فضولها قادها لاختيار مجال عمل يحمل كثيراً من الغموض، فالبحث بنهم وراء أسرار مسرح الجريمة وكيفية رفع البصمات والحفاظ على الآثار التي تكشف الجناة، جعلها عاشقة له، والذي وصفته بالممتع كونه الشاهد الصامت الذي يكشف بنفسه عن الغموض الذي يعتريه، فبعد أن حصلت على بكالوريوس قانون ودبلوم علوم شرطية في أكاديمية شرطة دبي، قررت أن تنضم لجنود الظل الذين يسهرون على راحة الوطن ويأخذون على عاتقهم تحقيق الأمن والأمان للمجتمع.
هي الملازم خديجة البلوشي ، أول قائد من العنصر النسائي لفريق مسرح الجريمة بالإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة في شرطة دبي، والتي تعمل كضابط مناوب في نظام الورديات، التقيناها لنتعرف إلى طبيعة عملها والدور الذي تؤديه وفريق عملها:
تواصل شرطة دبي تميزها في مجال تأهيل العنصر النسائي، حدثينا عن طبيعة عملك، وهل تجدين متعة في إدارة مهامك؟
أتشرف بأن أكون أول بنات جيلي في قيادة مسرح الجريمة في شرطة دبي، ذلك العمل الذي يجعلني دائماً على أهبة الاستعداد لأي مهمة غير متوقعة، فمع بداية الدوام أظل أفكر كيف سيكون يومي وما طبيعة البلاغ الذي سنتلقاه والتحدي الذي يمكن أن يواجهنا كفريق عمل دوره كشف الحقيقة، وأول شيء أقوم به هو التأكد من جاهزية فريقي ومتابعة حالته الصحية والنفسية، ثم تجهيز الأغراض والأدوات اللازمة والتي نصطحبها معنا في أي مهمة، ثم نبدأ في فرز البلاغات التي نتلقاها من المستجيب الأول والمتمثل في غرف العمليات أو الضباط المناوبين في مراكز الشرطة، وبعد ذلك يبدأ توزيع المهام على أعضاء الفريق داخل مسرح الجريمة، والذي يحدد ما إذا كنا نحتاج لخبراء مختصين آخرين لكشف غموض جريمة ما.
بجانب مهامك، تعملين كضابط مناوب في نظام الورديات، ما الدور الذي تقومين به تحديداً؟
عندما تنتقل الدورية إلى مسرح جريمة ما، يكون لها مسؤول دورية ومساعد له، وعند انتقالي وفريق العمل لمكان أكون قائدهم للتواصل مع غرفة العمليات ومتابعة خط سير الدورية وآلية العمل لحين العودة بالفريق مرة أخرى إلى المقر الرئيسي.
سرقات الأموال والمقتنيات الثمينة من البيوت هي أكثر مسارح الجريمة تحدياً وغموضاً
ما أكثر مسارح الجريمة صعوبة، وهل تختلف أدواتكم تبعاً لتنوعها؟
مسارح الجريمة كثيرة ومتنوعة وقد يظن الكثيرون أن أكثرها صعوبة تلك المتعلقة بجرائم القتل، ولكن بالنسبة لي فسرقات الأموال والمقتنيات الثمينة من البيوت هي أكثر المسارح تحدياً وغموضاً، أما ما نحمله من معدات وأغراض فهي واحدة ولا تتغير، فبمجرد تلقي البلاغ تسبقنا حقائبنا التي تضم أدواتنا ومعداتنا كاملة، وبناء على المعطيات الموجودة في المكان نبدأ بانتقاء المناسب منها، وبمجرد الانتهاء من رفع الآثار الموجودة في المكان ننقلها إلى الإدارة لتفرز وتوزع على المختبرات المختصة، ثم نقوم بكتابة التقارير الخاصة بنا وملحق معها رسم «كروكي» عن مسرح الجريمة الشاهد الصامت.
تشرح تفاصيل بعض البلاغات لفريق العمل
قد يفسد الجاني مسرح الجريمة بشكل احترافي وهو ما يجعل كشف الحقيقة صعباً، كيف تحلون تلك الإشكالية؟
لا توجد جريمة كاملة، فبمجرد أن ندخل مكاناً فيه حادث ما أشعر وكأنه يبادلني الحديث ويوجهني لكشف ما لا يراه الآخرون من غير المختصين، وإذا كان الجاني أذكى إنساناً في العالم دائما ماً يترك أثراً يدل عليه، يساعدنا على ذلك عدم الأخذ بالظاهر وبالانطباعات الأولى للواقعة، فمثلاً عندما نتوجه لتلبية بلاغ عن وفاة طبيعية لا أهتم فربما وراء ذلك جانٍ يحاول إيهام الجميع بأن الأمر لا توجد به شبهة جنائية.
ما أهم ما يجب أن يتحلى به من يعمل ضمن فريق مسرح الجريمة؟
أن يكون أكثر اطلاعاً وشغفاً بمعرفة التطورات التي تحدث في هذا المجال، وأن يكون لديه نهم لخوض الدورات والتدريبات وورش العمل التي تزيد من خبراته، فأحياناً قد تفي ثلاث أو أربع دورات خبرة 5 سنوات عمل، فالاطلاع والتثقيف بما وصل إليه العلم الجنائي على مستوى العالم شيء مهم وضروري لمن يمتهن هذا العمل، كما يجب أن يتحلى بالصبر والحكمة في اتخاذ القرارات، فقد ينتقل بين 3 إلى 4 بلاغات في يوم واحد وهو ما يحتاج أن يستمع لآراء من حوله وينصت لها حتى ولو كان قائد الفريق، وأن ينحي المشاعر جانباً ويتعامل فقط بعقله.
هل تتذكرين قضية تركت أثراً بداخلك؟
أستطيع أن أفصل بين حياتي العملية والخاصة، فبمجرد أن ينتهي الدوام لا أفكر في شيء سوى أن أمارس حياتي العائلية بشكل طبيعي، إلا أنني أتذكر حادثة أثرت فيّ كثيراً ولازمت تفكيري لفترة طويلة، وكانت لامرأة وجدنها بناتها الصغار مشنوقة في غرفتها، وأكثر ما آلمني هو أن المبلغ طفلة عمرها لا يتخطى 13 عاماً تحملت مرارة هذا المشهد بمفردها وكان ولابد من سؤالها عن كثير من التفاصيل في موقف يفوق تحملها، وكيف استطاعت هي وأختها الأصغر منها من حمل الأم وتنزيلها ووضعها على الأرض، وظللت أفكر كيف يستطيع هؤلاء الصغار تحمل هذا الموقف خاصة وأن أباهما كان رجلاً كبيراً في العمر لا يستطيع أن يساعدهما في شيء.
اختراق المرأة لمجال علم الجريمة شيء لم يعتد عليه المجتمع، فكيف كان ردة فعل الأسرة على اختيار التخصص؟
لم يكن يتخيل أحد من أفراد أسرتي أن أتخصص في مجال مثل مسرح الجريمة، فأنا بطبيعتي شخصية هادئة ومسالمة، ولكن عندما تم تعييني في إدارة مسرح الجريمة وجدت والدتي تقول لي مندهشة، هل ستتحملين رؤية جثث؟ فأخبرتها بكل ثقة، بل سأعاينها وأتعامل معها، وخلاصة القول لا يوجد مجال عمل صعب على المرأة فهي تستطيع تأدية أي مهمة حتى ولو صعبت، المهم هو إيمانها بما تقوم به من دور.
تستعد للتوجه لمعاينة بلاغ
ماذا عن العمل التطوعي في حياة خديجة البلوشي؟
عندما كنت أستمع لقول أحدهم عن تأثير العمل التطوعي في حياة صاحبه لم أكن أصدق ذلك، حتى جربت بنفسي وقررت خوض التجربة وحتى شهادة المشاركة لم أطلبها ليكون عملي خالصاً لوجه الله تعالى، فكم هو نبيل هذا العمل الذي لا يكون وراءه مقابل مادي، ومع ذلك يضيف الكثير لشخصية صاحبه ويكون لديه خبرات مختلفة في الحياة.
من مثلك الأعلى في الحياة ومن تتأثرين به في حياتك؟
الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي ما زلت أستمتع وأنا أنصت لحديثه وتعليقاته وأتعلم منها، فرغم مرور سنوات على رحيله، إلا أنه ما زال يؤسس تفكيرنا كقادة ويرسخ فينا مبادئ الخير والعطاء.
* تصوير: السيد رمضان