30 أغسطس 2020

إنعام كجه جي تكتب: أجل عمل اليوم إلى الغد…

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: أجل عمل اليوم إلى الغد…

علمونا منذ الصغر ذلك المثل الذي يقول: «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد». وكان من حظي أنني تربيت في كنف أب يقدس الواجب ووالدة تدور في البيت مثل النحلة لتأدية عشرات المهمات المطلوبة من الأم وربة المنزل. وهكذا نشأت على التنظيم في المواعيد، وعلى المذاكرة اليومية، وعلى اعتبار ساعة المعصم أهم حلية للبنت وللولد على السواء.

والآن، بعد كل هذا العمر الذي أفنيته في الكد والاجتهاد، يطلع علينا العلماء بنظرية تقول إن أكثر الناس سعادة هم من يؤجلون عمل اليوم إلى غد. إنهم يتساءلون: «لماذا على المرء أن يحشر نفسه في استكمال واجب يمكنه أن يستكمله بعد يوم أو يومين أو عشرة؟» هناك، في داخل كل منا، زاوية ينبعث منها صوت مشاغب خافت يحثنا على التأجيل وعلى ترك العمل لإنجازه في الساعات الأخيرة.

الدراسة العلمية التي بين يدي تلاحظ أن 50 في المئة من الناس لا يجدون غضاضة في المماطلة لمدة ساعة في اليوم. أما من يماطلون في تأدية العمل المطلوب منهم لأكثر من ساعتين فإن نسبتهم أقل ولا تزيد على 22 في المئة. لكن بفضل انتشار التقنيات الجديدة، كالهواتف الذكية، وغيرها من مغريات تشتت الذهن مثل مواقع التواصل الاجتماعي، فإن نسبة من سيماطلون ويؤجلون أعمالهم ستصل إلى 300 في المئة خلال الأربعين سنة المقبلة.

في انتظار حلول «زمن الكسالى»، نشرت باحثة الفرنسية ديان بالوناد رولان، كتاباً بعنوان «سأتوقف عن المماطلة»، وفيه تضع للقارئ برنامجاً يستغرق 21 يوماً فحسب، أي 3 أسابيع، للتوقف عن تأجيل الواجبات حتى اليوم التالي. والسيدة رولان أستاذة جامعية متخصصة في دراسة علاقة الإنسان بالوقت. لكن الخبراء في الطب النفسي يرون أن المماطلين هم أكثر استرخاء وهدوءاً من أولئك الذين يعبدون عقارب الساعات. وهناك متخصص يدعى دافيد داكنفيل، يتولى منذ 10 أعوام تنظيم دورات ربيعية لتدريب أولئك المصابين بوسواس الواجب، لكي يتعلموا فوائد الكسل و«التطنيش». ولا تستغرق كل دورة أكثر من يوم واحد، وهي لا تخلو من المرح والفرفشة. وفيها يتعلم المشارك أن التماهل مفيد؛ بل ضروري للصحة. وهو علاج للضغط العصبي وللتحرر من «ديكتاتورية الطوارئ».

وهناك فيلسوف أمريكي اسمه جون بيري، طلع علينا بكتاب عنوانه «فن تأجيل عمل اليوم إلى غد». وبلغ من نجاح الكتاب أنه ترجم إلى 20 لغة. ويشرح لنا المؤلف أن التأجيل مفيد في إنضاج القرارات والمشاريع ويسمح بتطويرها وإغنائها.
وتضرب لنا الطبيبة النفسية مارتين تياك أمثلة من العظماء الذين اشتهروا بالمماطلة، ومنهم الفنان ليوناردو دافنشي. فهو قد بدأ برسم «الموناليزا» في عام 1503، لكنه لم ينته منها إلا في 1519. أما اسحق نيوتن، فإنه كان مستلقياً بمنتهى الكسل تحت شجرة تفاح، حين سقطت عليه ثمرة ناضجة ألهمته نظريته الشهيرة عن الجاذبية الأرضية. وحتى ستيف جوبز، مؤسس شركة «أبل»، فإنه كان من مؤجلي عمل اليوم إلى غد.
بعد كل هذه «المنغصات»، أجد نفسي أتساءل: لماذا لم يتحفنا العلماء الأفاضل بهذه المعلومات منذ أن كنا في أول العمر؟ وماذا ينفع العلم بالشيء بعد أن استيقظنا آلاف الصباحات على إزعاج رنين المنبه؟