حصرياً.. فنانو وشعراء الإمارات يتحدثون عن تاريخ الأغنية الوطنية
على مدى خمسين عاماً كانت الأغنية الوطنية الإماراتية حاضرة دائماً في الوجدان، يشدو بها الكبير والصغير وتطرب لها الآذان في جميع الأوقات وليس فقط في المناسبات الوطنية، لما تتمتع به من تأثير كبير في الشباب حيث تلعب دوراً كبيراً في تعزيز قيم الانتماء الوطني وغرس روح الانتماء، وشحذ الهمم تجاه القضايا الوطنية.
في هذا التحقيق التقينا عدداً من الفنانين والشعراء والملحنين، الذين كانوا وما زالوا يتبارون في إبداع وتقديم الأغاني الوطنية، لنقف على تاريخ الأغنية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأهميتها ودورها في حفظ وتوثيق التاريخ:
القصيدة الوطنية تنضج وتتطور مع الوقت، مع نضوج الشاعر واكتساب تجارب ومفردات أكبر خلال مشواره،
التقينا الشاعر الإماراتي علي الخوار، والذي قدم ما يزيد على 100 قصيدة وطنية، لا تزال خالدة في الذاكرة مثل: في القلب حبك ترسخ يا بلادي للفنان الإماراتي ميحد حمد، وعشق القلوب وكلي فخر إماراتي وأبوس رأسك للفنان حسين الجسمي، كما قدم العديد من الأغاني الوطنية مع فنانين كثر منهم: فايز السعيد وعيضة المنهالي وراشد الماجد والفنانة أحلام. ليشاركنا ذكريات الأغنية الوطنية الأقرب لقلبه «في القلب حبك ترسخ يا بلادي»، التي كانت باكورة أغانيه مع الفنان الكبير ميحد حمد الذي غناها ولحنها أيضاً عام 1989، ويروي لنا قصة طريفة حيث طرحت هذه الأغنية دون اسم ولم يكن أحد يعرف كاتب هذه الأغنية ونسبت للعديد من الأشخاص، إلى أن أعيد طرحها بمونتاج آخر بعدها بعامين إبان حرب الكويت ومن هنا عُرف كاتب الأغنية.
وتحتل أغنية «أنا جندي» مكانة خاصة في قلب الشاعر علي الخوار، وهي من غناء كورال وألحان عبدالله الشحي، والتي ترددت كثيراً بين الأطفال والكبار، وأنتج منها نسخة مخصصة للأطفال، وأغاني كثيرة يعتز بها ويفخر بتقديمها. وأوضح الشاعر الكبير أن كتابة الأغاني الوطنية هي تعبير عن إحساس وعن حب وولاء، وأنه يكتب القصيدة الوطنية مثل القصيدة العاطفية، فهو يتغزل في حبيبه في النهاية، ويعامل الوطن معاملة الحبيب، ولذلك لا ينتظر مناسبة للكتابة بل يكتب في كل الأوقات.
أغنية «أنا جندي»
كما بين لنا أن القصيدة الوطنية تنضج وتتطور مع الوقت، مع نضوج الشاعر واكتساب تجارب ومفردات أكبر خلال مشواره، وعن قيمة الأغنية الوطنية في حفظ وتوثيق التاريخ، أشار إلى أن الكثير من الأغاني الوطنية توثق الحقبة التي غنت بها والمتغيرات والظروف المصاحبة لها، فتميل القصيدة التي تقدم في أجواء الحب والسلام والرخاء إلى العاطفة والتعبير عن المشاعر الأحاسيس، بينما يتغير شكل القصيدة التي تقدم في ظروف حرب «لا سمح الله» إلى قصيدة حماس ومؤازرة وبث لروح الأمل.
اللون العاطفي هو الأقرب للناس بين ألوان الأغنية الوطنية، مثل اللحن باللون العسكري واللون التراثي، لأنها تنبع من القلب وقريبة من القلب
التقينا الملحن والفنان فايز السعيد، وهو من أكثر الموسيقيين عطاءً في المجال الفني، وقدم العديد من الأغاني الوطنية غناءً وتلحيناً، مع عدد كبير من النجوم، من أبرزها إماراتي ورأسي في السما مرفوع مع الفنان حسين الجسمي، وأغنية إماراتي وفديت اسمك التي غناها مع الطفل علاوي، وأغنية الله ثم الوطن ثم رئيس الدولة، وشاركنا الفنان فايز السعيد لحظات جميلة لا ينساها وقت تصوير كليب أغنية إماراتي وفديت اسمك، حيث كانت فكرته التصوير مع جمهور حقيقي داخل أحد المولات، وبالفعل التحم الناس تباعًا بعدد كبير خلف مسيرة العلم بكل حب.
أغنية إماراتي وفديت اسمك
وعن تلحين الأغنية الوطنية يرى الفنان فايز السعيد أن اللون العاطفي هو الأقرب للناس بين ألوان الأغنية الوطنية، مثل اللحن باللون العسكري واللون التراثي، لأنها تنبع من القلب وقريبة من القلب. ويشير الفنان فايز السعيد إلى أن تقديمه للأغنيات الوطنية يشعره بالفخر والاعتزاز والفرح عند رؤية الجمهور يغني هذه الألحان، وهو الذي حدث معه منذ فترة حين كان متواجداً بمستشفى راشد في يوم العلم، وسمع أحد أغنياته تتردد في ساحة المستشفى، ولم يكن أحد يعرف أن صاحب الأغنية موجود بينهم بسبب ارتدائه للكمامة.
وعن عوامل نجاح الأغنية الوطنية يخبرنا أن الكلمة الصادقة النابعة من القلب التي تعكس مشاعر وإحساس وولاء المقيمين على أرض هذا الوطن، وأداءها بإحساس صاف نابع من الوجدان، هما مفتاح الوصول لقلب المستمع. ويعمل الفنان فايز السعيد حالياً على الإشراف على الموسيقى الإماراتية التي سيتم تقديمها في حفل اليوم الوطني لدولة الإمارات في إكسبو، كما سيقدم أغاني جديدة مع المطربة أريام والفنان فيصل الجاسم وأغنيتين سيقدمهما بصوته من كلمات علي المهيري ومريم النقبي.
ويحيي الفنان فايز السعيد عدداً من الحفلات خلال احتفالات اليوم الوطني، فيتواجد في الأول من ديسمبر مع الفنانة بلقيس على مدرج خورفكان، وعلى كورنيش الفجيرة في الثاني من ديسمبر مع رحمة رياض وهزاع الظنحاني وهزاع الرئيسي، وفي حديقة برج خليفة في اليوم الثالث مع الفنان عيضة المنهالي والفنانة شما حمدان، وسيقدم في الخامس من ديسمبر أوبريت يوبيل الفخر في جامعة الشارقة.
الأغنية الوطنية هي محبة.. هي ولاء وانتماء.. هي تعبير عن مشاعر تحفزها الكلمة والموسيقى، وهي خير وسيلة لمخاطبة العقول والأفكار من أجل الوطن ومحبته
محطتنا التالية كانت مع النجم الكبير حسين الجسمي، الذي كان وما زال يقدم العديد من الأغاني الوطنية الإماراتية والعربية أيضاً، وحققت أغانيه انتشاراً واسعاً ومشاهدات هائلة، ومن أشهر تلك الأغنيات «حي بالشهامة» من الروائع الشعرية للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» و«بشرة خير» التي حققت وحدها ما يزيد على نصف مليار مشاهدة على منصة يوتيوب.
وعن الأغنية الوطنية وتأثيرها أوضح النجم حسين الجسمي أن الأغنية الوطنية هي محبة.. هي ولاء وانتماء.. هي تعبير عن مشاعر تحفزها الكلمة والموسيقى، وهي خير وسيلة لمخاطبة العقول والأفكار من أجل الوطن ومحبته وأثره الكبير فينا وفي أولادنا وأجيالنا القادمة.
وأكد أن الأغنية الوطنية لها وجودها ومكانتها في كل عصر ومكان، كونها تحمل معاني ومشاعر تعبر بشكل فعلي وتلقائي عما يدور في الوجدان من محبة خالصة للوطن، وتستمر في الذاكرة ويتناقلها الأجيال.
أغنية «حي بالشهامة»
وعن تقديمه للأغاني الوطنية أمام المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان «طيب الله ثراه» يقول تشرفت بالغناء أمام المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وما زلت أعيش لحظاتها الجميلة والمؤثرة والتاريخية، والتي تركت أثراً طيباً تعلمت من كل لحظاتها، وزادني فخراً أنني غنيت ولحنت مجموعة من روائعه الشعرية ذات المعاني الكبيرة والملهمة.
الوطن هو الحب الأول والأخير نحبه ونعشقه ونتغزل به في كل وقت وفي كل ثانية
سألنا الفنان حمد العامري عن أهمية الأغنية الوطنية، ليخبرنا بأن الوطن هو الحب الأول والأخير نحبه ونعشقه ونتغزل به في كل وقت وفي كل ثانية، وعن أغنيته المفضلة أخبرنا بأن كل الأغاني قريبة لقلبه، فكل أغنية لها طابع مختلف، ولكن المقصد واحد في النهاية وهو حب الوطن.
وعن سبب انتشار الأغنية الوطنية ونجاحها يوضح لنا أن الإحساس والكلمة الصادقة والأداء الصادق يصل من القلب للقلب ويتلقاه المستمع بكل سلاسة، وهذا يدل على كمية الإحساس الصادق والمحبة والفخر بالوطن. وعن تطور الأغنية الوطنية يخبرنا أن لكل زمن جيله، وكل شيء يتطور، فالبعض يطور في الموسيقى والتوزيع ولكن تبقى الألحان والكلمة الصادقة ثابتة.
أغنية "حصن الاتحاد"
يعمل الفنان حمد العامري حالياً على أغنيتين جديدتين سيتم طرحهما قبل اليوم الوطني، منهما إهداء خاص لسمو الشيخ طحنون بن زايد بن سلطان آل نهيان من كلمات أحمد عبيد السياف وألحان عادل محمد، وأغنية «خذنا معك» من كلمات غانم الهاجري وألحان عادل محمد، كما وجه دعوة للجمهور لحضور احتفالات اليوم الوطني في قصر الحصن بأبوظبي حيث سيقدم باقة من أجمل أغانيه، تمام الثامنة مساءً يوم الثاني من ديسمبر.
كلّفت بتأليف كلمات النشيد الوطني لدولة الإمارات وكان لابد أن تتماشى مع لحن موجود، وأرادوه في ثلاثة أيام
يقول د.عارف الشيخ مبدع كلمات النشيد الوطني لدولة الإمارات " لكل دولة علم يُرفع وسلام وطني يُعزف ونشيد يصاحب العزف الموسيقي، وأقدم نشيد وطني هو النشيد الهولندي حسب علمي، كتب في عام 1568 أو 1572.
وفي الشرق الأوسط استخدم العثمانيون الأناشيد الوطنية، ثم اعتمدت كل دولة نشيدًا لها بعد استقلالها عن الخلافة العثمانية. ويتضمن النشيد الوطني غالباً تاريخ الدولة وتقاليد الأمة وحياتها وولاء الشعب لها والانتماء إليها والقسم والفداء والالتفاف حول العلم وغيرها من المعاني الوطنية ذات القيم السامية. وفي دولة الإمارات لم يكن للدولة كيان مستقل قبل الثاني من ديسمبر من عام 1971، ولم يكن لها علم مستقل ولكن بعد أن نالت الإمارات المتصالحة استقلالها، وأصبحت تعرف بدولة الإمارات العربية المتحدة، ورفع علمها في الثاني من ديسمبر عام 1971، واعتمد لحن لموسيقى السلام الوطني عام 1972، وهو من عمل الفنان المصري سعد عبدالوهاب. هنا بدأ الناس يتطلعون إلى نشيد للسلام الوطني يردد مع عزف موسيقى السلام الوطني، وظل الوضع من غير نشيد حتى عام 1986، حيث كان أحمد حميد الطاير وزير الدولة لشؤون المالية والصناعة وزيرًا للتربية بالإنابة. صادف أن مر على مدارس عدة في الصباح وحضر طابور الصباح، فوجد العلم يرفع والموسيقى تعزف لكن الطلبة يقفون وكأنهم غير موجودين. رجع إلى مكتبه و حضر مجلس الوزراء في ذلك اليوم، فناقش معهم فيما أظن حيث استحسنوا فكرة تأليف نشيد مصاحب لموسيقى السلام الوطني.
لذا بعد أن غادر إلى مكتبه التقى اللجنة العليا، واقترح تكليف شاعر لكتابة النشيد، فكلّفت أنا باعتباري موجودًا في التربية يومئذ. وفوجئت بالتكليف لأنه عبارة عن تأليف كلمات تتماشى مع لحن موجود، وأرادوه في ثلاثة أيام، فأُعطيت الخطاب والشريط الذي يحمل موسيقى السلام الوطني، فذهبت إلى البيت وأنا مصدوم بهذا التكليف. جلست ست ساعات أسمع الموسيقى من غير أن أسجل كلمة، وجلست أسترجع قواي الفكرية والأدبية والاجتماعية إلى أن ألهمني ربي المقطوعة الأولى: عيشي بلادي عاش اتحاد إماراتنا عشت لشعب دينه الإسلام هديه القرآن حصنتك باسم الله يا وطن رددت هذه الكلمات والموسيقى تعزف، فوجدتها متطابقة مع اللحن، فتشجعت لما بعدها.
بلادي بلادي بلادي بلادي حماك الإله شرور الزمان فسمعتها فوجدتها متطابقة، فانتقلت إلى ما بعدها: أقسمنا أن نبني نعمل نعمل نخلصْ نعمل نخلصْ مهما عشنا نخلصْ نخلصْ وهكذا انتقلت إلى ما بعدها: دام الأمان وعاش العلم يا إماراتنا رمز العروبةِ كلنا نفديك بالدماء نرويك نفديكَ بالأرواح يا وطنْ وعندما انتهيت جاءت أم العيال لتقول لي: أما تريد الغداء؟ فأخبرتها بالحاصل قالت أسمعني إياه فلما سمعت قالت كفى ولا تزد عليه. فسجلته عندئذ رسمياً وفي اليوم الثاني قدمته لمكتب معاليه، فجاء الرد بعد عودته من مجلس الوزراء بأنه هو المطلوب، لذا أصدر توجيهاته بتحويله إلى إذاعة دبي لتسجيله بصوت المعلمين والطلبة، ثم أصدر قرارًا بتوزيعه على المدارس والنوادي والمؤسسات، وهكذا أخذ انتشاره وتلقى القبول من الجميع واستحساناً من الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله في أول مرة في أبوظبي في يوم حفل الكشافة العالمي فيما أذكر. وها هو اليوم بعد 35 سنة يحتل الرمزية والثقة عند الشعب الإماراتي مواطنين ومقيمين.