أطفال اليوم منهكون بمتطلبات آبائهم التي ترهقهم أكثر مما تفعله بهم تطورات الحياة والمسؤوليات الكبرى التي تلقى على عواتقهم في أعمار مبكرة، ولم يعودوا يجدون فرصة للاستمتاع بطفولتهم لأنهم غير قادرين على التوقف عن تلبية طموحات آبائهم أو العودة لممارسة طفولتهم كما يجب، فهم إن توقفوا عن السعي وراء تحقيق أهداف آبائهم العظيمة سيخسرون كثيراً، وإن تمادوا في الاستمتاع بهذه الطفولة لن يعثروا على مكان في أعلى القمة التي تزدحم بسرعة بمن وصلوا إليها قبلهم.
ورغم أهمية قيمة المنافسة وضرورة تشجيعها في نفوس الصغار كي تعزز لديهم معنى العمل والطموح والسعي في هذه الحياة بكل ما هو إيجابي ونافع، لكن الأطفال ليسوا جميعاً لديهم القدرة على المنافسة أو الوقوف في مواجهة التحديات، ولا يتشابهون في الإمكانات التي تسمح للبعض منهم بالفوز في معركة النجاح وتمنع الآخرين عن التقدم فيها خطوة.
ويعجز معظم الأفراد عن القيام بما يقوم به غيرهم أو حتى في تقليدهم وإن كانوا من نفس العمر أو المستوى العائلي أو البيئة لأي سبب من الأسباب.
فقد يحصل طفل نال درجات كاملة في المدرسة والجامعة على وظيفة عادية تؤمن له حياة هادئة مستقرة، بينما سينجح طفل آخر ماهر في لعب كرة القدم بالوصول إلى شهرة تلفت أنظار العالم بمجرد أن يلعب مباراة واحدة يستعرض فيها مهاراته الشخصية.
وتدفع المحبة الأبوية ورغبة كل أب وأم رؤية أطفالهما يحصدون أعلى الدرجات العملية ويتبوؤون مراكز عالية ويحتلون مواقع مهمة لتحفيزهم على المنافسة بكل ما يملكون من وقت وقوة، ولا يتوقفون عن مقارنتهم مع من في سنهم وبالنجاحات التي يحققونها فتمتلئ عقولهم وقلوبهم بهموم الذعر من الفشل وبأنهم إن لم يحققوا النجاح الذي حققه غيرهم ولم يتمكنوا من إرضاء والديهم فلن يتمكنوا من الاستمتاع بحياتهم في أي يوم بعد ذلك.
ويبدو أن اختلاف معايير النجاح والفشل في عقول بعض الآباء قد جعلتها أكثر صعوبة على تلك النفوس الصغيرة، فحولت حياتهم وتطورهم النفسي والإنساني إلى أزمة معاشة في كل يوم في حياتهم، وأصبحت الشهرة والثراء السريعان هما محك هذا النجاح فإن نالهما فقد حقق كل الرضا، وإن عثر عليهما سيتوجب عليه المحافظة على ما وصل إليه والعمل بكل ما يملك من طاقة لتحقيق ذلك وأن يخوض حرباً ضروساً لحماية مكانته من أطماع الآخرين، وإن لم يعثر عليهما ولم يحققهما مبكراً فهو فاشل في نظر أبويه وعائلته ومعارفه والمجتمع الذي يحيط به ومضرب الأمثال في الشخص الذي لم يحقق شيئاً في حياته ولم يسع للنجاح !
وينسى الآباء حجم المخاطرة والهوة التي ينزلق فيها أطفالهم عند مقارنتهم بمن هم في سنهم، فهم سيدفعون طفلاً لديه قدرة أو إمكانات محددة لمحاولة تقليد آخرين بما لا يملكه وإن لم يحقق النجاح وصم بالفشل وقضي بذلك على رضاه عن نفسه. وينسون خطر الاكتئاب والصراع مع النفس وجلد الذات الأشد فتكاً بالإنسان من الأوبئة المرضية، فهما ينخران القلوب التي إن مرضت لن تعالجها الحقن أو الأدوية الطبية.
اقرأ أيضًا:
احذروا هذه الأخطاء عند الخلاف مع الأبناء