02 يناير 2023

"avatar 2".. حبكة معادة ولكن عرض سينمائي مبهر

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

منذ أن خرج «أفاتار: طريق الماء» إلى العروض السينمائية قبل عشرة أفلام، أنجز حتى كتابة هذا التقرير مليار دولار حول العالم.

إذاً حقق هدفه الأولي المنشود وهو التوجه صوب «ملياره» الأول ونستطيع أن نرى ابتسامة المخرج جيمس كاميرون مرتسمة على شفتيه كما لو كان يقول لمنتجيه «قلت لكم أن هذا الفيلم لن يخسر ما تم إنفاقه عليه» (نحو 250 مليون دولار).

الفيلم الجديد هو فعلاً أكبر حجماً وأكثر إثارة للذهول كما قال. فيه من المؤثرات الخاصة ما يتقدّم عن تلك التي ظهرت في الجزء الأول ومشاهدته بنظام 3D يجعل المُشاهد يعيش تلك المؤثرات والأجواء والأحداث تماماً كما لو كان فوق كوكب باندورا بنفسه. يتجاوز كل فيلم استخدم هذا النظام بسنوات ضوئية موفراً ثراء في المشاهدة لم يسبقه إليه أحد.

لكن عندما تخلع عن الفيلم إنجازاته وحسناته التقنية لكي تفحص الحكاية ذاتها تجد نفسك تتابع حكاية تشبه حكاية الفيلم الأول الذي، بدوره، (ومن دون أن أقصد التقليل من فاعلية) تشبه أي

فيلم هوليوودي دار حول احتلال الرجل الأبيض لقبائل القارة الأميركية في عقود القرن التاسع عشر. المواطنون الأميركيون الأول دافعوا عن أرضهم ضد البيض المشبعين بالرغبة في استحواذ الأراضي والبحث عن الذهب والفضّة بأي ثمن. الجزء الأول من «‫أفاتار» قدّم هذه الحبكة جيداً. الجزء الثاني منه يقدّمها، مرّة ثانية، جيداً أيضاً، لكنها الحبكة التي نجدها في أفلام الوسترن، خصوصاً تلك التي وقفت لجانب الشعوب المُبادة.

الفضاء الكبير وكواكب أخرى

ينتمي الفيلم في حقيقته لتلك الأفلام التي قدّمت الحياة على سطوح الكواكب الأخرى كما لم تفعل الأفلام السابقة. يشمل هذا النوع ثلاثية «ستار وورز» الأولى (قبل أن تتهاوى إلى سلسلة من حكايات الفضاء المعلّب). في تلك الثلاثية التي أنتجها جورج لوكاس وأخرج بعضها، وفّر للعين جديداً من المناظر الصحراوية في الكواكب البعيدة وما يدور حولها ومن يعيش فوقها.

ريدلي سكوت عاين الكواكب الأخرى أكثر من مرّة. في العام 1979 قدّم «غريب» (Alien) حيث الفضاء ليس بالبراءة التي عرضتها بعض الأفلام، وجيمس كاميرون ردد ذلك عندما أخرج الجزء الثاني تحت عنوان Aliens. عاد سكوت إلى الفضاء سنة 2015 ليقدّم «المريخي» (The Martian) بينما تعاملت سلسلة Star Trek مع الفضاء الكبير كمجموعة ألغاز ومناطق غموض.

بعد عامين من «المريخي» قام ريدلي سكوت بتحقيق فيلم «أليان: عهد» ( الذي يحط فيه أبطاله فوق كوكب بالغ الجمال وأسباب المودّة والراحة قبل أن يكتشفوا أن هذا الكوكب البعيد عن الأرض يحفل بالوحوش التي كانت على شاكلة الأفلام السابقة من تلك السلسلة فتكا وقوّة.

فيلما Dune (الأول من إخراج ديفيد لينش سنة 1984 والثاني لدنيس فلنيييف) دارا أيضاً فوق واحد من تلك الكواكب المتوحشة وبحكاية مستوحاة من الشرقين العربي والآسيوي.

بدوره أثبت بيتر جاكسون أن هناك عالماً آخر لا هو أرضي ولا هو فضائي وذلك في سلسلته الشهيرة «سيد الخواتم» (The Lord of the Rings). عالمه ذاك منفرد من حيث أن الصراعات التي تحتدم فيه والمعارك الملحمية التي تقع ليست جزءاً من التاريخ. هي ليست من نوع «حدث ذات مرّة في الأمس البعيد» ولو أن الأسلحة المستخدمة ليست حديثة أو عصرية بأي حال.

نجاح تلك السلسلة المبهر كان تمهيداً لسلسلة أخرى باسم «ذا هوبِت» (The Hobbit) التي ماثلت السلسلة الأولى في اختيار تلك البقع شبه الأرضية التي- في الوقت ذاته- ليست فضائية.

تعاملت بعض الأفلام المذكورة والكواكب البعيدة وتلك الخيالية على أنها البديل الممكن للحياة بعيداً عن الأرض وفي رحاب الخيال. في حين انتقلت الرغبة في البحث عن كوكب جيد للعيش إلى سينما الرسوم وما يرد في «أفاتار» الجديد حول هروب الأرضيين من كوكبهم بسبب التلوّث كامن في ذلك الفيلم الذي أخرجه أندرو ستانتون سنة 2008 WALL‪-E

استعمار وسكان أصليين

يتحدث المخرج كاميرون في «‫أفاتار 2» عن محاولة البيض («جنود السماء» كما يسمّيهم الفيلم) استعمار الكوكب وقيام هؤلاء بالدفاع عن أماكن عيشهم ومجتمعاتهم. لكن هذا ليس الحديث الوحيد. من اهتمامات المخرج الحديث كذلك عن البيئة المحمية من قبل السكّان الأصليين والمهددة من قبل الغزاة. وعن الروابط العائلية المتينة (بعدما تزوّج الأرضي جايك (سام وورثينغتون) من إحدى إناث القبيلة ورزق منها بثلاثة أولاد يعيشون، قبل الغزو، في نعيم وسلام وهدوء). السبب في عودة الغزاة إلى هذا الكوكب الجميل في كل شبر من غاباته وجباله وصخوره ومياهه، يختلف عن المرّة الأولى. فكوكب الأرض صار سامّاً. لم يعد صالحاً للحياة بسبب تلوّث البيئة. الخطة ب هي احتلال الكواكب الصالحة للاستيطان.

يمتلك «‫أفاتار: طريق الماء» القدرة على منح الشاشة درجة أقصى من الإحساس بأهمية الخيال والمغامرة في السينما. هذه دائماً ما سعت للإبهار من أيام «مولد أمّة» لديفيد وورك غريفيث» في سنة 1915 إلى ما قد تختاره أنت من أمثلة حديثة.