سبعة مليارات إنسان يتطلعون إلى لقاح ينقذهم من هذا الوباء الذي لا يعترف بالحدود الجغرافية. «كورونا»، على كثير علاته وتوحشه، هو النموذج الناصع للديمقراطية. لا يميز بين رجل وامرأة، ولا كبير وصغير، ولا أسود وأبيض، ولا فقير وغني، ولا طيب وشرير، ولا مؤمن وكافر. إنه يسوط الجميع بسوط لا يرحم. يختار ضحيته ويسوقها إلى القبر دون أن يمنحها فرصة وداع أحبابها أو الخروج بجنازة لائقة.
مليارات البشر يريدون اللقاح. وهو ما يتسابق إليه علماء في أمريكا وبريطانيا والصين وروسيا وألمانيا. أين موقعنا إزاء البشرية؟ نعرف أن هناك هوة علمية عميقة بين دول عرفت التصنيع منذ قرون وبين دول بقيت متخلفة لأكثر من سبب، منها الاستعمار الذي لم يكن يجد فيها سوى مصدر للثروات التي يستولي عليها لكي تستمر عجلات مصانعه بالدوران. عشنا عمرنا ونحن نشتم الاستعمار ونثور ضده ونتغنى بالتحرر منه. وها قد تحررنا وامتلكنا ثرواتنا، فماذا نحن فاعلون؟
قلائل هي الدول التي امتلكت الحكمة لتخصيص جانب مهم من مواردها في خدمة تعليم أبنائها. ولعل بلدان الخليج خير مثال في هذا التوجه. لكن دولًا عربية وإفريقية ولاتينية أخرى، حبتها الطبيعة نفطًا وغازًا وذهبًا وقصديرًا وفوسفات وأراضي خصبة ومياهًا وثروة سمكية، بددتها في النهب والفساد والرشاوى وسوء الإدارة. خرج الاستعمار الأجنبي من هنا فأخذ استعمارنا المحلي مكانه. ألم يكن أولى بمختبرات دولة مثل العراق، على سبيل المثال، أن تخوض سباق العثور على لقاح للفيروس الخبيث وغيره من العلل؟
ما يوجع القلب أن مستشفيات أوروبا والولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا واستراليا تمتلئ بالكفاءات الطبية العراقية والمصرية والسودانية والسورية واللبنانية. تتعسر المعيشة في مساقط الرؤوس فيهاجرون إلى حيث الأمان والرزق الحلال. والأمان قبل الرزق.
إن «كورونا» نقمة على البشرية وهي أيضًا درس لمن يريد أن يفكر ويفهم ويستوعب. والدرس واضح لكنه ليس بسيطًا. فالدول التي تمنح الطمأنينة لشعوبها وتيسر لهم فرص الدراسة والعمل هي وحدها التي ستبقى على الخريطة الحضارية للمستقبل. وهو درس فهمته «إسرائيل» التي تعادينا منذ دهر، واختارت العلم سلاحًا من أسلحة نزاعها مع العرب. واليوم يذهب الفلسطينيون للعلاج في مستشفياتها.
نعم، هو كلام موجع. لكن هذه الجائحة العاتية تفرضه علينا. وعولمة «كورونا» هي آخر موضة في استعراض العولمة. فالشعوب لا تستطيع العيش منعزلة إزاء الكوارث. وهو زمن تأجيل النزاعات والالتفات إلى بناء المنظومة التعليمية، وقبلها المنظومة التربوية. أي تربيتنا التي تجعلنا ننفر من الغرب «المتهتك الكافر» في حين أننا نحتاجه في كل مناحي الحياة وأولها العلاج. كلام موجع. نعم. لأنه حقيقي.