الولايات المتحدة في محنة. وهناك فيها ما يشبه صراع الديكة. وكما هي العادة مع اقتراب كل انتخابات رئاسية، تشتد المنافسة بين المرشحين وتخرج من إطار السياسة إلى تبادل العبارات القاسية والاتهامات الشخصية. إن هذا من مقتضيات اللعبة الديمقراطية في الغرب. وهي لعبة قادت نساء إلى كراسي الحكم في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية. لكن البيت الأبيض في واشنطن ما زال يقاوم. لقد دخلته هيلاري كلينتون وخرجت منه باعتبارها زوجة للرئيس وسيدة أولى للبلاد. وكانت تنوي العودة إليه كرئيسة، وجمعت من أصوات الناخبين ما جعلها على قاب قوسين من تحقيق تلك «القفزة بالزانة». لكن الرئيس ترامب قفز أعلى منها.
كنا نسمع، منذ نعومة أظفارنا، عن الحركات النسوية في الولايات المتحدة وعن تحرر الأمريكيات وشجاعتهن في الوقوف على قدم المساواة مع الرجال. شاهدناهن عاشقات ومعشوقات في أفلام هوليوود. ورأينا، لأول مرة، مشهد المرأة وهي تصفع رجلاً. وغالباً ما كان يرد لها الصفعة. وهو مشهد انتقل فيما بعد إلى الكثير من مسلسلاتنا التلفزيونية. وسواء جاء «الكف» باللهجة اللبنانية، أو «القلم» باللهجة المصرية، من رجل أو امرأة فإنه يبقى مستهجنًا، يفتقر إلى الاحترام المفترض بين حبيبين أو شريكين.
هل تشبه صورة الأمريكية في السينما صورتها في الشارع؟
إن الشاشة خداعة، سواء أكانت سينمائية كبيرة أو تلفزيونية صغيرة. وهناك في تلك البلاد من التعسف والفقر والتمييز والظلم ما يزيد على ما فيها من تطور وعقاقير وروايات وجامعات ومركبات فضاء. هذه حال الدنيا. وقد سمعنا الأمريكيات يشتكين أيضاً من التمييز السياسي، ومن حرمانهن من المناصب المرموقة في مجلسي النواب والشيوخ. لكن تقدمًا حصل خلال السنتين الماضيتين وحققت انتخابات «الكونجرس» ما وصفته الصحافة بـ «هزة أرضية» كبرى.
نجحت في تلك الانتخابات نساء من الأقليات، بيضاوات وسوداوات وبين بين. وكانت نسبة تصويت النساء تفوق نسبة تصويت الرجال. وقد نزلت 38 مليون امرأة من بيتها وتوجهت إلى صناديق الاقتراع. وهو عدد يزيد بـ 10 عشرة على عدد الرجال الذين أدلوا بأصواتهم. ولأول مرة تدخل مجلس النواب مسلمتان في وقت واحد، إحداهما من أصل فلسطيني والثانية من أصل صومالي. فهل ارتاحت النساء وانتهت المشكلة؟
يتباهى الحزب الديمقراطي بأنه الذي يرفع راية تمكين النساء. لكن نساء الحزب الجمهوري لسن بأقل شكيمة من الديمقراطيات. والكل يؤكد أن الحل هو المرأة، والخلاص سيكون على يديها من كل المشكلات العرقية والطبقية السابقة. إن مستقبل أمريكا مرهون بنسائها. وإذا كانت «المعجزة» لفظة مؤنثة في اللغة العربية فإنها لفظ مذكر في الفرنسية.
هناك في ولاية نيوجرسي مركز جامعي متخصص في بحوث الأمريكيات والسياسة. وعلى الرغم من اعتقادي بأن تلك المراكز تتحول إلى ما يشبه عش الدبابير، تجمع فيها المتطرفات من النساء، فإن الأرقام لا يمكن تكذيبها. وبكلام الأرقام فإن هناك في مجلس الشيوخ 23 امرأة من مجموع 100 نائب. أي أقل من الربع. وارتفع الرقم في مجلس النواب إلى 100 امرأة من مجموع 435 نائباً. وما زالت هناك 22 ولاية أمريكية لم تنتخب حاكمًا لها من الجنس اللطيف. كم يبدو اصطلاح «الجنس اللطيف» بائداً وعتيقاً في زمننا هذا!
المضحك المبكي أن نسبة النساء في البرلمان العراقي تفوق نسبتهن في مجالس الولايات المتحدة وفرنسا. لكن هذا حديث آخر يحتاج إلى «دموع» طازجة.