسلمين في كل العصور، وقد أمَرنا الخالق سبحانه وتعالى بأن نقتدي به في كل أمور حياتنا، بخاصة في ما يتعلق بالعبادة والطاعة، فقد قال سبحانه: «ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا».

ولذلك واجب كل مسلم أن يقتدي برسول الله، فهو لا يأمر إلا بما فيه الخير للإنسان، ولا ينهى إلا عن مالا يفيده في دينه ودنياه.. يقول الحق عزّ وجل: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً».. فما أعظمك يا رسول الله وما أنفع ما أمرتنا وأوصيتنا به في أمور الدين والدنيا.

ماذا كان يفعل رسول الله في  شهر رمضان؟

أفضل استعداد لرمضان

كان لشهر رمضان مكانة خاصة في عقل وقلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهو خير الشهور عند الله «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان»، وكلما كان يقترب هذا الشهر؛ كان عليه الصلاة والسلام يبتهج ويتأهب للاحتفاء به، والاستفادة منه، واستثماره أفضل ما يكون الاستثمار.

واستعداد الرسول صلوات الله وسلامه عليه، لاستقبال رمضان كان يبدأ قبل قدومه بأسابيع عدة، فقد كان يصوم أياماً من كل شهر، ثم يصوم معظم شهر شعبان، كما أكدت الأحاديث النبوية الصحيحة، وقد أوضح الصحابي الجليل، أسامة بن زيد، الحكمة من إكثار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الصيام في شعبان قائلاً: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم».

وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيت أكثر صياماً منه في شعبان».

ماذا كان يفعل رسول الله في  شهر رمضان؟

تهيئة النفوس لرمضان

عن استقبال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرمضان، يقول د. شوقي علام، مفتي مصر «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهيئ نفوس المسلمين لاستقبال الشهر الفضيل على أفضل ما يكون الاستقبال، فنحن أمام شهر فضّله الله على كل شهور العام، على الإطلاق، شهر كريم أنزل الله فيه القرآن الكريم، كما أنه شهر المغفرة والرحمة، وليلة القدر التي لا تأتي إلا في رمضان من كل عام، ورمضان له خاصية ليست لغيره، فهو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار».

ومن أروع ما هيأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس لاستقبال الشهر الكريم به خطبته الوافية التي شرح فيها لأصحابه الكرام فضل رمضان، وما فيه من خيرات، وما أنعم به الله سبحانه وتعالى على عباده الصائمين».

استقبال حافل لرمضان ورسم خريطة مثالية لجبر الخواطر في الشهر الكريم

ويضيف «فقد ورد عن الصحابي الجليل، سلمان الفارسي، قوله: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في آخر يوم من شعبان فقال: «يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من قرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد رزق المؤمن فيه، من فطّر صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، قالوا: يا رسول الله أليس كلنا لا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يعطي الله عز وجل هذا الثواب من فطّر صائماً على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن.

وهذا شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فمن خفف عن مملوكه فيه غفر الله تعالى له، وأعتقه من النار، استكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم عز وجل، وخصلتين لا غنى لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم عز وجل فشهادة أن لا اله إلا الله، وان تستغفروه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله تعالى الجنة، وتعوذون به من النار، ومن سقى صائماً سقاه الله تعالى من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة».

ماذا كان يفعل رسول الله في  شهر رمضان؟

جبر الخواطر في رمضان

كما يؤكد مفتي مصر «كان رسولنا العظيم صلّى الله عليه وسلّم مثالاً وقدوة للمسلمين في الطاعات كافة، بخاصة خلال الشهر الكريم، كان يبدأ بنفسه ولا يكتفي بالوصايا والتوجيهات، يقول ابن عباس، رضي الله عنهما: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة..

فقد كان مثالاً للجود والكرم في رمضان، وإذا كان شأن المسلم أن يكون كريماً معطاء طوال الوقت، فهو في رمضان ينبغي أن يكون أكثر عطاء وسخاء في التعامل مع الفقراء، وأصحاب الحاجات، فرمضان شهر جبر الخواطر، وأفضل ما يجبر الإنسان الخواطر به هو تقديم طعام الإفطار للآخرين، سواء أكانوا فقراء، أم أقارب، وهذا ما كان يفعله رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ويحث الآخرين عليه، فهو القائل «من فطّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً».

ماذا كان يفعل رسول الله في  شهر رمضان؟

الدعاء والابتهال في رمضان

ويواصل د. شوقي علام حديثه «ورغم رصيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ،من الطاعة والعبادة والقرب من الله عز وجل، إلا أنه كان يستفيد من رمضان ليناجي خالقه أكثر وأكثر، فقد كان دائم الدعاء والابتهال إلى الله طوال ساعات صيامه وقيامه في رمضان، حتى وقت الإفطار الذي ينشغل فيه الإنسان بطعامه، كان رسول الله يناجي ربّه، ويشكره على إعانته على الصوم، ويشكره على ما توفر له من طعام، ولو كان حبّات قليلة من التمر، أو شربة ماء، ومن مناجاته لربه عند فطره قوله: «اللهم إني لك صمت وعلى رزقك أفطرت»، وروي عنه أيضاً أنه كان يردّد عند فطره «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله».

كما كان صلّى الله عليه وسلّم يحثّ المسلمين الصائمين على الابتهال إلى الله بالدعاء في كل وقت، وطلب العفو والمغفرة، وأرشدنا إلى أحد الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، وهو وقت الصيام، فقال في الحديث الشريف «ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، والمظلوم» وهذا الحديث الشريف يوضح لنا أن الابتهال إلى الخالق وإن كان ينبغي أن يستمر في كل وقت؛ إلا أنه وقت تناول الإفطار يكون أقرب إلى الله عز وجل.. وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا أفطر عند آخرين دعا لهم قائلاً: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة»، ومن دعائه صلوات الله وسلامه عليه في ليلة القدر: «اللهم إنك عفو كريم فاعفُ عني».

واهتمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالدعاء في رمضان، وحرصه شخصياً على ذلك، وتوجيهه للمسلمين بالحرص على ذلك، لم يأت من فراغ، فرمضان شهر عبادة وطاعة، والمسلم الملتزم بفريضة الصوم، ومعها فريضتي الصلاة والزكاة، يكون قريباً من خالقه، ويكون دعاءه مرجوّ القبول إن شاء الله، فضلاً عن أن الدعاء في حدّ ذاته عبادة وطاعة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الذي أرشدنا إلى ذلك في حديثه الشريف، حيث يقول: «الدعاء مخ العبادة» وفي رواية أخرى: «الدعاء هو العبادة».

الإخلاص في العبادة

من أهم ما علّمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه أيضاً في رمضان (الإخلاص في العبادة)، فالصوم ليس مجرد طقوس شكلية يؤديها الإنسان التزاماً بالفريضة، ثم انتهى الأمر، ولكنه سلوك وعمل قلبي يكافئ الله عليه كل من يؤديه بإخلاص، ولذلك وصفه صلوات الله عليه وسلم بـ(السر) فقال: «الصوم سر بين العبد وربه» فالإنسان قد يتظاهر أمام المحيطين به بالصوم، ثم يخلو إلى نفسه ويأكل أو يشرب، ولذلك فالأمر كما علّمنا رسول الله يتوقف على الالتزام الحقيقي والإخلاص في العبادة.

تعلّمنا من رسولنا المعاني الحقيقية للصوم والمكافآت الإلهية التي تنتظر المخلصين في صيامهم

يقول العالم الأزهري د. نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر «لقد علّمنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه المعنى الحقيقي للصوم، وأخبرنا بالمكافأة الإلهية العظيمة للصوم فقال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وعلّمنا أن الصوم لله، وهو الذي يكافئ عليه، على قدر إخلاص الإنسان فيه، ولذلك لا توجد مكافأة ثابتة للصوم ينالها كل الصائمين، فالصوم درجات كما علّمنا رسولنا العظيم، وكل إنسان ينال الدرجة التي تتناسب مع قدر إخلاصه، وحرصه على آداب الصوم وأخلاقياته، وما أعظم فرحة الصائم المخلص بصومه يوم لقاء ربه، يقول عليه الصلاة والسلام: «للصائم فرحتان: «فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه»..

كما أخبرنا صلّى الله عليه وسلّم أن في الجنة باباً في الجنة (الرّيان) مخصص لدخول الصائمين المخلصين الحريصين على آداب الصوم وأخلاقياته، فيقول: «إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل منه أحد».. فما أعظم هذه المكافأة، والصوم أيضاً يشفع لصاحبه يوم القيامة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفّعني فيه.. فيشفعان».. وكان صلّى الله عليه وسلّم يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحث على مكارم الأخلاق طوال رمضان، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يدعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

ماذا كان يفعل رسول الله في  شهر رمضان؟

الرسول في بيته ومع زوجاته

كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، في بيته ومع زوجاته طوال الشهر الكريم مجسّداً لعظمة تعاليم الإسلام في التوازن بين مطالب الروح والجسد، فرمضان أفضل شهور العام، وأفضل الأيام عند الله، وكل إنسان عاقل يريد أن يخرج منه بأعظم المكاسب، وطريق ذلك حُسن العبادة والطاعة، والإكثار من عمل الخير.

لكن لم يمنع هذا رسول الله، وهو القدوة والمثل والمعلم الأول لأمته، من أن يعيش حياته البشرية كزوج فيحظى بحقوقه من زوجاته، ولا يحرمهن من تلبية رغباتهن البشرية، فكان يعاشر زوجاته، ويغتسل ويصلّي ويتعبّد.. تقول السيدة عائشة رضى الله عنها: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدركه الفجر في رمضان وهو جُنُب من غير حلم فيغتسل ويصوم».

كان رسول الله يحرص طوال رمضان على تعليم زوجاته الكثير من أحكام الدين ويوقظهنّ ليلاً للعبادة

تقول الداعية الأزهرية د. نادية عمارة «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يحرص طوال رمضان على تعليم زوجاته كل ما يتعلق بأحكام الصيام، وقد نقلت عنه بعض من زوجاته ذلك في أحاديث شهيرة، وكان يحرص على مساعدتهن في الأعمال المنزلية كلما سمحت ظروفه بذلك، وكان يوقظهنّ ليلاً ليتعبّدن، وهذا ما ينبغي أن يفعله المسلم الآن مع زوجته التي قد تقضي معظم ساعات الليل أمام الشاشات لمشاهدة المسلسلات والبرامج الرمضانية، فهو عليه الصلاة والسلام القائل: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، والخيرية الحقيقية للزوج لا تتحقق في توفير وسائل الترفيه لزوجته وأولاده، بل الخيرية الحقيقية في حثهم على العبادة والطاعة، وأن يكون قدوة طيبة لهم في عمل الخير في رمضان، وفي غير رمضان».