تحقيق: إيمان عبدالله آل علي
فيروس غير مرئي انتشر بسرعة البرق في كل دول العالم ووصل إلى بيوتنا ومؤسساتنا ومراكزنا التجارية، وسكن في أجساد البشر ليسقطهم على أسرة المستشفيات ويقتل الآلاف منهم، لكن رغم شراسته وقسوته على بني الإنسان، إلا أن أبطال الرداء الأبيض تصدروا الخطوط الأمامية للقضاء عليه، والتصدي له.
فالكادر الطبي والتمريضي والفني هم في ساحة معركة، كما هي حال جنودنا الذين يدافعون عن أرض الوطن، واليوم يبذلون كل طاقاتهم لحماية الدولة ومواطنيها ومقيميها، والتضحيات التي يقدمونها في مواجهة الفيروس كبيرة، فهم أبطال خط الدفاع الأول، والمستشفيات التي تحتضن الحالات المصابة هي ينابيع العطاء، تعمل ليلاً ونهاراً من أجل تعافي تلك الحالات وخروجها من غرف العزل الطبي، فقد تحولت تلك المستشفيات إلى خلايا نحل لتأمين سلامة أفراد المجتمع عبر العمل على مدار الساعة في مشهد جسد تلاحم أبناء الإمارات ضد هذا الفيروس.
وكلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، التي جاء فيها «شكراً خط دفاعنا الأول.. شكراً لتضحياتكم.. وسهركم.. وبذلكم من أجل الوطن»، تعكس جهود الصف الأول من الكوادر الطبية التي تكافح بقوة وتستحق كل الشكر.
الدكتور عادل سجواني
ضمن الأطباء في خط الدفاع الأول، الدكتور عادل السجواني، عضو الفريق الوطني للتوعية بفيروس «كورونا» المستجد، طبيب أسرة بوزارة الصحة ووقاية المجتمع، الذي يستقبل في اليوم نحو 35 مريضاً في المركز الصحي الحكومي، للكشف عن حالات الاشتباه بـ «كورونا».
عن آلية فحص الحالات المشتبه فيها، قال: «عند استقبال الحالات في المراكز الصحية نتأكد من أمرين أساسيين يتمثلان بعودته من السفر أو مخالطته لحاله مصابة، وإن ثبت الأمران ينقل فوراً إلى غرفة العزل، ومن ثم أرتدي اللبس العازل الواقي والقفازات وكمامة n95 وغطاء للشعر والحذاء، والنظارات الواقية، وأجري له المسح والفحص المعتمد في الإمارات لفيروس كورونا، ويرسل إلى المختبر، وخلال تلك الفترة يلتزم المشتبه في إصابته بالحجر المنزلي، لحين ظهور النتائج».
ورأى أنه في ظل أزمة «كورونا» الكل مسؤولون، للعمل معاً من أجل القضاء على الفيروس، عبر اتباع إرشادات الدولة والبقاء في المنزل، والتباعد الجسدي والمكاني، وغسل اليدين والتعقيم بشكل مستمر.
إن الحملة التي أطلقت في الفترة السابقة وتدعو المجتمع بـ«خلك في البيت»، لاقت تفاعلاً كبيراً من المجتمع، وأسهمت في اتباع أعداد كبيرة من الأشخاص باللوائح والبقاء في المنزل، فشهدنا أماكن سكنها الهدوء، وهذا كله من أجل سلامة الجميع، لأنهم مسؤولون في هذه المرحلة، وعلينا التعاون من أجل الخروج من هذه المحنة بأقل الخسائر.
والالتزام هو دور وطني، وواجب حقيقي، ومسؤولية لا يمكن أن يتغافل عنها أفراد المجتمع، حتى يسهم الجميع بالسيطرة على الفيروس، وتعود الحياة إلى طبيعتها، وتنتهي أيام التحدي، لنتركها خلفنا، ونمضي معاً في استكمال رحلة النجاح.
الانتصار على «كورونا»
الدكتور جهاد عبدالله
رحلة علاج مريض «كورونا» طويلة تستغرق بين 14 و20 يوماً في غرف العزل الطبية، وعنوان تلك الرحلة الأمل والقوة للانتصار على المرض، ولمعرفة أسرار ما يدور داخلها، كان لقاؤنا مع د. جهاد عبدالله، استشاري الأمراض المعدية، مسؤول الإشراف على تشخيص المصابين وعلاجهم ومتابعة حالاتهم، الذي أكد أن أغلبية المرضى حالتهم سهلة، والنسبة الأقل تكون حرجة.
وقال: «يخضع المريض لرعاية متكاملة في غرف العزل الطبي، ولا يخالط أحداً، ويشرف الطبيب على علاجه بزيارته مرة صباحاً، ومتابعته على مدار اليوم، بالاتصال صوتاً وصورة، عبر خدمة ذكية، والممرضة تدخل 3 مرات لقياس علاماته الحيوية وإعطائه الدواء وإدخال الطعام، ومن ثم يكون التواصل عن بعد. وعند الدخول على المريض نرتدي اللباس الواقي، ونعرفه بخطة العلاج والمدة المستغرقة، وإجراءات الوقاية وغيرها من الإرشادات، وبالطبع تمنع الزيارة عنه. وخروج المريض من العزل، بعد شفائه، يمثل فرحة كبيرة للكادر الطبي والتمريضي وللمريض ولأقاربه، وللدولة أيضاً عند الإعلان عن عدد حالات الشفاء في الإحاطة الإعلامية. إن علاج المريض يعتمد على حصوله على ثلاثة أنواع من الأدوية، والإجراءات الاحترازية المتبعة في المستشفيات صارمة لحماية الكوادر من العدوى، عبر فريق متكامل في المستشفيات للتحكم بالعدوى، للتأكد من التزام الجميع بالمعايير وطرق الوقاية وشروط السلامة، وكل أسبوعين يجرى فحص الفيروس للكوادر».
الدكتور خالد لوتاه
وللتطوع عنوان آخر في أزمة «كورونا»، حيث يتهافت بعضهم على أن يكون ضمن فرق خط الدفاع الأول، ليقدموا يد العون للكوادر الطبية والتمريضية والإدارية في المستشفيات.
وقائد المتطوعين الدكتور خالد لوتاه، رئيس مجلس الشباب ومنسق المتطوعين في هيئة الصحة بدبي، يقول: «أنشأنا فريقاً من المتطوعين سواء من الكادر الطبي أو التمريضي أو الإداري، لتلبية احتياجات هيئة الصحة وتزويدها بالكوادر التي تدعم جهودها، ووصل عددهم إلى 3500 متطوع من أطباء وممرضين وفنيين وإداريين، وغطينا احتياجات الهيئة عبر تطوع 200 شخص في منشآت ومواقع مختلفة، فضلاً عن ذلك أنشأنا مركز اتصال لمتابعة القادمين من الخارج، سواء الموجودين في الحجر الصحي المنزلي، أو الحجر الصحي الفندقي، والاتصال بهم بشكل يومي للتأكد من التزامهم بالمعايير والإرشادات وحالتهم الصحية، وأجرينا ما يزيد على 20 ألف مكالمة».
ويواصل حديثه «وهناك 200 طبيب من القطاع الخاص متطوعون معهم، وملتزمون بالحضور بعد انتهاء عملهم الرسمي، وثمة متطوعون موجودون في الميدان كخط الدفاع الأول للتصدي للوباء». وعن رسالته للمجتمع، قال: «التعليمات الأخيرة التي صدرت في دبي بتكثيف عمليات التعقيم لمختلف المناطق والأحياء في المدينة، على مدار اليوم كاملاً، مع اتخاذ إجراءات مشددة لتقييد حركة الأفراد والمركبات في مختلف أنحاء الإمارة، يتوجب على المجتمع الالتزام لدعم جهود الدولة في هذا المسار، والتصدي للوباء والنجاح في البرنامج الوطني للتعقيم».
وعن التحدي، أوضح: «نواجه تحدياً كبيراً في التنسيق بين احتياجات القطاع الصحي وسلامة المتطوعين، فنحرص على سلامة المتطوعين كافة، مقابل أننا نشهد اندفاعاً كبيراً من أفراد المجتمع للمشاركة في التطوع وخدمة المجتمع، ودائماً نتأكد أن الشخص الذي سيتطوع يكون مناسباً ويحافظ على كل إجراءات الوقاية، ولديه الخلفية الطبية». وأكد أن «الجميع مدربون على التعامل الصحيح مع الأزمات، وكيفية حماية أنفسهم من العدوى، واتباع عناصر الوقاية، وارتداء الكمامات والقفازات عند وجودهم في الميدان».
الدكتورة نبيهة أحمد مولوي
أكدت د. نبيهة أحمد مولوي تعمل في قسم الطوارئ في مستشفى راشد التابع لهيئة الصحة بدبي، أن الكوادر الطبية في أقسام الطوارئ يعملون في خط الدفاع الأول للتصدي لفيروس كورونا. وقالت إن العمل مستمر في الطوارئ، والضغط كبير في الفترة الحالية في ظل تفشي كوفيد 19، وغالبية الحالات التي نستقبلها تكون مصابة أو مشتبهاً بها، ونحمي أنفسنا بالتسلح بالزي الواقي الكامل المخصص للأطباء الذين يتعاملون مع المرضى المصابين بالكورونا، خاصة أن سلامة الكوادر الطبية والتمريضية في المستشفيات مطلب رئيسي.
وأوضحت أن على المجتمع دوراً كبيراً في دعم الأطباء، من خلال الاستجابة لتعليمات الجهات الصحية، عبر البقاء في المنزل، والابتعاد عن التجمعات والتباعد الجسدي والمكاني، لمساعدة المستشفيات وأقسام الطوارئ في احتواء هذا الوباء.
دائرة الخطر
الدكتور فؤاد قاسم
من جهته، قال الدكتور فؤاد قاسم، ممارس عام في مركز «رايت هيلث» في المحيصنة بدبي: «أعمل مع فريقي في الخطوط الأمامية، حيث تتمثل مهمتنا بتقييم كل مريض وتحديد المشتبه في إصابتهم أو المصابين فعلاً، وإخضاعه للفحوص، ومتابعة الإجراءات الضرورية للتعامل مع الحالات المصابة وفق المعايير التي تعتمدها الجهات الصحية المعنية في دولة الإمارات».
وعن رسالته للمجتمع، يشرح: «لا يمكننا مساعدتكم ما لم تساعدوا أنفسكم في المقام الأول، فلا يزال هناك أشخاص مستهترون ولا يتعاملون بالجدية المطلوبة التي تتماشى مع خطورة هذا الفيروس، حيث إنهم لا يحرصون على تعقيم أيديهم بشكل دائم، والعناية والاهتمام بنظافتهم الشخصية، ما يعرضهم للإصابة بسهولة، ويعرضون حياة الآخرين للخطر، ويقوضون الجهود الحثيثة التي تبذلها دولة الإمارات لاحتواء هذا الوباء الفتاك، وعدم تعاون مثل هؤلاء يضعنا جميعاً في دائرة الخطر». وأكد أنه «في ظل التفشي السريع لهذا الوباء في مختلف أنحاء العالم وخروجه عن نطاق السيطرة، كما رأينا في بعض البلدان الأخرى، فقد اتخذت الحكومة الرشيدة لدولة الإمارات، منذ البداية خطوات فعالة جدية أسهمت في تقليل انتشار الوباء، وهي تبذل أقصى جهودها لمساعدة قطاع الرعاية الصحية على السيطرة على هذا المرض الفيروسي الفتاك والحد منه».
الدكتور أحمد المرزوقي
أكد د. أحمد المرزوقي، أخصائي طب وجراحة العيون (تخصص دقيق في شبكية العين)، أنه عند مخاطبة زملائه الأطباء في الإمارات لمعرفة هل هم بحاجة إلى أطباء وجد أن لديهم اكتفاء، فقرر البقاء في ألمانيا، لأن زملاءه الألمان كانوا بحاجة إلى الدعم، واختار الاستمرار في العمل والعطاء في ظل الظروف القاسية وتفشي الوباء. وقال: «نتبع كل الإجراءات الاحترازية لحماية أنفسنا من الفيروس، ولكننا معرضون للخطر، لأن طبيب العيون لا يستطيع الفحص وترك مسافة مترين بينه وبين المريض، ومع ارتدائنا اللباس العازل فإن هناك احتمالية لنقل العدوى، ولكن رغم ذلك يجب أن نستمر في تقديم الدعم الطبي للمرضى، لأن هناك حالات طارئة. وتعرضت زميلة معنا في القسم للعدوى، وأبلغتنا بإصابتها، فتوجب علينا إجراء الفحص للتأكد أننا غير مصابين، وثبت خلوي من المرض، واستمررت بالعمل، فالإجراءات في ألمانيا لا تفرض علينا نحن الكادر الطبي البقاء في الحجر لمدة أسبوعين في حال مخالطة شخص مصاب».
الدكتور عبدالله الهلالي
أما د. عبدالله الهلالي، تخصص الطب النفسي، فرأى أن من الواجب عليه الالتزام بعقده مع المستشفى، وإكمال رحلة تقديم الخدمات الطبية لمرضاه، فضلاً عن دعم الكادر الطبي الألماني الذي يعاني كثافة في أعداد الإصابات. وقال: «تعاملي ليس بشكل مباشر مع مرضى كورونا، لكن العمل في محيط المستشفى واستقبال المرضى المراجعين قد يسهم لا محالة بتعاملي مع شخص مصاب، لكن في ظل الإجراءات الاحترازية واتباع شروط الوقاية أحمي نفسي من العدوى».
المتتبع للأخبار العالمية، سيرصد أن الفيروس قضى على عدد من العاملين في المجال الطبي، ومنهم طبيب مصري، ومن ضمن الضحايا الطبيب ليانغ وودونغ، الذي عاد من التقاعد لمواجهة الفيروس، والطبيب الصيني لي وينليانغ الذي اكتشف الفيروس وحذر منه، وحصدت أرواح أطباء في الفلبين وإيطاليا وفرنسا وفي إسبانيا وإيران.
الدكتور خليفة المقبالي
اختار 7 أطباء إماراتيون البقاء في ألمانيا، بعد قرار دولة الإمارات بعودة جميع رعاياها في ظل تفشي وباء كوفيد19، ليدعموا الكادر الألماني، في ظل الاحتياج الكبير للمستشفيات لجميع الكوادر، فكانت مسؤوليتهم الأخلاقية أن يبقوا في صف واحد معهم. وأكد د. خليفة المقبالي، المتخصص في الطب النفسي، أن قرار البقاء في ألمانيا كان سريعاً، بعد تشاور الأمر مع المسؤولين في الجامعة، ورؤيته لحجم الأزمة في ألمانيا، وقال: «عند العمل في قسم الطوارئ أتعامل مع مرضى كورونا مباشرة، فثمة حالات رصدت عبر أقسام الطوارئ، ونتبع إجراءات خاصة للتعامل مع المرضى، سواء بتقديم الرعاية الطبية لهم، وآلية حماية أنفسنا من العدوى، بارتداء اللباس الواقي والكمامات والقفازات والتعقيم، وغسل اليدين بشكل مستمر، واتباع الإرشادات المتعلقة في كل الكوادر الطبية للوقاية». وأضاف: «منذ انتشار الوباء، بدأنا بالتطبيب عن بعد في عيادة الأمراض النفسية، واستقبلت حالة لإحدى المريضات تعاني قلقاً وخوفاً حاداً من الذهاب لتسوق المواد الغذائية، ولا تستطيع الخروج من المنزل، وتعيش حالة هلع، واضطررنا أن نرسل لها شخصاً للمنزل، لدعمها والخروج للتسوق معها، وإرشادها بالتعليمات الصحيحة لتحمي نفسها من الفيروس».
*الصور من المكتب الإعلامي لحكومة دبي
يتوجب على المجتمع الالتزام لدعم جهود الدولة والتصدي للوباء والنجاح في البرنامج الوطني للتعقيم