مجلة كل الأسرة
12 مايو 2020

إنعام كجه جي تكتب: اذكروا محاسن «كورونا»

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

أسمعكم تستعيذون بالله وتقولون: وهل للوباء محاسن؟
والجواب هو أنني كائنة متفائلة. وأنتم تعرفون حكاية نصف الكأس الملآن، ونصفه الفارغ. لذلك فلابد وأن يكون لكل جائحة حكمة، أو لكل حادث حديث. والحديث اليوم عن ذلك التعاطف الذي نبع فجأة من داخل النفوس. وليس المقصود به سخاء الدول والحكومات ولا الجسور الجوية الممتدة بين البلدان الغنية والفقيرة، ولا السفن عابرة المحيطات الآتية من الصين والمحملة بالكمامات وأردية الوقاية الطبية.

كلامي عنك وعن جارتي وجارتك وعن أصدقائي وأصدقائك. عن البشر الذين يسألون عنك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويبعثون الرسائل النصية والصوتية للاطمئنان عليك، ويرسلون مختلف الأخبار المفيدة في طرائق التحصن ضد الفيروس، ويقترحون أشغالاً يدوية أو كتباً للمطالعة أو وصفات للطبخ. حتى الأغاني المتبادلة بين المعارف صارت أكثر مرحاً وبشاشة، ناهيك عن النكات ورسوم الكاريكاتير والتسجيلات الساخرة. 

نسخر من القاتل وهو يقتلنا. هذا هو ما نقدر عليه في المحنة التي لم تستثن شعباً دون آخر. نتسلح بالإيمان وباتباع تعليمات الوقاية ونستسلم لمشيئة هذا الكون الذي تحرسه عين لا تغفل. نقرأ عن المواطن الجزائري البالغ من العمر 99 عاماً والذي أصيب بالداء وتعافى منه. نفرح ونحن نتابع الإعلان الذي يجمع عدداً من المشاهير، بينهم ساحر الكرة محمد صلاح وهو «يشوت» فردتي الجورب في سلة الغسيل. نصيح «جووووول» جالسين على الأريكة وكأننا في ملعب فسيح. نتفرج على صور تلك الطفلة التي تعزف على الكمان في شقة بحجم قبضة اليد، تقيم فيها مع والدتها وشقيقتين. لا أحد يخرج من البيت، إذا اعتبرنا قبضة اليد بيتاً. 

يكتب لي أصدقاء روائيوون يكشفون لي أفكار رواياتهم التي هم بصدد كتابتها. منذ متى يصارح الروائي زميله بالموضوع الذي يشتغل عليه؟ كان كل واحد منا يتكتم على فكرته ويداري على ناره لكي تتوقد ويحرس نص روايته قبل النشر وكأنها مفاعل نووي يخشى عليه من هجوم الأعداء. إنه زمن جديد مختلف يجعلنا نطمئن لبعضنا البعض لأننا جميعاً في مركب واحد تتقاذفه أمواج «كورونا». 
ودروس المحنة كثيرة. نكتشف جانباً منها حالياً وستظهر لنا فصول إضافية في الآتي من الأيام. من كان يصدق أن تصبح الممرضة البسيطة بطلة هذا الموسم وتتفوق في الحسن على نجمات مسلسلات رمضان؟ هذا موضوع شائك آخر، نجمات مسلسلات العام الحالي، وقد أعود إليه في مقال مقبل.