لم يكن انخراط المرأة الإماراتية في قطاع الفضاء بالصدفة، بل نتيجة تحصيلها العلمي واختصاصاتها المتنوعة التي أمكن توظيفها في مشاريع رائدة ومنها مشروع مسبار الأمل، وهو مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ.
وإن حمل مشروع مسبار الأمل في طياته نجاحاً نسائياً باهراً أضيف إلى سجل إنجازات المرأة في الدولة، فإن الحديث عن كون 80% من الفريق العلمي الخاص بالمشروع هو من النساء وعن نسبة 34% من المشاركة النسائية في هذا المشروع ومن مختلف التخصصات يعكس واقعاً للتوازن المطلوب بين الكفاءة ومتطلبات المشروع، بغض النظر عن ذكر وأنثى.
الفريق الإماراتي يتابع الإطلاق من مركز "تانيغاشيما"
في تحقيقنا، نرصد حكايات إماراتيات شاركن في الإنجاز وثابرن واجتهدن وأصررن أن يحلقن في الفضاء ويحققن رؤية الشيخ زايد ، طيب الله ثراه ، وحلمه في الوصول إلى الفضاء إثر استقباله لوفد وكالة «ناسا» بعد مهمة «أبولو» ووصول الإنسان إلى سطح القمر.
هيام البلوشي
"أفخر بعملي مع مجموعة من المهندسات في مشروع مسبار الأمل"
لم يكن طريق هيام البلوشي، مهندس أول تصميم وضبط جودة في وكالة الإمارات للفضاء، ممهداً بالورود إذ اصطدمت بنسبة في الثانوية العامة أحبطتها وأثنتها عن أن تكون «جراحة قلب» رغم تفوقها الدراسي.
تروي «آنذاك، اصطحبني والدي إلى المعهد البترولي الذي فتح للمرة الأولى أبوابه للفتيات حيث تخصصت في الهندسة الميكانيكية، وبعد تخرجي تم اختياري من الوكالة الأمريكية للفضاء «ناسا» من بين 3000 طلب للمشاركة بأبحاث تقوم بها الوكالة، وأمضيت 6 أشهر في مركز «ناسا» للبحوث بكاليفورنيا».
«هذه التجربة زرعت بذرة حب الفضاء في قلبي»، تقول البلوشي، لافتة إلى أن «دراستي ساعدتني في إرساء أساسيات القيام بمهامي في الوكالة التي تقوم بتنظيم وتنسيق قطاع الفضاء في الدولة وبناء كوادر وطنية تساهم في تطويره».
تعتبر البلوشي المعوقات «فرصاً للتعلم والتطوير» وترصد بصمتها الأبرز «أفخر بعملي مع مجموعة من المهندسات وهن مثال يحتذى في مشروع مسبار الأمل، وفي عام 2018 كتبت ورقة علمية تتناول تمكين في الدولة في قطاع الفضاء والطيران عرضت في مؤتمر عالمي حيث تفاجأ الحضور بأن نسبة العاملين من النساء على مسبار الأمل يبلغ 34%، في وقت كانوا يؤكدون أن نسبة النساء في أي مهمة فضائية في أمريكا تكون من 11 إلى 15%، ما يعكس ثقة قادة الإمارات بنا و الدور المهم لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات» التي بذلت كل جهد ليكون للمرأة الإماراتية دور فاعل في كل قطاع في الدولة».
عائشة شرفي
"لحظة إطلاق مسبار الأمل كانت «لحظة غريبة»"
لم تكن المهمة سهلة لمهندس نظام الدفع في مشروع مسبار الأمل عائشة شرفي، التي انضمت لفريق العمل في مركز محمد بن راشد للفضاء عام 2014 بعد تخصصها في مجال الهندسة الكيميائية، حيث يرتكز هذا النظام على تزويد المسبار بالوقود والقوة اللازمة للتحكم في سرعته ومساره نحو المريخ.
لم ينته عمل شرفي بإطلاق مسبار الأمل إذ لا تزال تتواصل مع المسبار «عبر الأجهزة المزود بها»، «نستطيع الحصول على معلومات عن صحة الأنظمة على المسبار للتأكد من الحرارة والضغط كما رصد مراحل العملية وما تم منها ونقوم بتحاليل للتأكد أن عملية تعديل المسار تمت بالشكل المتوقع له ومعرفة كمية الوقود المستهلك في العمليات التي يتم فيها استخدام المحركات».
فرحة الفريق الإماراتي بنجاح إطلاق القمر الصناعي
ترصد البصمة الأبرز في مسيرتها «مسبار الأمل هو أول مشروع لمركز محمد بن راشد للفضاء يتضمن نظام دفع كيميائي للتحكم في مسار المسبار ودخول المدار باتجاه المريخ، حيث أن أغلبية المشاريع الأخرى لم تكن تستخدم نظام الدفع لكونها مشاريع أقمار صناعية تدور حول الأرض. كان بالنسبة لي تحدياً من نوع آخر لأنه كان يتوجب العمل على نظام لم يكن قائماً ولم نكن نمتلك الخبرة الكافية».
تتوقف شرفي مطولاً عند لحظة إطلاق المسبار «كانت «لحظة غريبة» ومشاعر متضاربة بين خوف ورهبة استشعرنا خلالها المسؤولية الملقاة على عاتقنا وأنظار العالم على الدولة، بعد سنوات من العمل وفي ظل تحديات واجهتنا».
خلود الهرمودي
"لدي روايتي الخاصة التي أسردها لأبنائي"
الصدفة وحدها قادت المهندسة خلود الهرمودي، خريجة هندسة الكومبيوتر، إلى دخول قطاع الفضاء لتكتشف «أنه مجال مختلف، بعيد من الروتين ويطل بك على مواجهة تحديات مختلفة تساعدك في أداء مهامك اليومية».
تواكب الهرمودي، نائب مدير المشروع لقطاع ضمان الجودة والشؤون اللوجستية، دورها الإشرافي على تطبيق نظام ضمان الجودة حسب المعايير العالمية خلال جميع مراحل تصنيع مسبار الأمل إلى الإشراف على سلامة المسبار خلال مراحل التصنيع واختباراته وتواجده في المختبرات الخاصة إلى أن يتم نقله إلى مرحلة الإطلاق.
هذا الدور ليس سهلاً وبالأخص قبل مرحلة الإطلاق، «هذا المشروع على مدى 6 سنوات تطلب منا مجهوداً والتزاماً كبيرين، وتركز دوري على تأمين سلامة المسبار قبل نقله إلى اليابان وسبق الخطوة الكثير من التخطيط، التجهيز، و اجتماعات مسائية تعقد في وقت متأخر مراعاة لفارق التوقيت بين الإمارات وأمريكا ولضمان أن كل شيء يسير على ما يرام، إلى جانب تحديات أزمة «الكوفيد» التي لم تثننا عن استكمال المسار».
كانت الهرمودي أمام تحد تمثل بالأسفار المتعددة التي تتطلبها المهمة رغم أنها أم لطفلتين «لم يكن أمراً سهلاً، أنجزنا كل متطلبات المهمة من أسفار واجتماعات وعمل دؤوب. من البديهي أن تؤثر تلك الضغوط في الحياة الشخصية، ولكن الدعم قائم من الأهل وزملاء العمل، ويخفف عني سؤال ابنتي ذات الأربع سنوات عما إذا كنا نذهب نحن بأنفسنا للفضاء».
شعور بسعادة الإنجاز مضاعف لسببين «أليفين» إذا صح القول وهما «النجاح في التغلب على تحديات على الصعيدين المهني والشخصي والشعور بالسعادة أن لي بصمة في تاريخ دولة الإمارات ولدي روايتي الخاصة التي أسردها لأبنائي كوني جزءاً من الحدث».
نورة الجناحي
«مسبار الأمل» حفز الإماراتيات على اقتحام كل التخصصات
دخلت نورة عقيل الجناحي قطاع الفضاء عن سابق تصور وتصميم «كنت أعرف أنه مجال جديد، ما ولد لدي دافعاً لخوضه لأعرف ما أستطيع أن أعطيه كما الاستفادة من خبرات لنقلها للأجيال القادمة».
حازت الجناحي بكالوريوس في إدارة الموارد البشرية وماجستير في إدارة الأعمال «يوم انتسبت للمركز عام 2012، لم يكن هناك الكثير من الموظفين وبحكم أني لست مهندسة، كان من الممتع دخول المجال بخبرات إدارية».
هي ضابط أول قسم إدارة المشاريع-إدارة التطوير المؤسسي في مركز محمد بن راشد للفضاء- «تتركز طبيعة عملي على تلبية احتياجات المشاريع من موارد لتنفيذ الأعمال ومتطلبات المشاريع وإشراك الموارد البشرية المناسبة في فريق المشروع وفق الاحتياجات والمؤهلات المطلوبة إلى جانب تنسيق الموارد البشرية داخل المركز بين المشاريع للإنجاز وعدم التأخير في جدول المشروع».
تؤكد الجناحي الدور المحوري للنساء في هذا المشروع «أنجزن وثابرن ونجحن في مختلف تخصصاتهن وأدين عملهن على أكمل وجه. لقد رفعن رؤوسنا إنجازاً والتزاماً».
عند أي سؤال يوجه لها عن لحظة إطلاق مسبار الأمل، تستعيد مشاعرها حد البكاء «كان إحساساً جميلاً أن أشعر بالإنجاز الذي انتظرناه لسنوات وهو يتحقق عند أول إشارة إطلاق».
تواكب الجناحي فصول العطاء المستمر «هذا القطاع ومشروع مسبار الأمل تحديداً أثبتا أن المرأة الإماراتية قادرة على القيام بأي شيء وحفز الأجيال الصغيرة من الفتيات على اقتحام كل مجالات التخصص.
حمدة العري
"يكفي أن أكون ضمن الفريق الذي حقق حلم الشيخ زايد"
خاضت حمدة علي العري، مهندس أول ضمان جودة في مركز محمد بن راشد للفضاء، العمل في قطاع الفضاء منذ 6 سنوات وبالتزامن مع ولادة مشروع مسبار الأمل، وهي حائزة بكالوريوس في الهندسة الإلكترونية من التقنية العليا بالشارقة.
يتركز دورها على التأكد من ضمان وصحة المشروع، حيث إن «كل القطع التي تم تركيبها في القمر الصناعي تتوافق مع المعايير العالمية التي وضعناها في المركز والتأكد من نجاح كل الاختبارات على أنظمة القمر الصناعي».
كانت العري جزءاً من مشروع مسبار الأمل «دوري الرئيسي كان ضمان جودة الأنظمة في القمر الصناعي، وبالطبع واجهتني تحديات كوني أماً لخمسة أطفال حيث إن طبيعة العمل تطلبت اجتماعات مسائية حيث كنت أعمد إلى تنويم أطفالي في وقت مبكر لحضور اجتماعات «عن بعد» في وقت متأخر من الليل أو عند الفجر».
هذا الضغط وضعها أمام تحد تمثل في اكتسابها إدارة الوقت حيث «تعلمنا أن لا شيء مستحيل في دولتنا»، مستذكرة بداياتها في المركز «في إحدى المراحل، كنت الموظفة الوحيدة في مجال اختصاصي وممن أسسوا الفريق ووضعوا المقاييس التي نستخدمها في مركز محمد بن راشد للفضاء، وهذه البصمة تكفي، كما يكفيني أن أكون ضمن الفريق الذي حقق حلم الشيخ زايد في الوصول للفضاء».