لقد سمعنا منذ زمن بعبارة «البلدان الناشئة» حين نهضت بعض بلدان جنوب شرق آسيا واقتصت لنفسها جزءاً مما قدمته العولمة في أسواق الكوكب، لكنني سمعت مؤخراً، وللمرة الأولى، بعبارة «الأمراض الناشئة» حينما قرأت مقابلة مع الخبير الفرنسي جان فرانسوا غيغان، الاختصاصي في مجال التأقلم البشري مع التغيرات المناخية.
قال هذا الخبير إننا نشهد سنوياً ومنذ ثلاثين سنة تقريباً، ظهور أربعة إلى خمسة أمراض معدية ناشئة، أي جديدة، في العالم. وترجع هذه الأمراض إما إلى ظهور جسم مجهري مجهول لكنه كان موجوداً ومحصوراً في مناطق معزولة، مثل فيروس الإيدز أو فيروس إيبولا، أو إلى عودة أجسام مجهرية كنا نعرفها، كما بالنسبة إلى إنفلونزا الطيور أو الطاعون أو مرض النوم، هذا إضافة إلى نمو أنواع من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
والمقلق في الموضوع تسارع وتيرة ظهور هذه الأمراض واتساع انتشارها في السنوات الأخيرة. فقد كان وباء إيبولا مثلاً يصيب بضع قرى في إفريقيا الوسطى ما يعطي إمكانية محاصرته بسرعة، خاصة وأن هذه القرى كانت معزولة. وهكذا، فإن وباء إيبولا في العام 1976 طال نحو ثلاثة آلاف شخص على الأكثر، توفي سبعون بالمئة منهم. أما آخر أزمة بالوباء ذاته فقد شهدت انفجاره ليهاجم المدن ويصيب حوالي ثلاثين ألف شخص توفي ثلثهم. الجديد في الأمر إذاً هو سرعة انتشار الفيروس ودور المدينة كبيئة ناقلة وناشرة له.
ويبدو أن ما يجعل ظهور الأمراض الناشئة ممكناً هو تدخل الإنسان في الأماكن الطبيعية، كما يحدث في المناطق المدارية والاستوائية حيث يعيش عدد كبير جداً من أجناس الحيوانات التي قد تشكل خزاناً من الأجسام المجهرية. فحين تطرد هذه الحيوانات من بيئتها أو يتم أسرها وتربيتها كحيوانات أليفة، أو استهلاك لحومها، يمكنها أن تنقل فيروساتها إلى الإنسان كما حصل مع حمى إيبولا وفيروس الإيدز...
في كل مرة يكون الفيروس جالساً لآلاف السنين كالولد العاقل في الزوايا الأكثر عزلة من الغابات الإفريقية، لكن مع تنامي صناعة الغابات في الستينيات، تم شق الطرقات في أعماق هذه الغابات وانتظمت وسائل نقل تحمل العاملين في هذه المناطق منها وإليها. فزادت الاتصالات بالحيوانات البرية الحاملة للفيروس، ونقلها من أصيب به إلى المدن الكبرى وهكذا دواليك. هذا وجه من وجوه انتقال الفيروسات القديمة الجديدة، وثمة وجوه أخرى عديدة لا مجال لذكرها وكلها وليدة اعتداء الإنسان على أعماق الطبيعة. وإذا كنا لم نتداول بعد كثيراً عبارة «الأمراض الناشئة» فإننا مرجحون لسماعها أكثر فأكثر في المقبل من الأيام والسنين.