3 أغسطس 2020

د. هدى محيو تكتب: «التخفيف» عن الأرض

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: «التخفيف» عن الأرض

«لقد أصبحنا كثيري العدد إلى حد لا يطاق، حتى أن الأرض صارت بحاجة إلى وباء كورونا حتى نخف عنها وعن الطبيعة قليلاً».

هي جملة سمعتها من أحدهم في أوج موجة انتشار فيروس «كورونا»، جملة يبتسم المرء لخفة عقل قائلها ويقشعر بدنه لمجرد تخيلها. فهل يظن القائل أن فيروسًا حين يجتاح الأرض كما يتمنى سيطال الآخرين وحسب؟ ينسى الناس بسرعة الضوء أوبئة التاريخ الكبرى ويتخيلون دائمًا أن «الآخرين» هم الذين سيموتون، سواء أكانوا في بلدان أخرى أو حتى في شارع آخر من المدينة ذاتها أو شقة أخرى من المبنى ذاته ولا يتخيلون أن الموت قد يطالهم هم وأهلهم وأولادهم.

صحيح أننا نسمع علماء السكان يقولون إن الأرض لا يمكنها أن تحتمل إلا مليارًا من البشر، في مقابل ثمانية مليارات قريبًا. لكن «حتى نخفف عنها قليلاً»، كما قال «صاحبنا» لن يكفي وباء الـ«كورونا» لأنه ينبغي التخلص من سبعة مليار شخص، والـ«كورونا» لا يقتل «إلا» شخصًا واحدًا من أصل خمسين مصابًا. كما أن أفظع وباء في كل الأزمنة، وهو وباء الطاعون، لم يقتل أيامها «سوى» ستين بالمئة من المصابين. 

أما الطبيعة التي يتذرع بها القائل فهي ستستعيد حقوقها عاجلاً أم آجلاً، إذ يبدو أنه في حال انقراض الجنس البشري لن يبقى منه أثرًا يخبر عنه وعن مروره على الأرض بعد ثلاثة ملايين سنة، ولا حتى أعظم منشآته. قد تبدو ثلاثة ملايين سنة فترة طويلة، لكن بالنسبة إلى الكركند القابع في أعماق البحار منذ ثلاثمئة مليون سنة، ستكون مجرد رمشة عين في سيرته التاريخية. فقد كان الكركند على الأرض قبل الشجر وأول أنواع الصنوبر قد ظهر منذ مئة وخمسين مليون سنة... معلومات مذهلة تدعو إلى التواضع والتفكر. 
ثم من لا يريد سبر أغوار التاريخ، ما عليه سوى النظر إلى حدائق المنازل، يكفي أن نتركها مهملة لأسبوعين حتى نراها قد تحولت إلى «أدغال». باختصار الطبيعة غير قلقة على نفسها، فهي تنتظر بهدوء ساعتها ولا تشك لحظة أنها تملك كل الأوراق حتى تستعيد قوتها متى شاءت. ولو كان للطبيعة إدراك ووعي لضحكت منا ومن انشغالاتنا التافهة وحروبنا ونقاشاتنا الجدباء. 

لدينا واجب إزاء الطبيعة نابع من واجبنا إزاء أنفسنا والمحيطين بنا من قريب ومن بعيد. من واجبنا أن نجعل عالمنا قابلاً للعيش والاستمرار، مفعمًا بالجمال والتعاون والمحبة، قليل التلوث والضجيج... بهذه الطريقة نخفف عن الأرض لا بنوازع إجرامية تتمنى زوال سكانها عنها.

 

مقالات ذات صلة