العالم بات قرية صغيرة. هذه العبارة ليست جديدة بل تتكرر منذ عقود طوال. لقد أزالت الطائرات والبواخر الحواجز الجغرافية الموجودة بين القارات ثم جاءت الترتيبات الدبلوماسية لتنظم شروط السفر والحصول على سمة الدخول إلى البلدان الأجنبية.
لم نكن قد بلغنا ثورة التواصل الإلكتروني بعد، ولا جشع المهربين السريين والهجرة غير الشرعية وقوارب الموت.
اليوم صار العالم كله حاضراً في قبضة يد. يسيح المواطنون بين الدول على كوكب الأرض وهناك من يمتلك رفاهية السياحة في الفضاء. ومن يدري؟ فقد يصبح العالم كله في المستقبل القريب مشاعاً لكل سكان الكرة الأرضية. لكن الصورة الوردية للسفر تشوهت بسبب النزاعات والحروب والهجرات القسرية من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية الآمنة. فهل تقبل مجتمعات النعيم القادمين إليها من بلاد الجحيم؟
أوروبا، مثلاً، تنادي بشرط الاندماج. أي أن يخلع المهاجر جلده وماضيه وتقاليده وروائح بلده وأن يذوب في عاداتها وقوانينها وأنماط عيش شعوبها. إن من حقك أن تطبخ البرياني في بيتك لكن من غير المقبول أن تتسرب إلى الجيران في العمارة روائح الكاري والثوم.
أما إذا رفعت صوت المسجل بأغنية «بنت الجيران» فقد تجد شرطيين يطرقان بابك ويحرران لك غرامة مالية. ولن تهب بنت الجيران لنجدتك.
هل هو تعسف أم حفاظ على النظام؟
قبل أسابيع قلائل تمت محاكمة نائبة في البرلمان الدانمركي لأنها دعت لقانون يفصل بين الأزواج من طالبي اللجوء في حال كانت الزوجة دون سن الثامنة عشرة. كانت حجتها أنها تحمي الفتيات الصغيرات من الزواج القسري.
لكنها مضت بعيداً في تصلبها ولم تتفهم أن القانون ليس نصل خنجر، يجرح بدل أن يداوي.
في فرنسا اليوم شرخ كبير بين قوانين الدولة وتقاليد الملايين من العائلات الفرنسية ذوات الأصول العربية والإفريقية. وسبب الشرخ الموقف من المثلية. ورغم أن الدين المسيحي يرفض المثلية فإن القانون يفصل الدين عن الدولة.
هل توافق على أن يتلقى ابنك وابنتك تعليماً يمحو الفوارق الجنسية ويسمح بمختلف أشكال الميول؟
سحبت آلاف العائلات أبناءها من مدارس الدولة وألحقتهم بمدارس خاصة، منها ما تديره الراهبات ومنها ما تشرف عليه جمعيات إسلامية أو يهودية.
الأديان السماوية ترفض المثلية وقانون الدولة يقبلها. وهناك قضية تعدد الزوجات. والمهاجر الإفريقي المتزوج من امرأتين يكون مجبراً على تسجيل واحدة بشكل رسمي والعيش مع الثانية وأبنائه منها بصفة غير رسمية.
إن العالم قرية صغيرة، نعم، لكن ذوبان البشر في عجينة واحدة متجانسة... مستحيل.