المرجو ألا تطول فترة تفشي جائحة «كوفيد – 19»، وأن تنجلي غمتها التي غيرت الإيقاع المعتاد لحياتنا، بسبب إغلاق الكثير من الأماكن التي كنا نقصدها، لقضاء الحاجات أو ممارسة الهوايات أو تنمية القدرات، ناهيك بالطبع عن تعذر السفر ورؤية أماكن جديدة، وبتنا ملازمين لبيوتنا، لا نخرج منها إلا لقضاء الضروري من الحاجات، أو الذهاب للعمل لمن لم يتحولوا إلى العمل من المنزل. لكن هل ستعود حياتنا إلى ما كانت عليه بعد السيطرة التامة المأمولة على الوباء؟ أم أنه سيجري اعتماد بعض ما فرضته من تدابير كقاعدة في فترة ما بعد الجائحة، وبالتالي سيكون علينا، حينها، الفصل فعلياً بين مرحلتين: ما قبل «كوفيد – 19» وما بعده؟
لنبدأ من فكرة العمل من المنزل، وهو أمر لم يبدأ مع «كورونا»، لكنه اتسع جداً أثناءها، ولعل الكثير من المؤسسات لاحظت أن انتقال موظفيها إلى العمل من المنزل، لم يؤثر في مستوى الأداء ولا مخرجات العمل، وبالتالي فما الذي يمنع من أن يستمر كأسلوب متبع، لما يوفره على هذه المؤسسات من مصاريف كثيرة، كإيجار مساحات كبيرة لمكاتبها كي تضم كامل موظفيها، ناهيك عن علاوات المواصلات وما إليها؟ بطبيعة الحال سيكون مستحيلاً تعميم هذه القاعدة على جميع الأعمال، فالكثير منها لا يمكن إنجازه من المنازل، بل إن بعض هذه الأعمال ظلت مستمرة في ذروة تفشي الوباء في مختلف القارات والبلدان، لأن بتوقفها ستتوقف عجلة الاقتصاد عن الدوران.
كما أن الكثير من البلدان غير جاهزة للانتقال نحو العمل من المنزل، حتى في الأعمال التي يمكن أن تنجز منه، ورأينا أن أحد الأسباب التي جعلت بلداً مثل السويد لا يقدم على فرض الحظر الشامل على نحو ما فعلت بلدان أخرى، في مقدمتها بلدان أوروبية، هو جاهزية قطاعات كبيرة في الاقتصاد السويدي لأن تؤدى أعمالها من المنازل.
لكن قلقاً مشروعاً من أن يؤدي العمل المنفرد من البيت إلى فقدان البشر تدريجياً للألفة الاجتماعية التي توفرها بيئة العمل المشتركة، حيث يلتقي الموظفون بصورة يومية، وتنشأ بينهم زمالة وعلاقات صداقة، والخشية واردة أيضاً من أن يؤدي ما فرضته الجائحة من تحفظ في طريقة تعامل البشر فيما بينهم، فيكفوا عن الترحيب ببعضهم بالسلام بالأيادي أو بالأحضان أو القبلات، وهي أمور مألوفة لدى غالبية شعوب الأرض، وبالتالي يفقد البشر جانباً مهماً من الدفء الإنساني الذي اعتادوه.