03 مايو 2021

د. باسمة يونس تكتب: النجاة بالأمل

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: النجاة بالأمل

كثيرون يجهلون قوة الأمل في حياتهم، فهو حبل إنقاذهم من البؤس وصخرة الصبر التي تساعدهم على الحياة ومقاومة الاستسلام أمام موت لم يحن وقته بعد، والثقة بالأمل تمنح الإنسان العزيمة من أجل الاستمرار في الحياة والعمل لأجل البقاء، ولكن كيف يمكن للإنسان أن يثق بأن الأمل حقيقة وبأن مثابرته ستجعله يحصل على تقدير وبأنه سيلقى ما يتوقعه وينال ما يحلم به؟

لقد كان الأمل ولا يزال بالنسبة للبعض حلماً صعب المنال ووهماً لا سبيل للإمساك به وهو ما شغل تفكير العلماء في البحث عن حقيقته واستكشاف ما يمكن للأمل أن يفعله كالدكتور كيرت ريكتر الذي قام في 1950 بإجراء سلسلة من التجارب العلمية بحثاً عن الأمل وما يمكن للأمل أن يفعله ورغم أن تجاربه لم تلق في الحقيقة قبولاً ولم تكن مستساغة إنسانياً لكنها أثارت اهتمام العالم بنتائجها وأضاءت لهم فنار الحقيقة.

كانت تجارب الدكتور كيرت على مجموعتين من الفئران المستأنسة والأخرى البرية، وفي التجربة الأولى استخدم الدكتور كيرت 12 منها من النوع المستأنس بأن عمد إلى تغطيسها في دلاء مملوءة بالماء وظل يراقبها ليسجل ردة فعلها. وسبحت الفئران في البداية حول السطح في محاولة للنجاة من الموت، ثم توجه اثنان منها نحو القاع لاستكشافه بحثاً عن منفذ، لكن قواهما خارت بعد دقيقتين من المقاومة وماتا على الفور.

أما بقية التسعة فقد تمكنوا من السباحة لوقت أطول وكانوا يستكشفون المكان بأمل أكبر في النجاة وظلوا يقاومون من أجل البقاء أحياء، ونجحوا في ذلك لفترة أطول لكنهم استسلموا في النهاية للإرهاق والغرق.

وأجرى الدكتور كيرت التجربة الثانية على 34 فأراً كانوا هذه المرة من النوع البري ويمتلكون مهارة السباحة واللياقة البدنية اللازمة للسباحة، وتوقع الدكتور كيرت أن يتمكنوا جميعاً من مقاومة الغرق بمهاراتهم وبعكس المجموعة الأولى، ولكن المفاجأة كانت بأن جميع فئران المجموعة الثانية لم ينج أي منهم من الغرق على الرغم من ضراوتهم واعتيادهم السباحة.

وفكر كيرت طويلاً في سبب استسلام الفئران البريين للموت ثم قرر بأن الأمل في النجاة كان سبباً في تأخير غرقهم، فقد ظلوا يقاومون لفترة أطول وكانوا مستعدين للنضال أكثر كونهم واثقين من قدرتهم على النجاة، لكنهم استسلموا بعد فترة لأنهم لا يملكون تجربة سابقة في ذاكرتهم تجعلهم يصدقون بأنهم سينجون وبأن هناك أمل في النجاة.

ثم قرر الدكتور كيرت إجراء المزيد من التجارب وهذه المرة اختار مجموعة جديدة من الفئران قام بوضعهم في الدلاء وظل يراقبهم ثم انتشلهم بسرعة في اللحظة التي شعر فيها بأنهم قد بدأوا يستسلمون للإرهاق ويستعدون للموت بلا أمل. وترك الدكتور كيرت فئرانه ليتعافوا. وأعادهم مرة أخرى إلى الدلاء، فسبحوا هذه المرة لستين ساعة لأنهم تعلموا بأن الوضع ليس ميؤوساً منه وبأن هناك أملاً في النجاة.

إن هذه التجربة رغم قسوتها تؤكد بأنه يمكن للإنسان تعلم الكثير من هذه التجارب. وبأنه عندما يكون لدى الأفراد أمل تصبح لديهم مستويات أعلى من المثابرة وسيستمرون في العمل عندما يشعرون أن هناك فرصة للنجاح أو النجاة، وعندما لا يكون لديهم أمل، لن يفعلوا ذلك.