لم تتخل تلك الشابة عن تحقيق حلم الطفولة وارتداء المعطف الأبيض حتى بعد اكتشاف إصابتها بسرطان الدماغ، فبدأت رحلة علاج طويلة متمسكة بالأمل والتحدي لتنتصر لإرادتها وتكون طبيبة تستحق أن يطلق عليها «محاربة من الطراز الأول»، وبعدها وظفت تجربتها مع المرض وخبرتها في مجال التنمية البشرية لمساعدة مرضى السرطان وأسرهم.. إنها الدكتورة صفاء مبارك النقبي التي أطلت بحوارها معنا على مسيرة كفاحها مع المرض الذي تزامن مع تحدي فقد والدها ومرض والدتها، واختيارها للتخصص.
كيف استقبلت الشابة الصغيرة خبر إصابتها بالمرض؟
بعد أن انتقلت للثانوية العامة كشفت لي المصادفة حقيقة مرضي بعد أن أصابني صداع شديد أجبرني على زيارة الطبيب رافقته ملاحظات والدتي بعدم نمو الشعر على بشرتي، خضعت لفحوص مطولة وبعد مرور ثلاثة أيام تم إبلاغي بإصابتي بمرض في الدماغ، في تلك السن وتلك اللحظات لم أستوعب الخبر بكيت كثيراً وتضاربت في داخلي المشاعر بين حزن وحلم طفلة بأن تصبح جراحة أعصاب ترفض فكرة التخلي عن مقاعد الدراسة أو تأجيلها لأنها اعتادت التفوق، كرمت بجائزة الشارقة للتميز التربوي ، فئة الطالب المتميز ، وجائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز ، فئة الطالب المتميز ، وبين إيماني أن المرض هو اختبار من الله إلا أن الأصعب من ذلك تبليغ والدي بحقيقة مرضي.
ماذا تتذكر د. صفاء من رحلة العلاج؟
عايشت الكثير من القلق والتفكير خوفاً من التفريط بالدراسة بعد تأجيلها لعام ونظرات الشفقة من الأهل والأقارب ومواعيد المستشفى التي على أثرها تم تحديد الورم بأنه من النوع «الحميد» وبدأ الأمل بالتجدد بعد وضع خطة العلاج. التوقيع على أوراق موافقة إجراء الاستئصال الكامل للورم في المملكة المتحدة هو أصعب قرار اتخذته في حياتي، أجريت عدة عمليات جراحية وبعد أن وصلت للجلسة الثالثة من العلاج الكيميائي تغير مجرى حياتي بعد أن تعرض والدي لوعكة صحية أدخلته المستشفى ليتوفى بعد أسبوع، حينها أدركت بأن الحياة رحلة يتحتم علي مواجهتها بالصبر والإرادة وما زلنا نصحو وتبعث فينا الحياة كل يوم إذا كان هناك أمل جديد. عزمت في ذلك الوقت على العودة لأخضع لاختبار الثانوية العامة لكن حالتي انتكست واضطررت لإجراء عملية طارئة إلى أن تجاوزت الخطر بعد شهر قضيته في العناية المركزة، اليوم وبعد 16 عاماً من الإصابة الأولى اكتشفت الحكمة أن الله ابتلاني بالمرض لأكون سبباً في تخلص والدتي من شقائها وتمكنها من النطق الذي فقدته بسبب وفاة والدي بعد نجاح عمليتي وقناعتها بأنها يجب أن تكون أقوى لتتمكن من الوقوف بجانب ابنتها الوحيدة.
ما العوامل التي واكبت اختيارك لطب الأسنان؟
بعد عام عدت لمقاعد الدراسة وتحصلت على نسبة 93% في الاختبار، أحسست بخيبة أمل وتأزم وضعي لتذكرني والدتي بفضل الله بعد أن نجاني من الموت وتكون كلماتها جرس المنبه لاستعادة توازني النفسي، قبلت لدراسة الطب العام في جامعة الإمارات وبسبب وضعي الصحي وتحذير طبيبي المعالج لخطورة وتأثير الإجهاد الفكري والعقلي على مرضي قررت نقل أوراق انتسابي لجامعة الشارقة لأختار دراسة طب الأسنان تحقيقاً لحلم الطفولة، فقد عشت إحساس الطبيب منذ طفولتي عندما أحضر لي والدي دباً صغيراً بسماعة ومعطف بمقاسي علقه خلف باب غرفتي كي لا أنسى هدفي ورغبته بأن أصبح طبيبة عندما كان يردد دائماً «صفاء طبيبة وأخوها طيار».
ماذا غيرت هذه التجربة في داخلك؟
زادت إصراري على الحياة، شعرت أن لا شيء يستحق التفكير لأني تمكنت من اجتياز الأصعب، وقعت وأنا طفلة على ورقة كان يمكن أن أخسر فيها حياتي على طاولة العمليات، بدأت أنظر لأي صعوبة في الحياة من جانبها المشرق قبل السيئ وأجد الخير في كل شيء في حياتي، تركت نقطة الاستعجال وعرفت أن القادم أجمل، لو عاد بي الزمن لن أغير من قراراتي وخطواتي التي اتخذتها في السابق لأني كنت على يقين بأن كل يوم يتجدد من حياتي هو فرصة لتحقيق أحلامي.
ما الرسائل التي أردت أن توصليها لمرضى السرطان من خلال الورش؟
إلى جانب الورش التي أقدمها أزور المرضى في المستشفيات وأحضر جلسات العلاج الكيميائي لأنقل لهم تجربتي مع المرض ويتمكنوا من تجاوز مشاعر الخوف والقلق، وأقدم المساعدة لعوائلهم في طريقة الحديث والتصرف مع مرضاهم، خلال أزمة «كورونا» قدمنا محاضرتين عن بعد قرأنا فيهما مذكرات «شخص لا يريد الانهزام»، في هذه الفترة كنت أكافح معهم للتخلص من آثار إصابتي بسرطان الكبد الذي أصبت به قبل عامين لكني لم أتوقع أن أكون متقبلة للأمر بهذه القوة.
أتمنى ألا يكون الإنسان سهل الاستسلام ونعرف أن وجودنا في الحياة لم يكن عبثاً، كل شخص منا يمتلك قوة هائلة لكنا نحتاج أن نعرف قيمة أنفسنا وقيمة الجسد والعقل الذي منحنه لنا الله
متى وكيف بدأت مشوارك مع العمل التطوعي؟
انتسبت لمنظمة أطباء بلا حدود للعمل في إفريقيا، أحببت العمل وقصدنا أماكن تفتقد أبسط مقومات الحياة وحاجة الأشخاص فيها تقتصر على ماء نظيف وحياة بسيطة، ومع منظمة الهلال الأحمر الإماراتي زرنا مخيمات اللاجئين السوريين وشاركت الكثير من حملات التطعيم، في هذه الأماكن يزداد الإنسان تواضعاً وقيمةً ويتجرد من ترف الحياة وتظهر له قيمته الحقيقية.
بين الطب والتنمية البشرية والعمل التطوعي، أين تجد صفاء النقبي نفسها؟
أجد نفسي في التدريب وجزء الطبيب موجود، كل مهنة لها في داخلي مكان لكن التدريب تغلب ومنحته الجزء الأكبر من وقتي خدمة للإنسانية وليس للربح المادي، روح الإنسانية هي التي تنمو وترتقي.
ما طموحك على المستويين الشخصي والعملي؟
في العمل اكتشفت في داخلي جانباً إعلامياً كبيراً أحببته يمكن من خلاله أن أطرق مجال الإعلام سواء في الطب أو مجال التنمية البشرية، وعلى المستوى الشخصي أعدت افتتاح شركتي الخاصة لتنظيم الفعاليات التي أوقفت العمل فيها لأسباب شخصية وأسعى أن يكون باسم صفاء النقبي «براند» خاص في العطور ومستحضرات التجميل وأحقق حلمي وحلم قادتنا وهم يشاهدون أبناءهم يصلون للعالمية.
*تصوير: السيد رمضان