خرج المواطن الأسترالي نويل أتكنسون من منزله بعد أن تجاوزت الساعة الحادية عشرة مساء ضارباً بعرض الحائط حظر التجول المفروض بسبب جائحة «كوفيد -19» فتلقى مخالفة بقيمة ألف وستمئة دولار حررها له رجال الشرطة المتيقظون لمتابعة المخالفين أمثاله. وقد لا يلفت خبر تحرير مخالفة بقيمة 6067 درهماً الانتباه أو الاستهجان لأنها مخالفة تتعلق بكسر الحظر المفروض على التجول في أستراليا في ظل انتشار وباء «كورونا» وهو مفروض عالمياً لحماية أرواح الناس والحفاظ عليها، لكن ما سيثير الاستغراب السبب الذي سيدفع عامل بناء يبلغ من العمر 48 سنة لأن يضرب بعرض الحائط قوانين دولته وبأن لا يفكر بنتائج مخالفة الحظر المفروض ليلتها، على الرغم من علمه بأن أقل مخالفة ستؤثر فيه مادياً، فما بالك إن كانت قيمة المخالفة أضعاف ما يحصل عليه لقاء عمله المضني؟
لقد جاء في الخبر الذي نشرته الصحف بأن الأسترالي نويل أتكنسون، قد خرج ليلتها من منزله مخالفاً الحظر المفروض وقاد سيارته لأكثر من 32 كيلومتراً لأنه شعر فجأة بالرغبة في تناول طبق «الدجاج الهندي المطهو بالزبدة»، وهو عبارة عن دجاج متبل ومنقوع باللبن والبهارات المشكلة ومطبوخ مع مكون رئيسي وهو الزبدة، والبصل، والزنجبيل، والطماطم والقرفة والكركم والمضاف إليها بهارات الماسالا الهندية ذات النكهة القوية.
وهذا الطبق الذي يشتهر به المطبخ الهندي، قد لا يصل رقم عشاقه للرقم الذي يحتله طبق البرياني بشكل عام، لكن رغبة أتكنسون بتناوله ليلتها جعلته لا يبالي بمعنى المخالفة بل ولا يهتم بما يمكن أن تتسبب به هذه الرغبة في ظل الحظر المفروض، ولا يتردد في الخروج من منزله ليلتها وقيادة سيارته لأكثر من 32 كيلومتراً ليصل إلى المطعم الذي يقدمها.
وبعد انتشار القصة على تويتر، نال هذا الطبق شهرة تفوق الحد، بل وتلمظ بعض النباتيين معبرين عن شغفهم بتذوق الطبق لمعرفة ما الذي قد يجعل شخصاً ما يخالف القوانين من أجل تناوله. وحينما علم صاحب المطعم الذي كان نويل أتكنسون يقصده ليلة حصوله على المخالفة المرورية بما حدث لنويل قرر إهداءه بما يعبر عن امتنانه لقيامه بمخالفة القوانين لأجل طبق يقدمه في مطعمه، ناهيك عن الشهرة التي سينالها هذا المطعم إثر انتشار هذا الخبر في العالم، وكانت هديته عبارة عن تقديم طبق الدجاج بالزبدة لنويل مجاناً ولمدة عام كامل.
وما لم يقرأه الكثيرون في الخبر، أن نويل أتكنسون قد نشأ في أسرة كانت تتناول الأطباق الهندية بشكل يومي، لأن والدته من أصول هندية، وهو ما جعله ينقاد وراء رغبته الجامحة ليلتها لتناول الطبق والذي ربما سينعش ذاكرته ويعيد له لحظات حميمية كانت تتجسد في مطبخ والدته مع روائح المأكولات التي تستثير المشاعر وتملأ قلبه بالدفء والحنان.
إن ذاكرتنا مصنوعة من تفاصيل صغيرة، نعيشها خلال مراحل مختلفة من أعمارنا، تجعلنا نعتقد بأن الكثير منها سيغيب مع انتقالنا من مرحلة عمرية إلى أخرى، لكن الحقيقة تقول غير ذلك، فقد تدفع ذكرى طبق لذيذ كان يوضع على مائدة العائلة، رجلاً مثل نويل أتكنسون بدفع مخالفة كبيرة لمجرد استرداد تلك اللحظة ولو لمرة.