جاء «مهرجان البحر الأحمر» خاتماً لثلاثة مهرجانات رئيسية تقع جميعها في الربع الأخير من العام وهي، حسب تواريخها، مهرجانات قرطاج (أكتوبر- نوفمبر) ومراكش (نوفمبر) والقاهرة (نوفمبر) ثم البحر الأحمر. وكان من المفترض إقامة دورة جديدة من مهرجان الجونة لكن تبعاً لأسباب غير واضحة تم إلغاء الدورة على أن تُقام في العام المقبل.
مشاكل السينما العربية
كل واحد من هذه المهرجانات المقامة عرض أفلاماً عربية غالبها من المغرب وتونس ولبنان ومصر والعراق وما تقدّم ذكره بالنسبة للسينما السعودية. لم يكن العام، تبعاً لما شوهد من هذه الأفلام، من بين تلك التي يسجّل لها التميّز عن سواه. وبعضها فقط يستحق التوقف عنده كون المشاكل التي تواجهها السينما العربية ما زالت على حالها لأسباب متنوّعة من بينها استمرار الاعتماد على التمويل الأوروبي الذي يخلق شروطاً تباعد بين الرؤية الشاملة للمخرج وبين نتيجته على الشاشة. ربما كان الأمر في الموسيقا المستخدمة أو ربما في تطويع النص ليخدم اتجاهاً آخر أو حتى تنازلات فيما يتعلّق بموقف يتبناه المخرج أو كان يرفض تبنيه.
المخرج داود عبدالسيد
حظوظ الأفلام العربية في المهرجانات الأجنبية
لا ننسى إن السينما العربية تقوم على مبدأ العروض إما في المهرجانات العربية والأجنبية (بنسبة 40 بالمئة من الإنتاجات) والعروض التجارية في الصالات (فيما تبقّى). في الجانب الثاني فإن الأفلام المصرية ما زالت الأكثر رواجاً لكن رواجها بات أقل مما كان عليه في عقود سابقة. إذا ما وضعنا هذه الحقيقة على المحك يمكن إدراك أن أحد أهم النجاحات الممكنة للفيلم العربي هو البحث عن سبل عروض مشتركة وموّحدة زمنياً للأفلام العربية في كافة الدول. ليس بالأمر السهل، لكنه سيؤدي إلى زيادة نسبة الإقبال على الأفلام الآتية من شرق العالم العربي وغربه.
لقطة من فيلم أخضر يابس
الأفلام العربية.. بين الجادة والترفيهية
اهتمام الأفلام العربية بالمواضيع يعتمد على الوجهة التي يختارها المخرجون العاملون. هناك وجهتان لا ثالث لهما. هو إما يصنع أفلاماً جادة لجمهور جاد داخل البلاد أو خارجها إذا استطاع، أو يعرض أفلاماً ترفيهية لجمهور أعرض في بلده أساساً.
في العام 2022 استمر منوال السينما المصرية بلا تغيير كبير. إنه العام الذي أعلن فيه المخرج داود عبدالسيد الاعتزال احتجاجاً، والعام الذي ما زال مخرجون من طينة أحمد مجدي «لا أحد هناك» وتامر السعيد «آخر أيام المدينة» ومحمد حمّاد «أخضر يابس» وهالة القوصي «زهرة الصبّار» وكريم حنفي «باب الوداع» من بين آخرين.
خارج مصر، يستمر كذلك غياب اللبناني فيليب عرقتنجي «اسمعي» والمخرجة الفلسطينية مي مصري «3000 ليلة» والتونسي علاء الدين سليم «آخر واحد فينا» والجزائرية ياسمين شويخ «إلى آخر الزمان» والأردني محمد المسّاد «إنشاالله استفدت» والمغربي هشام العسري «البحر من ورائكم» والعراقي قاسم حول «بغداد خارج بغداد» وآخرين عديدين.
خطط لدعم المواهب في السينما العربية
وسط هذا الغياب الناتج عن انعدام الاهتمام بإيجاد خطة دعم للمواهب المذكورة أو سواها من السينمائيين الجادّين وغير المتنازلين عن طموحاتهم، لم يكن صعباً اختيار أفضل الأفلام العربية التي شوهدت هذا العام، علماً بأن الفترة الزمنية المختارة هي من نهاية العام الماضي وحتى اليوم.. هذه الأفلام هي (من دون ترتيب):
- فيلم الحارة - باسل غندور (الأردن)
- فيلم ما تسمع كان الريح - إسماعيل ويوسف الشابي (المغرب)
- فيلم حمى البحر المتوسط - مها الحاج (فلسطين)
- فيلم حمام ساخن - منال خالد (مصر)
- فيلم الأخطبط - كريم قاسم (لبنان)
- فيلم كيوكو: موسم حصاد الأحلام - حميد بن عمرة (الجزائر، سوريا)
- فيلم الملكة الأخيرة - عديلة بن ديمراد ودانيل ونّوري (الجزائر)
- فيلم صندوق الذكريات - جوانا حاجي توما وخليل جريج (لبنان)
- فيلم جزيرة الغفران - رضا الباهي (تونس)
- فيلم قلتلك خلص - إيلي خليفة (لبنان)
كانت هناك أفلام عربية جيدة إنما لم تكن بالجودة المثالية لضمها لما سبق. أحدها فيلم سؤدد كعدان التي عرضت فيها قصّة عائلة سورية في بلدة تقع على خط التماس بين المتحاربين موزّعة النوايا بين أب يرفض النزوح وأم وابنتها تتبنى ذلك وتقدم عليه.
أيضاً في هذا المجال فيلم اللبناني غسان سلهب «النهر» الذي يريد التحدّث عن أشياء كثيرة، مثل العاطفة والحب والقرب والبعد والحياة في كنف وضع سياسي نسمعه ولا نراه، لكنه يضيع في رمزيات تبدو أخف قدرة على تحقيق المطلوب منها.
أيضاً بين ما برز «حدائق معلّقة» لأحمد الدراجي (العراق) الذي يبدأ عمله على نحو مثير للاهتمام ثم يفقد البوصلة مسترسلاً في طروحات أخرى وتنويعات على المزاج الحزين ذاته.
أما الجزائري مرزاق علواش فقد استبدل مواضيعه السابقة وما جاءت به من طروحات مهمّة بفيلم يحمل نبرة تلفزيونية وكوميدية سهلة وواضحة عبر فيلمه الجديد «العائلة».