طلب تاجر من مدينة انتربرايز التابعة لمقاطعة كوفي في ولاية ألاباما الأمريكية من نحات إيطالي يوماً أن ينحت له تمثالاً في وسط المدينة من مرمر أبيض على هيئة امرأة إغريقية تحمل بين يديها نافورة ماء. وبعد مرور ثلاثين عاماً استيقظ سكان المدينة ليجدوا مجسم حشرة خنفساء القطن السوداء جاثماً فوق النافورة الذهبية. ولم يكن وجودها مثيراً للقلق أو الاستهجان، رغم أن هذه الحشرة كانت سبباً في هلاك اقتصاد هذه المدينة وتخريب 50% من مزارعها وتحميلها خسائر فاقت الـ23 مليار دولار بعد أن قضت على زراعة القطن فيها قضاء مبرماً.
ويبدو أنه من الصعب تخيل أن يقوم أحد سكان المدينة بوضع منحوتة لتلك الخنفساء الضارة بين يدي فتاة المرمر الجميلة وفوق نافورتها الذهبية لمجرد إثارة استياء سكان المدينة أو تذكيرهم بما صنعته تلك الحشرة في حياتهم وكيف بدلتها تماماً والى الأبد. إن أول ما قد يخطر في بالنا أن وجود التمثال يدل على أنهم لم ينسوا أبداً ما فعلته بهم تلك الحشرة المسيئة ولن ينسوا قيامها بتدمير أهم ثروات مدينتهم وإرغام الفلاحين فيها على بيع مزارعهم والتخلي عن محل إقامتهم هرباً من جحيمها وفراراً مما فعلته، فهذه الخنفساء التي زحفت إليهم من المكسيك كانت تتغذى على أوراق نبات القطن وتضع بيضها عند التكاثر في براعم أزهاره لتقوم اليرقات عند خروجها من البيض بالتهام كل ما تجده حولها فتتفتح الأزهار ولكن بدون أن يعثروا بداخلها على القطن.
ورغم محاولات السلطات القضاء عليها باستخدام المبيدات الحشرية وحرق المزارع المتضررة لم تنجح تلك المحاولات في ردعها أو التخلص منها، فاقترح الرئيس الأمريكي روزفلت يومها استيراد كميات كبيرة من نمل غواتيمالا المتوحش لتفترس الخنفساء، ولكن فشلت كل الجهود أمام إصرار خنفساء القطن على ممارسة تخريبها والقضاء على المحاصيل بدون توقف إلى أن حلت الكارثة وتراجع محصول القطن إلى الثلث وسقط كثير من أصحاب الأراضي الزراعية في شبكة الديون والإفلاس.
ولكن، كما يغلق الله باباً، يفتح أبواباً، كالذي انفرج أمام أحد الفلاحين الفارين من جحيم الخنفساء إلى ولاية كارولينا الشمالية حيث تنتشر زراعة الفول السوداني، وهناك لمعت في رأسه فكرة، جعلته لا يتردد في العودة إلى مزرعته التي تركها نهباً للخنافس السوداء المقيتة، بادئاً في الخطة التي رسمها في رأسه داعياً الله أن يساعده. وزرع أرضه بالفول السوداني وهو لا يعلم بأن ما فعله كان حبل النجاة الذي أخرجه من حضيض الإفلاس وعوضه تعويضاً مجزياً وأكثر مما يتخيل. لقد حقق أرباحاً خرافية ساعدته على سداد ديونه واستعادة أمواله وفاقت كل ما كان يربحه من القطن مما دفع الفلاحين للسير على خطاه بالتوقف عن زراعة القطن والبدء في زراعة الفول السوداني.
ومن يومها حققت المدينة أرباحاً مالية خيالية إضافة إلى أنها أصبحت أهم منتج للفول السوداني في 1919 وهو ما جعل سكانها لا يترددون في الاعتراف بالفضل لتلك الخنفساء التي منعتهم من زراعة القطن ودفعتهم لزراعة الفول السوداني فيحصلون على ثروة لم يتوقعوا يوماً أن يحصلوا على نصفها.