هل يحقُّ للمرأة اقتسام الثروة مع زوجها عند الطلاق؟.. الأزهر يحسم جدل "حقّ الكدّ والسعاية"
انشغلت بعض الأسر العربيّة بقضيّة إفتائيّة خلال الأشهر الأخيرة، تتعلّق بحق المرأة العاملة في ثروة زوجها، خاصة النساء اللاتي كان لهن دور واضح في تكوين ثروة الأسرة.. إذ يقولون إنه مع أي شقاق بين الزوجين يتمّ الطلاق وتخرج المرأة خالية الوفاض من الثروة التي كانت سبباً بارزاً في تكوينها.
لذلك دعا شيح الأزهر د.أحمد الطيّب إلى كفالة حق المرأة في ثروة زوجها التي ساهمت في تكوينها، مؤكّداً أن عدالة الشريعة الإسلاميّة تقتضي ذلك.
رجعنا لاثنين من كبار علماء الفتوى بالأزهر لتوضيح المقاصد الشرعيّة لهذه الفتوى.
ما هو «حقّ الكدّ والسعاية»؟
يوضّح العالم والفقيه الأزهري د.فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر وعضو لجنة الفتوي المركزيّة، الحيثيّات الشرعيّة لـ«حقّ الكدّ والسعاية» الذي أقرّه الأزهر في فتوى رسميّة، فيقول «المفترض أن الزوجة لها ذمتها الماليّة المستقلة عن زوجها.
وبموجب ذلك تحتفظ المرأة بمالها لنفسها ولا يختلط مالها بمال زوجها، لكن بعض الأسر لا تلتزم بذلك، ويختلط مال الزوجة بمال الزوج.
ويتمُ الإنفاق منه ومن مدّخرات الزوجين معاً علي أية التزامات ماليّة أو مشتريات ويتمّ تسجيلها باسم الزوج، وتسير الأمور هكذا دون منغّصات طالما كان هناك وفاق بين الطرفين..
ثم يحدث خلاف وشقاق، يحدث بعده طلاق وتخرج الزوجة خالية الوفاض نتيجة العناد أو الكراهيّة، وقليل من الرجال هم الذين يعترفون بحقّ الزوجة وفضلها في تكوين ثروة الأسرة».
ويضيف «لذلك تقتضي العدالة أن تأخذ الزوجة حقها، أو بمعنى أصح تعويضاً عمّا قدمته للأسرة من أموال ومن جهد كان سبباً في استقرارها المادي، ولكي تستطيع الزوجة المطلّقة مواجهة متطلبات حياتها بعد الانفصال عن زوجها».
ما الحكم لو مات زوجها بعد أن ساهمت معه بمالها وجهدها في تكوين ثروته؟
يقول عالم الفتوي الأزهري «تُطبّق نفس القاعدة وتأخذ من تركته ما يعوّضها عن ذلك قبل توزيع التركة، ثم تأخذ نصيبها الشرعي من الميراث وفقاً لقواعد الميراث الشرعيّة، والذي يقدّر حقها أهل الخبرة الأمناء».
ويضيف «هذه هي عدالة الإسلام التي يتبناها الأزهر ومؤسساته الإفتائية، وحق المرأة في «الكدّ والسعاية» ليس من ابتكارنا أو اجتهادنا، بل هو فتوى تراثيّة، يرجع أصلها الفقهي إلى أدلة الشريعة الإسلامية الواردة في حِفظ الحقوق.
والمقرّرة لاستقلاليّة ذمة المرأة الماليّة، والتي منها قول الحق سبحانه: «لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ»..
إضافةً إلى قضاء الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بحق زوجةٍ في مالِ زوجها الذي نمَّياه معاً قبل تقسيم تركته، ثم قضى بمثلِه كثير من القضاة والفقهاء عبر العُصور؛ سيما فقهاء المذهب المالكي.
والأزهر يفتي عبر تاريخه بما استقرّ فقهاً من ضرورة حفظ حقوق المساهمين في تكوين وتنميّة الثروات والتركات، وإحياؤه لفتوى «الكدّ والسعاية» إحياءٌ لمنهجها واصطلاحها وتراثها؛ لكثرة المخالفات الواقعة في شأنها بالتزامن مع زيادة مشاركات النساء في تنمية ثروات أزواجهن، وخروجهن لسوق المال والأعمال.
هل هذا الحق خاص بالزوجة فقط أم يشمل كل ابن شارك في ثروة والده؟
يجيب عالم الشريعة الإسلامية بالأزهر د.عباس شومان، وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية حقّ «الكدّ والسعاية» ليس حقّاً خاصاً بالزوجة في مال زوجها، بل هو حقّ يستحقه كل من ساهم بماله أو بجهده في تنمية أعمال أحد وثروته، كالابن والبنت إذا ساهما في تنمية ثروة أبيهما بالمال والعمل أو بأحدهما، وكابن الأخ مع عمه، ونحو ذلك».
ويوضح« إن «الكد والسعاية» حق للزوجة في ثروة زوجها إذا شاركته في تنميتها ببذل المال أو بالسعي والعمل أو بكليهما معاً، ومن صور مشاركتها العملية: عملها معه ببدنها في مشروع أو شركة أو صنعة ونحو ذلك.
ومن صور المشاركة المالية: إعطاؤه من هبة أبيها لها أو من هبة غيره، أو ميراثها من أبيها أو من غيره، أو من راتب عملها، أو من صَداق زواجها، أو مقتنياتها، أو حُليِّها، ونحو ذلك مما امتلكته، وكان في ذمّتها الماليّة المُستقلّة التي قرّرها الإسلام لها».
هل من حق الزوجة هنا أن تطالب باقتسام ثروة الزوج؟
يوضح د. عياس شومان «حقّ «الكدّ والسعاية» للزوجة لا يُقدَّر بنصف ثروة الزوج أو ثلثها، وإنما يُقدّر بقدر مالِ الزوجة المُضاف إلى مال زوجها وأرباحه، وأجرة سعيها وكدِّها معه، ويمكن للزوجة المطالبة به أو المسامحة فيه أو في جزء منه».
ما الحكم لو رفض الزوج حقّ «الكدّ والسعاية»؟
يبيّن د.شومان «لا ينكر حق الزوجة في استرداد أموالها أو التعويض عمّا قدمته للزوج وللأسرة إلا رجل خسيس، تعوّد على إهدار الحقوق وأكل مال الناس بالباطل، ولو رفض الزوج يرغم على ذلك قضاء.
ومن إنصاف الزوج وحسن عشرة زوجته أن يعطيها حقّها في الكدّ والسعاية وتكوين ثروتهما في حياته بنفسه، لتجعله في ذمتها الماليّة الخاصة، وليُبقِي في ذمته ما كان ملكاً خالصاً له، ممّا تجري عليه أحكام الشريعة حال حياته في الزّكاة ونحوها، وبعد وفاته في الميراث ونحوه.
وهنا يجوز للزوجة أن تتّفق مع زوجها على تحرير ما يُثبت حقّها في عمله أو ماله قبل مشاركتها معه في تنمية ثروته بالجهد أو المال أو بعد مشاركتها، وإن لم يوثّقا الحق كان الإثبات من خلال قواعد الإثبات العامّة شرعاً وقانوناً وعُرفاً».
وهنا ينصح عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر كل زوج شاركته زوجته في تكوين ثروته أن يبادر بمنحها حقّها في حياته وحال قيام الزوجيّة «لا يتعلق أخذ الزوجة حق كدّها وسعايتها من ثروة زوجها بانتهاء زوجيتهما بوفاة أو انفصال.
وإنما هو حق للمرأة حال حياة زوجها وبقاء زوجيتهما، لها أن تأخذه أو تتسامح فيه؛ إذ الأصل فيه أنه مال للزوجة جعلته على اسم زوجها لاتحاد معايشهما ومصالحهما الأسرية».