02 مارس 2022

د. هدى محيو تكتب: حكَمٌ سومرية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: حكَمٌ سومرية

تشكل الحكم والأمثال الشعبية، إلى جانب قصص الحيوان والحكايات المعبِّرة، مخزون الحكمة التي راكمتها البشرية على المستوى الفطري منذ تاريخ سحيق لا قدرة لنا على سبره.

ومن أقدم الحكم التي وصلت إلينا والتي اكتشفها علماء الآثار في السنوات الأخيرة تلك التي تأتينا من بلاد ما بين النهرين، أي من منطقة الهلال الخصيب التي كانت أول من عرف الزراعة وتربية المواشي منذ أربعة عشر ألف سنة، كما يفيد علماء الأنثروبولوجيا التاريخية.

وبسبب اعتناقها للزراعة وتربية المواشي تمكنت هذه المنطقة من احتضان تجمعات بشرية واسعة لتكون من أولى المناطق التي تنشئ المدن والممالك كالمملكة السومرية حيث عاش الناس فيها مختلف التجارب والتفاعلات والتبادلات التي أثمرت عن حصاد من الحكم الشعبية.

والمدهش في الموضوع، هو أنه على الرغم من أننا صرنا نعيش في عصر التكنولوجيا المتقدمة وبزوغ عصر الذكاء الاصطناعي، ما زال العديد من هذه الحكم الشعبية ينطبق على حاضرنا، لا بل أن بعضاً منها له ما يوازيه بين الحكم والأمثال التي نستخدمها في يومنا الحاضر.

إليكم مثلاً هذه الحكمة السومرية: «من يأكل كثيرًا لا يقدر على النوم» وما يوازيها من «تعشّى وتمشّى»، وأخرى تنصح كل إنسان بالعيش بحسب إمكاناته قائلة: «ابنِ منزلك كمنازل الأثرياء وستعيش مثل الفقراء، وابنِ منزلك كمنازل الفقراء وستعيش مثل الأثرياء» وما يقابلها اليوم من «مدّ بساطك على قدر رجليك».

تقارب الحكم السومرية كل مواضيع الحياة اليومية وقد تستخدم لهجة ساخرة أو تستخدم الحيوانات مبرزة سمات سلوكها، فالأسد قوي جبار والثعلب محتال والحمار يعمل بكدٍ، وهي كلها صور نمطية لا نزال نعتمدها حتى يومنا هذا في وصف القوي والمحتال والعامل بكدٍ وتعب.

كما قاربت الحكم السومرية السياسة في قولها «شعب بلا ملك كقطيع بلا راعٍ»، والتفاوت الاجتماعي في قولها «الفقير يصيب الثري بكل أنواع الأمراض»، وخوف الأثرياء على ثرواتهم في قولها «الممتلكات تجعل الثقة ذات أهمية قصوى».

وتطرقت إلى الصداقة التي لا تدوم بقولها «صديقي قد لا يدوم إلا يومًا واحدًا وزميلي يدوم أبدًا».

أما الحكمة الأبدية التي نطق بها السومريون ورددتها من بعدهم جميع الشعوب بأشكال وكلمات مختلفة فهي تلك التي تنظم طريقة تعاطي البشر بعضهم مع بعض، وتقول: «تكلم بقلبك وليس كيفما اتفق، فالقلب لم يَخلق يوماً الكراهية بل الكلام هو الذي يخلقها».