لم تكن حياته سهلة أو مفروشة بالورود ولكنه حاول أن يخترق ضوء النهار ليؤسس أملاً داخل قلبه وفي حياته ويباشر رصد يوميات الناس في شوارع مصر ودروبها وأحيائها وشوارعها ووجوه أطفالها وشبابها وشيبها.
يرتاح طه عبيد، مؤثر اجتماعي على صفحته على انستغرام tahaabeed@، تحت ظلال أشجاره ونباتاته حيث يعيش بمفرده في غرفة على «السطوح» في حي السيدة زينب ويدون يومياته مع جدته ليلي ووالدته وشقيقيه أحياناً ويصور نبض الشارع كما هو دون فلتر أو تجميل، ليس لمجرد التدوين، بل لتوثيق اللحظة والموقف وخبايا النوايا وبعض الدروس والعبر.
يطلق على نفسه «شوارعجي» ويقول «أحب الشارع أكثر من البيت وأهوى التصوير، وفي بعض الأحيان أعمد إلى الكتابة والتمثيل أيضاً وأحب الطبخ والزرع والحيوانات» ويقول لكل متابع «وبحبك أنت كمان».
طه عبيد في غرفته «على السطوح»
يرغب عبيد أن يعيش في مملكته، كما يسميها حيث يبدي رغبته بعدم تنميط شخصيته وفق أحكام الآخرين وسط نباتاته وقططه وعصافيره، حيث حول غرفته إلى «متحف»، رافعاً شعار «قلل ناس وزود زرع» ويروي حكاياته اليومية وأياماً من عمره مستقاة من نبض الشارع وأحزانه وأفراحه كما يتماهى مع فلسفته الخاصة بكون «الحياة جداً سهلة ولكننا كأفراد، نضع العراقيل والصعوبات أمام الآخرين لنيل إعجابهم ولكن من يفهم الحياة، لا يطمع فيها».
«كنت مهمشاً في الحياة وأشعر أن لا قيمة لي كون من حولي لا يحاولون استيعاب وفهم أني مختلف، وأنا كفرد كنت أحتاج إلى أن أشعر بقيمتي في عيون الآخرين إذ لا يمكن العيش بمفردك»
حياة مربكة.. وخروج من الشرنقة
يتفهم تماماً ضغط الظروف كونه «نشأت في عائلة شهدت انفصال والدي وظروف صعبة اضطرتني للخروج إلى ميدان العمل باكراً كما تكفلت والدتي، ورغم الأوضاع المادية السيئة، بتربية أخ جديد زياد وهو ابن جدي الذي عمد إلى الزواج بأخرى غير جدتي ليلى وتوفيت الزوجة الثانية أثناء ولادته حيث لم يشكل عبئاً علينا، بل كان سبباً في أن يجعل حياتنا حلوة».
في صوره ويومياته، يسلط الضوء على الجمال وعلى «كل ما هو تلقائي وعفوي وحقيقي»،«كثير من الأفراد يركزون على معالم القبح ولكني أحب أن يرى الناس «الحاجات الحلوة» في الشارع ويدركون أن الحياة بسيطة وجميلة».
يتعلم الكثير من ناس الشارع حيث «هناك المعفن والحلو والصايع والمستقيم ومن «يبرشم» ويتعاطى المخدرات». وراء كل وجه حكاية ووراء كل حكاية تفاصيل بسيطة لا تتجمل بـ«فلتر» أو تهادن صور وسائل التواصل الاجتماعي ببهرجتها «أرغب في القيام بشيء حقيقي. فأغلبية المؤثرين عبر وسائل التواصل يرغبون بنشر ما يبهر الناس، وهذا ليس هدفي. لا أرغب أن أبهر الآخرين، بقدر ما أريد أن أريهم الحياة من منظورها البسيط وأني جزء من هؤلاء الناس في الشارع».
ويردف «أرى الملامح الجميلة حتى في الأشياء القبيحة وأحاول ترجمة نبض الشارع بجماله ورحمته وإنسانيته في الكثير من المواقف».
رحلة إلى إسكندرية بـ220 جنيها!
لا يقف المال عائقاً أمام استمتاعنا بالحياة. يدعم نظريته بأفعال، حيث يقوم بنشر بعض رحلاته إلى مناطق عدة في مصر بالقليل من الجنيهات. ففي إحدى المرات، قام برحلة إلى الإسكندرية بمبلغ لا يتجاوز الـ220 جنيهاً (ما يناهز 14 دولاراً أمريكياً ) «في كل محطة من تلك المحطات، أستمتع وأشعر أني أمتلك كل سعادة الدنيا. لا أقيم اعتباراً للمال وأفرح (يعني أفرح)، بعيداً عن أي منغصات».
يؤكد عبيد أن كل المواقف التي عاشها في الشارع مؤثرة وتجسد الكثير من الرحمة والإنسانية والحب سواء بعض تفاصيل الوجوه من شوارع قرية الزوايدة بمحافظة قنا لأطفال يعايشون تفاصيل شهر رمضان المبارك بجمالياته ويلعبون ويتسابقون لالتقاط صورة جماعية، أو صور من شبرا الخيمة وحواري السيدة زينب وسوق السمك فيها ووسط البلد والأسواق الشعبية ونداءات الباعة بأعلى الصوت على بضاعتهم.
«ثمة موقف لشاب كنت أصوره بالصدفة وهو يطالع واجهة مكتبة تعمر بالكتب والمجلات. كان يدعى حسن وكان مظهره رثاً ولكنه تبين أنه خريج «دبلوم صنايع» ويهوى القراءة، أعترف أني كنت خائفاً منه في البداية ولكن الموقف علمني عدم سوء الظن وعدم التسرع بالحكم على الناس من خلال مظهرهم والأجمل أن نشر الفيديو ساعد أهله على معرفة مكانه واحتضانه»
هذه الخبرة في رصد ما وراء الوجوه هي نتيجة تماس مع واقع معاش ومع تفاصيل يومية رآها عبيد أنها تحمل أبعاداً إنسانية لا يمكن تجاهله, يقول «أعترف أني كنت تافهاً أو بالأحرى كنت عادياً في مضمون ما أنشره عبر «انستغرامي» ولكن بدأت اهتماماتي تتبلور حيث علمني الشارع الكثير. فالحياة التي عشتها والضغوط التي واجهتها قادتني إلى محاولة انتحار فاشلة وإلى ولادة طه جديد وخرجت من المستشفى إنساناً آخر وكنت آنذاك في عمر الـ18 عاماً».
من سمكري.. بقال.. إلى «الأنتيك»
يستلهم من الشارع الجمال والقباحة حيث تنقل في الكثير من المهن «عملت «سمكري» براتب 20 جنيهاً أسبوعياً بما يوازي 3 جنيهات (أقل من درهم إماراتي) بواقع 12 ساعة يومياً». وبعدها، عمل بقالاً «أصبحت أغنى من السابق براتب 25 جنيهاً أسبوعياً (يقول ضاحكاً) ثم عملت ميكانيكياً وبائع أحذية وعملت في معمل ألبان وفي محل معدات حفر حيث وصل راتبي إلى 45 جنيهاً مصرياً (أقل من 3 دولار أمريكي) وتمتد ساعات العمل من التاسعة صباحاً حتى الثانية ما بعد منتصف الليل»،
محمد رمضان.. والشعر والراب الكثير من المحطات تستوقف ذاك الشاب الذي يشبهه البعض بالفنان محمد رمضان بسمرته وحتى أنه عمد في أحد الفيديوهات إلى التماهي مع فيديو الفنان رمضان حول التحفظ على أمواله وإسقاط الأمر كوميديا على واقعه حيث والدته تتحفظ على أموال محفظته.
يكتب طه الشعر بالعامية ويعرب عن تأثره بالشاعر أحمد فؤاد نجم ويقول في إحدى قصائده (حديث النفس) «صحي ضميرك ومتتلونش... دوس على وجعك ومتستسلمش... حارب فشلك ومتتألمش وأوعي تشيل يوم فوق طاقتك... لا متتحملش».