18 أبريل 2022

د. باسمة يونس تكتب: أحلاهما مر

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: أحلاهما مر
ميشي سولومون التي اختطفت وهي رضيعة 

تخرج ممرضة من مستشفى الولادة في كيب تاون وبين ذراعيها طفلة لا يتجاوز عمرها الثلاثة أيام. لم يساور الشك أحد بأنها سارقة فشلت في تحقيق أمومتها فاختطفت وليدة من حضن أمها لتصبح لديها عائلة صغيرة من لا شيء.

على الجانب الآخر، تفجع الأم لاختطاف وليدتها فتغادر المستشفى بقلب مكسور وتبدأ رحلة عذاب بحثاً عنها، وعلى الرغم من إنجابها طفلة أخرى بعد ثلاث سنوات لم تنس ألمها الذي ظل يغز قلبها بقوة ويقض ليلها لسبعة عشر عاماً.

تمر الأيام وتقف الشقيقتان معاً لالتقاط صورة بعد أن لاحظ الطلاب في المدرسة مدى الشبه بين زميلتهم «ميشي» والطالبة الجديدة «كاسيدي» التي تصغرها بثلاثة أعوام. يتحول الأمر إلى فكاهة فتطابق الفتاتين لا يمكن تجاهله إلى درجة التشكيك في أن أحداهما متبناة!

لا أحد كان يمكنه التنبؤ بأن تقارب الشقيقتان القوي على الرغم من اختلاف عمريهما والمراحل الدراسية سخرية قدر. إنهما تسكنان على بعد خمسة كيلومترات عن بعضهما بعضاً وربما التقتا مراراً وتكراراً، لكنهما لا تعلمان بأنهما شقيقتان من أم واحدة فطر قلبها بقسوة.

واجهت «ميشي» صدمة الحقيقة بانكشاف التشابه الذي جعل والديها الفعليين يرفعان شكوكهما إلى الجهات المسؤولة، لم يكن الأمر سهلاً ولا يمكن التعافي منه بسرعة لأن المخطوفة كبرت في حضن السارقة وتربت بين ذراعي زوجها الذي اعتبرته أبوها فكيف تنتزع من حضنيهما ويتهمان بالخطف ويلقى بأمها خلف أسوار السجن؟

بالنسبة لـ«ميشي» كان ما حدث خطأ فادحاً لدرجة تمنيها أن تكون نتيجة اختبار الحمض النووي سلبية وبأنها تعيش مع أسرتها الحقيقية، لكن النتيجة صفعتها بواقع غربتها عنها وبأن «كاسيدي» شقيقتها فعلاً.

لم تتقبل الأمر وبانتظار أن تصبح في الثامنة عشرة من عمرها ظلت تفكر في اتخاذ قرار سيمنحها القوة على الاحتمال والاختيار بين العودة إلى أبويها الحقيقيين أم البقاء مع من تربت بينهما؟

تغيرت حياة «ميشي» في لحظة، لكنها لم تتمكن من تغيير مشاعرها وقلبها الحزين على خسارة عمر طويل، فقررت عدم العودة إلى أبويها البيولوجيين المطلقين لتظل مع والدها الزائف الذي كبرت في حضنه وعاشت حياة مستقرة وآمنة.

لم يكن ممكناً وصف الألم الذي عانته «ميشي»، فهي لم تكن مرتاحة وتشعر بأن شيئاً ما لم يكن على ما يرام وزادها سجن أمها السارقة تعاسة فقررت عدم العودة إلى البيت الذي من المفترض أن يكون بيت عائلتها الفعلية.

وعلى الرغم من كفاحها لتكوين علاقة مع أبويها الحقيقيين ظلت تشعر أحياناً بأنها تكرههما لأنهما أخذا أمها بعيداً عنها.

لم يكن سهلاً تقدير أيها أكثر وحشية، أهو ألم أبوين سرقت منهما وليدتهما، أو امرأة فشلت في تحقيق أمومتها، أم ابنة شبت في حضن عائلة زائفة تحبها ولا تقبل استبدالها بأبوين حقيقيين؟

وما عاشته «ميشي» من سعادة في حضن عائلتها الزائفة تحول شقاء بالكشف عن أبويها الفعليين. مرارة لا تضاهي شعورها بالغربة، وبأنها تموت وهي تستمع إلى الحكم على أمها بالسجن بتهمة الخطف والاحتيال وتراها ترتدي ثياب السجينات فتبكي بحرقة وقلبها مكسور على ما آل إليه الحال.

وكما قال الشاعر أبو فراس الحمداني:
«وقال أصيحابي» «الفرار أو الردى؟ فقلت: هما أمران، أحلاهما مر».