31 أكتوبر 2020

التنجيم.. علم أم غش وخداع؟

محررة في مجلة كل الأسرة

التنجيم.. علم أم غش وخداع؟

مع بداية كل عام يكثر نشاط المنجمين أو من يكشفون الطالع، والذين يعتمدون على موضع النجوم في السماء للتنبؤ بالأحداث المستقبلية، واللافت للنظر انسياق كثير من الناس والتفافهم حول هؤلاء خاصة مع من صادفت تنبؤاتهم مجريات القدر، ففي السابق كان الأمر مقتصراً على الجهلاء ولكن ما يلاحظ الآن هو جري البعض من المثقفين وراء ما يبيعونه المنجمون من وهم، بل وصل الأمر إلى دعم بعض البرامج التلفزيونية واستضافتهم لهم بجانب ظهورهم على منصات وسائل التواصل الاجتماعي وحصولهم على إعجاب متابعيهم الذين وصلت أعدادهم الآلاف.

"يربط كثير من الناس بين علم التنجيم والروحانيات وهذا خاطئ لأن الفرق بينهما كبير"

يفرق عبد الله حمدان، باحث في علم الأرقام والحروف، بين التنجيم وعلم الروحانيات، ويقول «مصطلح التنجيم مأخوذ من النجم، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الأحداث الأرضية بمعنى أن يربط المنجم ما يقع في الأرض أو ما سيقع فيها بالنجوم وحركاتها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها، أما الروحانيات والمتعلقة بالجوانب العاطفية التي تسمو بالنفس الإنسانية فوق الغرائز الدنيوية والمطامع البشرية، فهي الأمور المتعلقة بالارتقاء إلى عوالم الروح، وللأسف يربط كثير من الناس بين علم التنجيم والروحانيات وهذا خاطئ لأن الفرق بينهما كبير، فلا دخل بين علم يتخصص بالنجوم والأحوال الفلكية وبين رقي وسمو روح الإنسان».

وفيما يتعلق بتنبؤ البعض بمصير أشخاص وأحياناً دول، فيوضح «دأب كثير من علماء الحضارات في السابق على مراقبة الحركة في السماء ودراستها وتدوينها، وكما نعلم أن الزمن يعيد نفسه من خلال تلك التحركات في السماء الأمر الذي جعل العلماء يرون ما يحدث بصورة متكررة، وقد استفاد منه كثير من الملوك والزعماء وأمراء الحرب في زمانهم بجعل بعض المنجمين تحت إمرتهم وكانوا يدلّون هؤلاء الملوك بخوض الحرب أو لا، فالعلماء المختصون في علم التنجيم يستطيعون التعرف إلى ما قد يقع في الأرض من أحداث معينة، فالتنجيم علم قائم بذاته وله قوانينه ودلالاته الخاصة، ولكن كل العلوم السابقة قد خالطتها أمور كثيرة جعلت منها مخالفة للشريعة الإسلامية وهو ما يستوجب علينا عرض أي علم مهما كان على القرآن والسنة النبوية الشريفة، حتى نستطيع معرفة ما هو صالح وما هو طالح».

via GIPHY

"لابد من التفريق بين التنبؤ بالمستقبل من باب الدّجل وعلم تأويل الرؤى"

الدكتور أشرف العسال، استشاري أسري، يوضح «قضية التنجيم مشكلة كبيرة بعد أن باتت ثقافة ينساق وراءها كثير من الناس، وللأسف لم يعد الاهتمام بها قاصراً على فئة دون غيرها فجرى وراءها الجاهل والمتعلم، وبنوا علاقاتهم مع الآخرين وفق ما يقال لهم من تكهنات، فكم من حالات لأزواج وزوجات ربطوا حياتهم بتكهنات البعض لهم، فمنهم من تركوا أنفسهم فريسة لتوقعات الغيب وما إذا كان القادم سيعيشونه سوياً أم الانفصال هو رفيق دربهم، وكم من أشخاص سخّروا الغالي والنفيس من أجل معلومة عن مستقبلهم ومصيرهم، وللأسف كل ذلك يعد نوعاً من الشرك، نهى عنه نبي الرحمة وتبرأ منه».
ويتابع «لابد من التفريق بين التنبؤ بالمستقبل من باب الدّجل وعلم تأويل الرؤى، التي يمن الله تعالى بها على عبد دون غيره، وهو من العلوم التي اصطفى بها الأنبياء والصالحين من عباده وتعد من المبشرات، وهناك من الأمور التي جاءت في القرآن وفسرت على أنها رؤى وليست تنبؤات لما سيحدث في المستقبل، مثل رؤية سيدنا يوسف عليه السلام وتفسير أبيه لرؤياه، وكذلك رؤى صاحبي السجن وتفسير سيدنا يوسف لها، فالرؤى رسائل ربانية وهناك فرق كبير بينها وبين التنجيم وقراءة الطالع».
وفيما يتعلق بالترويج لحكايات المنجمين، يشير الدكتور العسال، قائلاً «هناك مسؤولية كبيرة تقع على وسائل الإعلام التي يجب عليها أن تتحرى ما تنشره أو ترويه على الناس، فكم من حالات طلقت بسبب عدم تطابق نجمها مع شريك حياتها وفق رواية أحد المنجمين، وأخرى رفضت الارتباط الشرعي لعدم توافق صفات نجمها مع الطرف الآخر، وكلها أمور لم ترد في السنة ولا في الشرع أو حتى في أقوال علماء النفس والاجتماع».

بعض البرامج المتلفزة استغلت ضعاف النفوس واستدرجتهم لأجل الحصول على المال والشهرة

من ناحية دينية، يقول الدكتور أيمن صالح السامرائي، الأكاديمي والباحث في العلوم الشرعية، «التنجيم هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الأحداث الأرضية، وهو مأخوذ من النجم، وعند الحديث عن حكمه من الناحية الشرعية، لا بد من التفريق بين أمرين الأول: أن يستدل الإنسان بطلوع النجم على الأوقات والأزمنة والفصول، وهذا لا بأس به ولا حرج فيه، كأن نربط دخول نجم ما بعبادة ما مثل الحج، أو بموسم ما، كنضوج الثمار أو الأمطار ونحو ذلك، وقال تعالى: «يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج»، أما الأمر الثاني وهو أن يربط المنجم ما يقع في الأرض، أو ما سيقع، بالنجوم وحركاتها، من طلوع أو غروب، واقتران أو افتراق ونحوه، وهذا النوع محرم لأنه يدخل في السحر والكهانة التي حرمها الله، فقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال «من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»، وستكون تأويلاته عبارة عن أوهام لا حقيقة لها، فلا ربط لما يحدث في الأرض بما يحدث في السماء، قال تعالى: «قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله».

ويكمل «أبطل النبي صلى الله عليه وسلم ارتباط الأحداث الأرضية بالأحوال الفلكية، وذلك عندما كسفت الشمس في اليوم الذي مات فيه ولده إبراهيم رضي الله عنه، فظن الناس أن كسوف الشمس له علاقة بذلك، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم بالناس حين صلى الكسوف وقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس»، لذا ما نشهده اليوم في واقعنا المعاصر، من خلال ظهور بعض البرامج المتلفزة التي تستغل ضعاف النفوس وتستدرجهم لأجل الحصول على المال والشهرة، ينبغي التحذير والحد منه، لما يترتب عليها من ضرر وغش وخداع، وقد نهانا الله تعالى عن ذلك؛ فكلنا نسير بأقدار الله».